• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : زهراء..  .
                          • الكاتب : د . حسين البصري .

زهراء.. 

 

بين زحام المرضى وكثرة المراجعين يبقى بعضهم عالقين في ذاكرتنا الى أجل غير مسمى .. 

لم يكن شكلها يلائم عمرها .. أذكر أول مرة رأيتها ظننتها بسن ال١٢ عاما .. فكان حجمها حجم طفلة وصوتها صوت طفلة ووزنها وزن طفلة في العاشرة او ما يزيد قليلا .. ولكن اكثر ما يجذب الرائي هو حجابها العفيف .. وقلة قدرتها على التحمل فهي تبكي من سحب الدم وتبكي من وضع الكانيولا 

قلت في نفسي كيف ستتحمل عمليتها - الكبرى - يوم غد ؟ وهي هزيلة الجسد ضعيفة البنية قليلة التحمل والتجلد ؟ 

كنا نتابعها بعد العملية بشكل مستمر .. تتحسّن أياما .. وتنتكس أخرى .. ادخل بعض الاحيان فتستقبلني بابتسامة فأبادرها قائلا بنبرة مزاح : يالله زهراء شدي حيلج حتى تطلعين ترة ملينا منج ومليتي من عدنا .. فترد بابتسامة خجولة 

مما يجدر بالذكر ان لها والدا عطوفا مؤدبا بشكل ملفت يجعلنا لا نرد له طلب .. وحريص عليها جدا ووالدة شاكرة وراضية بقضاء الله لم اجدها الا وهي واقفة تخدم ابنتها وتدعو لها ولنا ولكل من يحاول مساعدتها بقلب صادق ونبرة رحيمة 

بعد عدة ليال قاسية .. بدأت تسوء حالة زهراء .. كانت تتألم كثيرا وكل ما تألمت تقول بصوتها الضعيف "يا فاطمة الزهراء" .. " يا سيدتي .. " ولا تكمل ما تريده منها ؟ .. 

الى ان بدأت تفقد الوعي واحتاجت الدخول الى العناية المركزة حيث بقي اهلها في مكان بعيد عنها 

كنت احرص على النظر اليهم حين اخرج منها فأرى أمها - واقفة - وكأنها حرمت على نفسها راحة الاتّكاء اثناء معاناة صغيرتها وكان أبيها - بعد أن بدأ اليأس من شفاءها يدب الى خواطره يلحق بي الى الدرج ويقول " انا ما اوصيكم بشي ما قصرتوا وياهه بس اريدكم تدعولهه دكتور" ! 

في النهاية قضت حكمة الله ان يرد اليه هذه الملاك الصغيرة .. المتدينة..الراضية .. ذات النفس المطمئنّة .. لتبقى ذكراها الطيبة في قلب كل من تحدث اليها أو التقى بها يوما من الأيام .. درسا في الصبر والإيمان والتسليم ..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=209381
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 10 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 23