( المشهد الأول )
يُغلِفُ باحة المسرح إظلام تام ، تنبلجُ الإنارة على موسيقى تشبه لون الشهادة متواشجة بلـون احمر ٍ قان ٍ ، يطلع من بين ثنايا ذلك اللون رجل بهندام عصري يقف منتصباً وسط الباحة وخلفه تظهر شاشة كبيرة لعرض ( المعادل الصوري) * فن الملتميديا * وقد لـُونتْ الشاشة الكبيرة بذات اللون الأحمر ، تبدو السماء محمرة تكاد تمطر دما ً من وقـع غضبهـا ونقمتها ، ونشيجها المأساوي المفجع .
الرجل / من إلف عام ٍ ونيف
كان الخريف .. يتطاول حد النزفِ
وفي باحة ِ الروح ِ .. ثمة َ أزمنة قفـار
تعالجها البرايا .. تساوقها المنايا
لكن غضبة ً من يقينِ ٍ .. ترتقي للعلا
لتروي المآقي .. بمدادِ العيون ِ
واقترابِ المنون ِ
فالمحاجر ترقب ُ ذاك الضوء الطالع من رحم الكون
والأرض تخلع حلتها غاضبة كالهول
فالسماء تمطرُ دما ً
نسمع أصوت رعد وبرق ، تمطر السماء من مآقيها دمعا باشتهاء ومعنى الدم لتملأ باحة المسرح بقطرات المطر الأحمر النازل من شغف السماء حزنا ، وكمدا ، وغضبا متوائمة بلوعة أزلية ، يظهر عبر الشاشة الكبيرة جسد الإمام الحسين (ع) وهو مضرج بالدماء وفيه مئات الطعنات وعشرات السهام وهو ملقى على رمضاء كربلاء وقد احتوت الجسد بقع من الضوء البهي وهي ترتقي الى السماء مخترقةً قطرات الدم الطافحة من الجسد الشريف والهابطة من كبد السماء يتقـــــــــدم الرجل العصري وقد بانت على محياه ملامح الحزن ، وقد علا صوته وهو ينحب وينشد بصوت شجيّ مكابر ، وهو يدور في الباحة وينظر الى الجسد الطاهر .
الرجل / قتلوك َ .. لأن دمَ النبوةِ يسري فيكَ
يا أيها الزمان ُ
يا أيها المكان ُ
يا أيها الربيع ُ والنزيفُ
يا وجنة ً تريبـــة ً
يا شيبة ً خضيبة ً
يا دمعة ً سكيبة
أبرقت من زرقة ِ السماءِ
أيـا كوكبا ً من نواحٍ
يا جنة ً من نواح ٍ
حين تعانقُ دمعةَ الحياءِ
في حضرة ِ البهاء ِ
فوقَ تربة ِ الرمضاء ِ
ومطر من دماءٍ
يهبطُُ من رحمِ السماءِ
ينزل الرجل على ركبتيه وهو ينظر للجسد الطاهر عبر الشاشة وقد علا نحيبه وينشد مكلوماً
الرجل / يا سيد الشهداء
يا سيد َ الأسماء ِ
يا سيد َ الإحياء ِ
يا نبضا ً يداهم ُ دمعتي
يا نوراً يواشجُ مهجتي
يا سيدي .. وسيد الأسماء .. وسيد الشهداء
ينهض من على الأرض يلتفت الى الجمهور وبثبات
سيلعنُ التاريخ جميع القتلة .. وكل طغاة الأرضِ
ويخرجهم من قبورهم المتوارية في العراء
ليرميهم خارج الأزمنة
وادلهام لياليها المعتمة
مع إظلام الباحة ، يعرضُ عبر الشاشة منظر النوق الهزيلة وعلى ظهورها السبايـا تنساب موسيقى حزينة مع اختفاء صورة الشاشـة والموسيقــى تُسلطُ بقعة ضوء حمراء على قبـــــر ٍ من تراب ٍ يجثمُ فوق تل احمر ٍ فوق مرتفع وسط الباحة ينفض يزيد عنه تراب القبر ليخـرج جسده منه وهو أشعث الشعر ممزق الثياب محروق الجنبان قبيح الوجه مكمم اليدين والرجلين بسلاسل تشبه لــون الدم وكأنه خرج للتو من نار جهنم يتلوى بجسده يصـرخ بصوت عــال ٍ
يزيد / اقسم برأس جدي .. وأبي وجدتي
آكلة الأكباد .. وسيدة الأحفاد
وربة الأمجاد .. ومؤججة الأحقاد
واقسم بأجدادي الطلقاء
يتدحرج يزيد من قبره من فوق التل ليصل الى مقدمة الباحة ينفض التراب عن كاهله يمسح الدم عنه يقف وهو بحالته المزرية تلك مأزوما ً وبصوت مذبوح متحشرج وكأنه مخمــــــــور
يزيد / اقسم بربة خمري .. ولذة كأسي
وجمال جاريتي .. وغنج غلماني
يصرخ بصوت عال ٍ خار القوى متوترا ، قلقــاً
يزيد / اقسم .. لو خرجتُ من قبري
ألف .. ألف دورة للشمس
لقتلته ُ .. نعم .. لقتلته ُ !!!
وأمرتُ بحز ِ رأسه ِ من القفا
ورفعته على القنا
ليدار بهِ في الأقطار
ومدائن الأمصار
فلا احد هناك من ينازعني على ملكي ويخلع عن هامتي تاجي
تظهر على الشاشة صورة السبايا وهـن على النوق الهزيلات الضامرات يسمع يزيد صوت غراب ينظر يزيد باتجاه صوت الغراب ومنظر السبايا وهو يرتعد خائفا ينشد هذه الأبيــــات
يزيد / لما بدت تلك الحمـــــول وأشرقت
تلك الشموس على ربى جيرون
نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح
فلقد قضيت من الغريم ديونــــــي
يضحك يزيد عاليا كأنه مجنون يعود لقبره تتقلص بقعة الضوء الأحمر عليــه ونصف جســـده خارج من داخل القبر ، ومن زمن مأساة السنة الألف عام ٍ ونيف في رمضــاء كربـــلاء يجيء صوت الإمام الحسين (ع) مــــــن عمق المأساة وهـــــو ينشد هذه الأبيات بصوت شجيّ جلـيّ
الصوت الحسين / تركت الخلق طـرا فـي هـــواك * وايتمت العيال لكــي أراك
ولو قطعتنـــي بالحب أربــــــا * لما مال الفؤاد الى سواك
فخذ ما شئت يــا مولاي منـي * أنا القربان وجهني نــداك
وهذي نسوتي حسرى سبايــا * تحملت البلايا من عـــداك
تتسع بقعة الضوء الحمراء على يزيد وهو يتلوى بألـم ، يجثمُ فوق قبره الترابــــــي بجسده المتهرئ وهو مثقــل ٌ بذات السلاســـل النارية ينسل ُ رويـــدا ً الى وسط الباحة يحــــــاول فـــك السلاسل المقيد بها ينجـح في فك السلاسل يتقدم نحو مقدمة الباحة يحتوي المكان من حولــه بعينين زائغتين تعلو محياه الدهشة والريبة والخوف .
يزيد / أين أنت يا يزيد ...
ما هذه المفازات القاحلة
وهذه الرمضاء الهاجرة
وهذه الإقامة الماجنة
من ذا الذي أخرجني من قبري
في ساعة لم تطلع على نهارها شمس
ولم يبزغ في ليلها قمر
أنها القيامة .. لأعود إدراجي الى قبري
يعود يزيد لقبره فزعا يواري التراب عليه تعرض الشاشة دويّ برق ورعد السماء يخــــرج الرجل من جانب أسفل يمين باحة المسرح يصل ليزيد وهو فـــي قبره الترابــي ، يقف فوقه وقد توسطه وهو يدوس بقوة بقدميه على كتفيّ يزيد ، وهو ينظــر إليــــــه بنظــرة حانقــة
بينما ظل يزيد يزوغ ببصرة وهو يحتوي المكان من حوله وينظر الى الرجل باندهاش وريبة
يزيد / ( خائفا ) من أنت ؟!
الرجل / أنا التاريخ يا بن الطلقاء
يزيد / التاريخ .. أذن أنت تعرفني
الرجل / بلى أعرفك .. واعرف طغيانك
يزيد / تبدو غريباً .. من اي عصرٍ أنتَ ؟!
الرجل / من العصر القادم
يزيد / من العصر القادم ؟!!!
الرجل / بلى .. عصر كشف الحقائق .. والأخذ بالثأر
يزيد / أي ثأر ؟!
الرجل / ثأر الدم
يزيد / أي دم ؟!
الرجل / يبدو بان ميتتك العفنة
أنستك جريمتك النكراء
يزيد / أنا .. أنا لم افعل شيئا !!!
الرجل / انه دم المأساة الكبرى
يزيد / لم افهم ما تقول !!!
الرجل ( يدوس بقوة على كتف يزيد ) دم النبوة أيها الطاغية
سأخرج جميع القتلة من قبورهم المتوارية في قعر النار
لانتزع من أفواههم الحقيقة
يزيد / الحقيقة .. أية حقيقة هذه ؟!
الرجل / حقيقة تاريخكم الأسود
يزيد / أنا لم افعل شيئا
الرجل / انه دم النبوة أيها النكرة
يزيد / أتقصد دم الحسين ؟!!!
الرجل / نعم دم الذي شاسع نعله اطهر من ذريتكم باجمعها
يزيد / أراد ان ينازعني عن ملكي
الرجل / كذبت أيها الأَفاق .. ولُعنت
انه لم يخرج أشِرا ولا بطِرا .. ولا مفسداً .. ولا ظالماً
وإنما خرج لطلب الإصلاح في امة جده
يزيد / أو لا يكفي هذا الخروج .. لتهديم أركان دولتي ودولة أبي وأجدادي
الرجل / لعنك الله .. ولعن أبيك وأجدادك
يزيد / ساذقيكَ مر َ العذاب
وسأجعلك تتقيأ سماً زعافا ً
وتتمنى أن لم تلدك أمك .. وان تجثم بقبرك المنسي هذا .. والى ابد الآبدين
يزيد / اذن ارحمني .. ولا تخرجني من قبري
الرجل / بل أريدك ان تخرج .. لتقول الحقيقة
يزيد / الحقيقة .. أنها أمرُ من العلقم
أنها تنفر الناس عن بني أمية
الرجل / وهل اجتمعت عليكم الناس يوماً
إلا بطغيانكم .. وجبروتكم .. واسواط جلاديكم .. ودنانيركم
( يدوس الرجل على رأس يزيد بقدمه بقوة )
يزيد / آه .. آه لقد مرغت بقدمك هامتي بتراب الأرض
الرجل / سأخرجك من قبرك .. لكي أعيدك إليه ثانية ً
وسأخرج معك جميع القتلة
لكي تتربعوا فوق ناصية الخزي والعار .. واللعن
( يخرج الرجل يزيد من قبره وهو يسحب جسده رويدا وهو يتألم )
يزيد / آه .. آه ... الى أين تأخذني ؟!
الرجل / الى جوف التاريخ لكي يعرف الجميع حقيقة جريمتك
التي بكت عليها السماء دماً
تسلط على يزيد بقعة ضوء صفراء بلون الشحوب يتوارى الرجل عن الأنظـــار يلتفت يزيد من حوله يتحسس جسده بألمٍ وفزع وقد ادمي ّ وجهه وجسده وأخذت منه عذابات القبر مأخذهــــا
يزيد / آه .. آه ... يبدو بأنني ما زلت في هذه المفازة القاحلة
التي تستوطن خارج الزمن
إي تاريخ هذا الذي يزمع ان يُكثرُ عليّ غلة عذابات قبري
ويقلب صفحات تاريخي الأسود القاتم
ويؤجج عليّ .. وعلى آبائي .. كل مراسيم الأحقاد
آه .. آه .. لقد أذاقني القبر لوعة الهوان .. وهول النيران
وذلك الفرس اللعين أذاقني هو الآخر مـُرَ العذاب قبل موتي
وهو ينطح رأسي بصخور الجبال
ورأسي يتدلى كخيط من على سرجه
لقد أماتني فرسي ميتة الجيف
وها هو التاريخ قد أُ ُخرجني من قبري
لكي اصعد الى الهاوية ثانية ً
لان السماء ما زالت تمطر دما
( يضحك بخبث ومكر ، يهمس كالأفعى وبصوت يقطر ُ سما ً )
يزيد / لقد أخرجني التاريخ من قبري لارتكب جريمتي الخسيسة تلك ثانية ً
وأدون ذات المأساة .. بحبر ِ الفجيعة ِ
( يقف منتصبا ينظر الى الشاشة الحمراء ، يدير وجهه صوب مقدمة الباحة ضاحكاً )
يزيد / ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الاسل
لأهلوا واستهلوا فرحــــــاً * ثم قالوا يا يزيــــد لم تشـــــل
قد قتلنا القرم من سادتهم * وعدلناه ببدر فاعتــــدل
لعبت هاشم بالملك فــــــلا * خبر جاء ولا وحي نزل
لست من عتبة الم انتقم * من بني احمد ما كان فعل
تعلو ضحكاته حتى تملأ فضاء الباحة ، ثم يجثو بعدها على الأرض متحسساً جسده ووجهه وجلبابه ولباسـه وهو يُردد ُ بفزع وهلع ٍ وحنق ٍ ، يبكي بمرارة وهو ينظر حوله كالمجنون
يزيد / لا احد هناك .. غير وجهي الكالح المكفهر
وخلجات من الهول
وهذيانات تقتحم ذاكرتي لتعتلي إرهاصات القول
( بارتياب وفزع شديد صارخا )
من يعرف هذه اللوعة ...
من ذاق مرارة أن يولد من رحم الأرض ميتا ً
إلا الذي أُ ُدخل َ في نار اتونها .. وأ ُسقي َّ من كأس ِ زفيرها
لكن التاريخ مزمعٌ على خروجي .. لألبس تاج حنقي ثانية
لأسردَ مأساة السنة الألف ونيف
يخرج من الباحة وهو ينزع ثيابه المحترقة من هول القبر ويرميها على ارض الباحة وهـو يطلق ضحكة صفراء مشوبة بعويل بكاء ، ترافقها موسيقى تشبه لون الموت بينما راحــت الشاشة تُظهر ُ رأس الحسين (ع) مرفوعا على رأس رمح ترافقه نوق السبايا في الهاجرة بتوأمة مع صوت موسيقى حزينة تشبه لون الشهادة والإباء والكبريـــــــــــاء والشمــــــــم
( إظلام )
( المشهد الثاني )
تـُنار الإضاءة على مجلس يزيد يظهر سرجون الرومي وهو يلاعب القرد داخل مجلس يزيد وسط جو من الصخب وموسيقى راقصة يدخل يزيد من الجانب الأيسر للباحة ضاحكا ًوهو ينثر الدراهم فوق رأس سرجون والقرد فرحا يدخل من الجانب الأيمن للباحة عمـر بن سعد وعبيد الله بــن زياد ينثر يزيد الدراهم الذهبية عليهما وهم ينحنون لالتقاطها بنشوة ماسحين نعله وهو يضحك عاليا يرتقي كرسيه المُذهب وعـلى رأســـه تاجه المرصع بالذهب والياقوت والمرجان يحمل بيده الصولجــان وقــد لبس جلبابه ألمدهم بالحرير والمنسوج بخيط مــن الذهب والفضة يطلـق يزيد ضحكة عالية تملأ فضاء الباحة وهو يلهو بقـرده وأمامـه كؤوس الخمور وأصناف الفاكهة والأطعمـــة يرقص يزيد كالمجنون يدور داخل الباحة حول نفسه وقــــد علا صوت الغراب عبر الشاشة الكبيرة وقد جلس سرجون الى المائدة وهـــو منهمك بمسح نعل يزيد وكرسيه ، وجلبابه وتاجه
يزيد / سرجون الرومي .. خادمنا .. ومؤنسنا .. ونديمنا .. ومعلمنا للنرد والشطرنج
سرجون / ( ينحني ليزيد ) مولاي ....
يزيد / أنا مغتبطٌ يا سرجون
أريد ان تكون هذه الليلة .. ليلة عرس لأهل الشام
سرجون / أرجو أن تكون رحلة صيد موفقة يا مولاي
يزيد / وأي صيد يا سرجون .. واي صيد ....
(يلتفت الى بن سعد وبن زياد وهو يداعب قرده)
انه صيد من طراز آخر
انه صيد الرؤوس أيها الرومي
( ينادي على غلامه ) أيها الغلام ....
(يدخل الغلام وبغنج ) الغلام / أمر مولاي ...
يزيد / عليّ بقوارير الخمر
لأني ارغب من ساعتي هذه .. أن لا أميز بين ليل .. أو نهار
يسير الغلام نحو دكت الخمر يأتي بقارورة الخمـر وكؤوس وقد رفعهما الغلام فوق طبق مـــن ذهبٍ مرصعـة بالياقوت والماس يقدمها على المائدة إمام يزيد يرفع يزيد قارورة الخمر يملأ كأس بن زياد وكأس بن سعد وهو يضحك عاليا وهو يشرب كأسه دفعـة واحـدة في جوفه يمسح فمه منتشيا
يزيد / لم لا تشربا ؟! مع وليّ نعمتكما
بن سعد / ها .. لقد .. لقد تركت شرب الخمر يا مولاي
لأنها تذهب العقل
يزيد / (يضحك) ومن قال بان لك عقل .. يا بن سعد
لقد بعت دينك .. بملك الريّ
ارفع كأسك .. وإلا ...
بن سعد / (بخوف) سأرفعه يا مولاي
بل سأدفعه في جوفي دفعة واحدة
بن زياد / هل .. هل يسمح ليّ مولاي
أن أمرغ جبهتي بالتراب
ثلاث .. أو أربع .. انقرها .. كنقرات الديك
يزيد / أما أنت يا بن زياد
فانا اشهد بأنك لا تقف أمام ربك
إلا ويداك ملطختان بالدم
اشرب .. وإلا سلطت عليك
كل شياطين الأرض .. لتصلي معك
ابن زياد / (يرتعد) أنا .. أنا لا ارفض أمرا ً لمولاي يزيد .. وابن مولاي
يرفع بن زياد كأس الخمر يشربه دفعة واحـدة يلتفت صوب سرجون وهو يرتب رقع الشطرنج
( يبدو يزيد ثملا يقف على قدميه مترنحا يدور في الباحة وقد اذهب الخمر بعقله )
يزيد / أنا يزيد .. أنا بن معاوية المُحدث ُ للكبائر
لقد غيبت المدام عقلي .. وأذهبت بناصيتي صوب تخوم الهذيان
وأشعلت بمكائدها نوازع النسيان .. واعتليت بها ناصية الجنان
أنا بن متقلدات القلائد .. وربات العوائد .. وذوات الرايات الحمر
معاوية ٌ أبي .. وأبا سفيان جدي .. وميسون أمي .. وهند آكلة الأكباد جدتي
انا يزيد ملاعب القرود .. شارب الخمر .. عاشق القيان والجواري الحسان
ينشد مترنحاً هذه الأبيات منتشيا ))
يزيد / سألتها الوصل قالت لا تغـر بنا
من رام منا وصالا ً مات بالكـمد
فكم قتيل لنا بالحب مات جوى
من الغرام ولم يبـــدأ ولـم يعـــــد
ينزل يزيد الى الأرض يتلوى كأفعـى زاحفا على بطنه هائما وهو يكمل البيت الأخير
قد خلفتني طريحـا ً وهي قائـلـة
تأملوا كيف فعـل الظبي بالأسـد
ينهض يزيد من الأرض يعتدل بالجلوس على كرسيه يعاود الضحك العـــــــــــال
(ينادي على غلامه) يزيد / يا غلام .
(يدخل الغلام) الغلام / نعم يا مولاي
يزيد / ليدخل علينا ......
(يلتفت الى بن زياد وبن سعـــد مستفسراً)
يزيد / ما اسمه ؟!
بن زياد / زحر بن قيس .. يا مولاي
(يأخذ يزيد رشفة كبيرة من كاس الخمر)
يزيد / نعم .. نعم …
فليدخل علينا .. زحر بن قيس
يلتفت الى بن زياد) ومن يكون بن قيس هذا ؟!)
بن زياد / انه حامل الرأس على الرمح من الكوفة الى الشام
يزيد / ها .. يا غلام .. ليدخل بن قيس
الغلام / ليدخل زحر بن قيس
(يدخل زحر بن قيس وهو في لامت حربه ينحني أمام يزيد بن معاوية )
يزيد / قل لي يا .... يا .. يا ..... !!!
يلتفت يزيد الى بن زياد كأنه لا يفقه شيئا يهمس بن زياد في إذن يزيد بصوت عالٍ))
بن زياد / زحر بن قيس
(يرتشف يزيد شربة من الكأس الذي أمامه)
زحر بن قيس / مولاي ؟
(يحك يزيد فروة رأسه) يزيد / تكلم .. تكلم يا .. يا زحر ؟!!!
زحر بن قيس / مولاي يزيد لقد ........
يقاطعه يقضم تفاحة) يزيد / أكمل يا بن قيس .. أكمل)
زاحر بن قيس / لقد ورد علينا الحسين بن علي
في ثمانية عشر من أهل بيته
وستين من شيعته ، فسرنا إليهم
فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا
على حكم الأمير عبيد الله بن زياد
أو القتال،فاختاروا القتال على الاستسلام
مع الإظلام يأتي صوت الإمام الحسين(ع) يخترق الباحة من زمن الشهادة والإباء والكبرياء
صوت الحسين / إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة
بنا فَتح الله .. وبنا يختم
ويزيد رجل شَاربُ الخُمورِ ، وقاتلُ النفس المحرَّمة ، مُعلنٌ بالفسق
ومثلي لا يبايع مثله
إِنِّي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادةً ، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَّ بَرَماً
لا وَالله ، لا أُعطِيكُم بِيَدي إعطَاءَ الذَّليل ، وَلا أفِرُّ فِرارَ العَبيد
(بعد انبلاج الإنارة يعاد المنظر الى مجلس يزيد على هيئته)
يزيد / أرأيتم .. أرأيتم .. انه يأبي ان يعطي بيده لمبايعتي .. وابتغى الشهادة سبيلاً له
ينشغل يزيد بالتهام الفاكهة وهو ينظر الى الجالسين حوله يرفع كاس الخمر يدفعه الى جوفه
يزيد / أكمل يا زحر بن قيس .. اكمل .
زحر بن قيس / فعدونا عليهم مع شروق الشمس
فأحطنا بهم من كّل ناحية
عمر بن سعد/ ( من مكانه وبصوت عال ) حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم
فكنت أول من رمى يا مولاي
يزيد / سنرى الأمر يا بن يعد
عبيد الله بن زياد / يا أمير المؤمنين ما كان
إلا جزر جزور أو نومت قائل
حتى أتينا على آخرهم
فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مرملة
وخدودهم معفرة تصهرهم الشموس
وتسفي عليهم الرياح
زوارهم العقبان والرخم
يزيد/ يا عبيد الله بن زياد .. وأنتَ يا عمر بن سعد
الاثنان / مولاي ...
يزيد / جيئوني بالرأس في الحال
محمولا بطست من الذهب .. مغطى بخرقة بالية
وضعوه أمام مائدتي العامرة بالخمر
عبيد الله بن زياد / لقد فعلت .. قبل أن تأمر يا مولاي
يزيد/ كأنك تقرأ ما يجول برأس مولاك يزيد .. يا ابن .. يا ابن زياد
لم تخطأ أمك حينما سمتك عُبيدا
أتوني بالرأس ............
يدخل غلام يزيد حاملا الطست وبداخلــــــــه الرأس مغطى بخرقة بيضاء وقد امتلأت دما يضع الغلام الطست أمام المائدة ينهض يزيد ينظر الى الرأس مليا ً ثم ينشـــد هذه الأبيات مغتبطـــــاً
يزيد / قد أخذنا من علي ثأرنا وقتلنا الفارس الليث البطل
يتلفت الى الجالسين وينظر للرأس ثم يملأ الكؤوس بالخمر مع صوت موسيقى راقصة ماجنة
يزيد / يا معشر الندمان قوموا وأسمعوا صوت الأغاني
وأشربوا كأس مدام واتركوا ذكر المعانـــي
يشرب كأسا كاملا برشفة واحدة يثمـــل يمسح بقيا الخمر النازلة من فمه بكم رداءه يتجشأ
يزيد / أيها الغلام ...
الغلام / أمر مولاي ....
يزيد / آتني بقوارير الخمر لتزين بها مجلسي
ودسها دسا ً .. في اكشح ِ الرجال ِ
انه اليوم الذي انتظرته طويلا
للأخذ بثارات عتبة والوليدا
وآل أمية اجمعينا ...
من كان في أكم الكعبة ِ الوليدا
إليّ بكاس الخمر
الي بالجواري الحسان .. ولحم الضأن
والجواري السمان .. ولترقص القيان والغلمان قدموا ليّ الرأس في الطست .. وجميع السبايا أولاد علي
ليروني وأنا أداعب بقضيب حديدي ثغره .. الذي أشيعه جده لثما
تتعالى أصوات دق الطبول وعزف المزاميـــــــــــــر والغنــاء والرقص
( إخفات تدريجي )
( المشهد الثالث )
تنبلج الإضاءة عن خربة الشام تدخل الى الباحة هند بنت عامر وهي تجلس على كرسيهــــا الفخم الذي يحمله غلامين وخلفها جاريتهـــا تتوسط باحــة المسرح تنظر حولهــــا بامتعاض
هند / أنزلوني هنا ...
ينزلها الغلامان عن الكرسيّ
(مع الغلامين) انصرفا ...
ينحني الغلامان لها يغادرا الباحــــة تجول عينا هند داخل فضاء الخربة وهو في ذهــــــــول
هند / أنها خربة .. لا تقي من برد .. ولا تحمي من سطوة شمس
أية قسوة قلب هذه .. يا يزيد
أيتها الجارية ...
الجارية / نعم مولاتي
هند / أين السبايا إذن ؟
الجارية / إنهن يحتمين خلف هذا الجدار
من قيظ النهار .. وصقيع الليل
تنهض من كرسيها تجول في المكان تصل الى الجـــــــــدار الذي يحتمين به السبايا ثم تشير بإيماءة لجاريتها بإحضار الكرسي بجانب الجدار تجلس على الكرسي جلسة الأميــــــــــرات
هند / أيتها سبايا .. لتحدثني أكبركن
تخرج عليها زينب (ع) وهي مخمورة الوجه تغشيها ثياب سوداء
من أي البلاد انتم ؟ هند/
زينب / من المدينة
تنهض هند من كرسيها واقفة بإجلال وخضوع
زينب / أراك ِ ترجلت ؟
هند/ إجلالا .. وإكراما ...
لمن سكن ارض المدينة
يا اخيتاه .. أريد أن أسألك ؟
عن بيت في المدينة
زينب / سلي ما بدا لكِ
هند / أسألك عن دار مولاي علي أبي طالب
زينب / ومن أين لك المعرفة بدار علي
هند / كنت خادمة في بيته
زينب / وعن أيّما تسالين ؟
هند / أسالك عن مولاي الحسين
وعن إخوته وأولاده
وعن بقية أولاد علي
وأسألك عن مولاتي زينب
وعن أختها أم كلثوم
وعن باقي مخدرات آل بيت النبوة
زينب / يا هند ابنة عامر
فإما دار علي .. فقد خلفناها تنعى أهلها
أما الحسين فذاك رأسه بين يديّ يزيد
تدور هند في الباحة كالمجنونة وقد نزعت عنها قلائدها وحليها وترميها على الأرض صارخة
هند / واحسبناه .. واسيداه .. وإماماه
زينب / أما عن العباس وإخوته
فقد خلفناهم على الأرض
مجزرين كالأضاحي بلا رؤوس
وإما سيدك زين العابدين
فها هو عليل .. لا يقوى على حراك
هند / وإماماه .. واسيداه .. واعلياه
زينب / وأما سؤالك عن زينب ؟
فانا زينب بنت علي
وهذه أم كلثوم ..
وهؤلاء بقية مخدرات أهل البيت وعيالهم
تأخذ هند التراب من وجه الأرض تنثره على رأسها تبكي ضاربة بيدها على رأسها لاطمـــــــة خديها تتشبث بالجدار تنــزل رويدا الى الأرض خائرة نائحة بصوت مذبوح مخنوق باكيـــــــــة
هند / وإماماه .. واسيداه .. واحسيناه
ليتني متُ قبل هذا اليوم
ولم انظر .. ولم اسمع ..
مخدرات بيت النبي سبيات
وتحز رؤوس سِباعِهن على الرمضاء
زينب / اذهبي يا هند .. لكي لا تطالكِ يد يزيد
فهي ما زالت تشتهي مذاق الدم
هند / سأغادر يا مولاتي .. لكن غليلي لن يشفى من النواح والبكاء
على سيدي .. ومولاي ..وإمامي
ولن يهدأ ليّ بال .. حتى آخذ بثأري من قاتله
تخرج هند من الباحة وهي تردد بصوت متحشرج ناثرة الشعر وهي تنثر التراب على رأسها
هند / وإماماه .. واسيداه .. واحتسينا
تسلط بقعة ضوء خضراء على زينب ليأتي صوتها وكأنه يطلع ُ من رحم الأرض مكابــــــرا
صوت زينب / يا يزيد ... لتجدن وشيكاً مغرما ً
حين لا تجد إلا ما قدمت يداك
وما ربك بظلام للعبيد
فكد كيدك وأسعى سعيك
وناصب جهدك
فوالله لا تمحو ذكرنا
ولا تميت وحينا
ولا تدرك أمدنا
ولا تغسل عنك عارها الى يوم القيامة
وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد
وجمعك إلا بدد
يوم ينادي المنادي
ألا لعنة الله على الظالمين
يتردد صوت زينب (ع) بعلوٍّ واثقا وكأنه يطلع من بين ثنايا الإباء
صوت / فوالله لا تمحو ذكرنا
ولا تميت وحينا
ألا لعنة الله على الظالمين
( إظلام )
تضاء الإنارة على مجلس يزيد وقد صم يزيد أذنيه وهو ينزل عن كرسيه ويدور في الباحة كالمخبول يصرخ ويضع المناديل في أذنـه بينما راح صوت زينب يتردد عاليا قويا واثقـــــاً
يزيد / ما هذا الصوت الذي يأتيني من خلالي
ويحرق مسامات جسدي ويمخر عباب لذتي
ويفسد عليّ ملكي .. ويزعزع تاجي من رأسي
اسكتوا هذا الصوت .. فقد تملكني الرعب .. وانتابني هول الفزع
يلتفت الى الحضور في مجلسه
يزيد / هل تسمعون .. ما اسمع ؟!
بن سعد وبن زياد / لا ...
يزيد / إذن .. فليصمت هذا الصوت
انه يخترق مسامعي .. بل .. بل يجتاحني .. أسكتوه
بن زياد / مولاي .. أنها مجرد أوهام .. أوهام ...
كأن يزيد يصحو من كابوس يعدل هندامه))
يزيد / ها .. نعم .. نعم .....
أنها أوهام يا بن مرجانه .. أنها أوهام
أو .. أو ربما هي من فعل الخمر فقد دب دبيبها حتى وصل الى عقلي
يضحك الجميع يرفعون الكؤوس يدفعونها الى أفواههم وسط عزف المزامير ودق الطبــــول ورقص الغلام والجاريات يعم الصخب بمجلس يزيد بينما راح يزيد يداعب قرده كالمجنــون
بن زياد / ألا تسمعنا يا مولاي
شيئا من شعرك .. في التغزل بالخمر
يطلق يزيد ضحكة عالية وقد بدا ثملا ً يقف يزيد منتشيا رافعا كأسه الى الأعلى وهو يردد
أمن شربة من ماء كرم شربته يزيد /
غضبت ُ عليّ الآن طاب لي السكـــــــــر ُ سأشرب فاغضب لا رضيت
كلاهما حبيب إلى قلبي عقوقك َ والخمر ُ
تدخل هند بنت عبد الله بن عامر الــــى مجلس يزيــــــد وهــي ناثرة الشعر نازعة عنها حليهـا وقلائدها حافيــــــة القدميــــن معصوبة الرأس مدمية الثياب يقف يزيد واثبا من على كرسيــه
هند / يزيد .. يزيد .. أأنت فخور يا يزيد ...
بقتلك سبط رسول الله .. وحز رأسه من القفا
يهرع إليها يزيد يغطي رأسها بوشاح قريب
هند / ويلك يا يزيد أخذتك الحمية على زوجك
هند بنت عبد الله بن عامر
فلم َ لم تأخذك الحمية على مخدرات أهل بيت النبوة
لقد هتكت ستورهن
وأبديت وجوهن
وأنزلتهن في دار خربة
يزيد / لقد .. لقد فعلها ...
هذا الماجن عبيد الله بن زياد
وهذا المارق عمر بن سعد
(تتقدم هند صوب بن زياد)
هند / لعنك الله يا بن زياد
بن زياد / مولاتي ...
هند / ستصلى نار الحميم
بقتلك سيد الناس وإمامهم
بن زياد / أنا عبد ٌ لأوامر مولاي يزيد
هند / لعنك الله .. ولعن هذا الشيطان الماكر ابن زياد
لقد رمي مسلم بن عقيل
من على سطح الإمارة
ورض الجسد الطاهر بسنابك خيله
وتركه على الرمضاء بلا رأس
بن زياد / مولاتي …
هند / اخرج من داري أيها القاتل
هه .. لا ملامة عليك .. فأبوك ابن أبيه
اخرج من داري أيها الفاسق .. والمارق .. والزنديق
يتراجع بن زياد الى الوراء بينما راح ينظر الـى يزيــــــد الذي لم يحرر شيئــــــــا ثم يخــــرج هاربــــــا من المجلس تسير هند بنت عامر صوب بن سعد الذي بدأ يتراجع مع تقدم هند نحوه
هند / وأنت يا بن سعد ؟
بن سعد / مولاتي .. لقد أمرني بن مرجانه
هند / والست القائل ...
أيها الناس .. أيها الناس
اشهدوا ليّ عند الأمير بن زياد بأنني أول من رمى
ورميت رميتك المشئومة
بن سعد / مولاتي ...
هند / والست القائل ...
فوالله ما أدري وإنــي لصادق * أفكر في أمري على خطرَين
أأترك ملك الري والري منيتي * أم أصبح مأثوماً بقتل حسين
هند / ها أنت وقد أصبحت مأثوماً
بقتل مولاك .. وسيدك أبا عبد الله
لقد والله .. أتيت َ أمرا ً منكرا ً
وأحدثت حدثا جما ً
وواليت شياطينك غصبا ً
اخرج من داري يا صاحب الريّ
أيها الملطخ بالدم .. وبالعار
يرجع بن سعد الى الوراء يخرج هاربا من المجلس))
هند / وأنت يا يزيد ؟!
يزيد / ما وراؤك يا هند !!!
من أجاز لك الدخول لمجلسي .. وطرد ندماني
هند / ندماء السوء .. والعار .. والدم
والله لن أكون لك زوجا
ولن تكون ليّ بعلا ما حييت
يزيد / هند ... ماذا تقولين يا هند
أخرس الخمر لساني .. إن لم اخرس لسانك
(يحاول الإمساك بها عنوة ، تبتعد عنه)
هند / اغرب عني يا وجه الشؤم
اخرس الله لسانك .. وقطع نسلك
واحرق حرثك .. وشتت أبدك
ولاقيت بوجه ٍ اسود ٍربك
وقابلت سوء العذاب
لفصلك رأس سيدك عن جسده
يزيد / هو الذي خرج لقتلي .. ونزع ملكي عني
هند / كذبت .. ولـُعِنت .. ما خرج إلا لطلب الإصلاح
في أمة جده .. والأمر بالمعروف .. والنهي عن المنكر
(يدور يزيد في الباحة واضعا يديه على أذنيه)
يزيد / قلت .. اصمتي يا هند .. اصمتي
هند / وهل ستصمت الأزمنة والتواريخ
عن فعلتك الماجنة هذه .. يا يزيد
تبا لك .. وتبا لمعاوية .. وتبا لآل أمية أجمعينا
تغادره هند بعد ان تبصق في وجه يزيد يدخل عليه الرجل يلوح له بسيف يتقدم صوب يزيد
يزيد / أنت ثانية ؟!!!
الرجل / بلى يا يزيد .. فالتواريخ لا تنسى الأسماء
التي تغتال الشموس في وضح النهار
امسك بقبضة هذا السيف
يزيد / ماذا ؟!
الرجل / أن كنت رجلا .. انتحر بسيفك
لتصعد هابطا الى قبرك
يزيد / هذا جنون .. جنون !!!
الرجل / الجنون ما فعلت يا بن ميسون
الجنون إن تقتل إماما يسري فيه دم النبوة
كن رجلا لمرة واحدة .. واغمد سيفك في نحرك
(يمسك يزيد بقبضة السيف وهو ينظر لنصله مرتعدا ً)
يزيد / انه سيف .. سيف يا رجل ؟
الرجل / الم تحارب بسيف من قبل
يزيد / ( بتهكم ) أحارب !!! ومن ليّ أن أرى سيفي وهو يكر ويفر في حروب
وقد علاه الصدأ .. وهو في غمده منذ ولدت
الرجل / ساترك لك الخيار الآن .. إلا أن اذهب وأعود
أريد أن أراك جثة هامدة بلا رأس
تسلط بقعة ضوء صفراء بلون الموت على يزيد بينما يخـرج الرجل من الباحة تاركا يزيـــــــد لوحده وهو ينظـر لسيفه وكرســـــيّ الملك المزين بالذهب بالماس والجواهر والياقوت والدرر يُقرب يزيــــد حد ونصل السيف الى رقبته ، ثم يرميه على الأرض مرتعـدا من الفــــــــــــزع
يزيد / الى أين المهرب يا يزيد
يداك ملطختان بدم النبوة
لا خمر ينفعك اليوم .. ولا جواري .. ولا غلمان .. ولا قرود
ولا تاجك المرصع بالياقوت .. ولا هذا الكرسي أللعين
حتى هند تخلت عنك وهجرتك
الى أين المهرب يا يزيد .. الى أين المهرب
ينزع تاجــــه عــــــن رأسه يضعه على الأرض يجثو على ركبتيه يحاور التاج وهو ينحب
يزيد / أنتَ .. أنتَ أيها التاج المُذهب
والمرصع بالماس والياقوت واللؤلؤ والمرجان
أيها الملطخ بالدم
هل تمنع عني فحيح الحميم
وتنقذني من نار الجحيم
وتحملني الى الفردوس
أو أن تمحو تاريخيّ الأسود
من قراطيس التدوين
هل تستطع أن تلاشي فعلتي النكراء
من وجه التواريخ والأزمنة
(يقترب من الكرسي يداعبه كأنه مجنون)
وأنت أيها المتخم بالعلو
والجاثم أمامي كالقبر
هل يمكن لك أن تخلصني
من هذه اللعنة الإلهية
التي حلت بيّ .. بقتل الحسين
يدور حول الكرسي يتجـه مسرعــــا ً صوب ضوء القمر الذي يطلع عليه عبر الشاشة الكبيرة
وأنت ... أنت ...
أنت أيها القمر الذي ينير في السماء
كما كان ينير وجه قمر بني هاشم
هل ستشفع ليّ ...
يوم المثول .. ويوم السؤال
أو أن تنير لي قبري
(يتلوى يزيد على الأرض كأنه يتقيأ سماً)
آه .. آه .. آه ...
ويحك يا يزيد .. لُعنت َ يا بن معاوية
ليتك لم تخرج من ذاك الصلب العفن .. والرحم الملوث
ليتك لم ترضع من ذلك الثدي المتخم بسم الأفاعي
سأثر لفحولتي منك ِ أيها التاريخ
سأنتحر .. نعم سأنتحر
(يقرب السيف من نحره يرميه أرضا فزعاً)
يزيد / لا .. لا .. لا
لا استطيع .. لا استطيع
انه الموت .. انه الموت
وأنا لا اشتهي الموت الآن
الجحيم ارحم من أن اغمد سيفي في نحري
الموت مؤلم أيها التاريخ .. والانتحار أكثر إيلاما
تدخل الى الباحة هند وقد ارتدت ثيابا بيضاء غطت جسدها))
هند / الم اقل لك يا يزيد
بأنك لا تنتمي للرجولة .. ولا للفحولة
يزيد / أنا .. أنا اجبن من قردي يا هند
هند / اعرف ذلك ...
واعرف بان الغدر هو الوحيد
الذي تتقنه .. كأبيك معاوية
يزيد/ اللعنة عليك يا يزيد
أيهن .. أيهن أيتها النفس الواهنة
التي تخبئ كل ملذات الأرض
تحت مفاتن خيلاؤها المريضة
هند اقبل ُ يديك ِ يا هند
(يجثو على قدميها متوسلا تركله)
بل .. اقبلُ .. اقبل ُ قدميك ِ
افعليها أنت ِ .. وحزي راسي
هند / لقد فقدت آخر شعرة للمروءة والحياء في نفسك
(يدخل الرجل مترديا جلبابا ابيض)
الرجل / اغمد سيفك في نحرك يا يزيد .. اقتل نفسك
فلقد تغير المكان .. والزمان
ولم يعد باستطاعتك الهروب من حتفك
هناك ملايين السيوف تنتظرك في الخارج
حينما يدق ُ جرس الساعة الخامسة ِوالعشرين
سَيُقطعوا جسدك هذا أربا ً .. أربا ً
فافعلها يا يزيد .. وكن رجلا
(يبكي يزيد بمرارة )
يزيد / ومن قال لك ِ باني .. باني رجل !!!
ينتبه متفكرا ً كأنه اكتشف أمرا ً))
أنت َ .. أيها التاريخ القادم .. أنتَ !!!
أنت ِ الذي أخرجني من قبري متأخرا ً
أخرجتني من ذلك الجحيم
هند / بلى لقد أخرجك َ التاريخ
لينتقم عبرك .. من كل طغاة الأرض
يصرخ يزيد بصوت عال ٍ) )
يزيد / أين ملك أبا سفيان .. أين قصور معاوية
تتقدم مجموعة من ( السايكات ) والمرايـا المستطيلــــــــة لتحيط بيزيد وقد جثا وسط الباحـة وهو يولول باكيـــــــــا ، تسلط بقعة ضوء خضراء على الرجل وهو يردد هذه الأبيات بكبرياء
الرجل / أين القصور أيـا يزيـد و لهوهـا
والصافنـات وزهوهـا والسـؤددُ
أرأيت عاقبـة الجمـوح ونزوة
أودى بلبـك غّيـهـا المتـرصــــدُ
تعدوا بها ظلما علـى مـن حبــه ِ
دين و بغضتـه الشقـاء السرمـدُ
تسلط بقعة حمراء على يزيد وهو كالمجنــــــون يجول بين المرايا والسايكات وقد اسود وجهه يقترب مــــن المرايا وقد جن من سوداء وجهه ينظر الى وجهه مليا يصـــرخ بصوت عــــــال ٍ
يزيد / اللعنة على المرايا
لقد اسود وجهي
اكسروا جميع المرايا .. فانها تكشف الحقيقة
أين أنت يا بن زياد
أين أنت يا بن سعد
تعرض الشاشة الكبيرة جيش من الفرســـــــان وهــــــــــــم يرتدون لامات الحرب ويمتطــــون ظهور خيولهم وقد علا صهيلهــــا يُمزق ُ قماش احد السايكات القريبة من يزيد يخــرج الرجل رأس بن زياد منـــــــه مدمياً والرجل يدفعه بمقدمة رمح يرجع يزيد الى الوراء خائفاً مرتعـــداً
يزيد / رأس من هذا ؟!
هند / انه رأس صاحبك .. وأمير جندك
انه رأس عبيد الله بن زياد
يزيد / من ؟!!!
الرجل / الم اقل لك بان التاريخ
يعيد تدوين الحقائق من جديد
(يدور يزيد حول المرايا كالمخبول)
يزيد / أين أنت يا ابن سعد ؟!!
يُمزقُ الرجل قماش احد السايكات القريبة من يزيد ليخرج رأس بن سعد منه وهو مدفوع بمقدمة رمح مدميا يرجع يزيد الى الوراء خائفا مرتعـــدا وهو يصرخ عاليا كالمجنـــــــون
يزيد / رأس من هذا ؟!
هند / انه رأس صاحب الريّ
يزيد / عمر بن سعد ؟!
ما الذي يحدث ؟!
هند / ستقطع كل الرؤوس
حتى راسك يا يزيد
يزيد / أيها الحراس .. أيها الجيش
الرجل / لا حرس هناك .. ولا جيش
أنت في ساعة متقدمة
من الزمان .. والمكان ألآت
يُمزقُ قماش السايكات القريبة من يزيد لتخرج منه مجموعة من رؤوس القتلة بالتتابع وهم مدفعين بمقدمة الرماح يرجع يزيد الى الوراء مرتعـــداً ثم يتقدم نحو الرؤوس يتحسسهــــــا
يزيد / رؤوس من هذه ؟!!!
(يقترب الرجل من الرؤوس وبيده قضيب وهو يلعب بأفـــــــواه الرؤوس)
الرجل / هذا رأس شمر بن ذي الجوشن
الذي حز الرأس الشريف
(يشير الرجل لرأس آخر)
وهذا رأس الحصين بن نمير
قاتل حبيب بن مظاهر
وهو الآمر برشق النبال على الخيام
يزيد / وهذا رأس من ؟!!
الرجل / وهذا الأخنس بن زيد
الذي أمر برض الجسد الطاهر بسنابك الخيل
(يشير الرجل لرأس أخر)
وهذا رأس عمرو بن الحجاج
الذي أمر بقطع ماء الفرات عن الإمام
(يشير الرجل لرأس أخر)
أما هذا .. فهو رأس سنان بن أسد الزيادي
الذي ضرب الإمام بالرمح وأسقطه عن جواده
واخذ بلحيته الشريفة .. وراح يضربه بالسيف
يزيد / كفى .. كفى .. لقد اخذ سيفكم مأخذه من قومي
هند / بقي رأس ٌ واحد ٌ يا يزيد
الرجل / رأس حرملة بن أسد الكاهلي
(ينوح) فقد أتى هذا الباغي .. بما لم يأتي به بشر
لقد قتل الرضيع برمية سهم
وهو في حضن أبيه الحسين
فرماه سيد الشهداء الى السماء
فحلق الدم الطاهر مزدانة به السماء
فتواشج بناصيات النقاء
وجمال البهاء .. وأبدية البقاء
حينها أمطرت السماء دماً
ينتفض يزيد مسود الوجه صارخا ًوهو ينظر للرؤوس يقترب من إحدى المرايا يطل عليه وجهه الأسود عبر المرآة يغمض عينيه ثم يصرخ بصوت عال وهو يبكــــي مولـــــــولا ً
يزيد / سحقا ً لك يا يزيد ... سحقا لكل الرؤوس
اللعنة على كل الكراسي .. اللعنة على التيجان
أنقذوني من يزيد .. أنقذوني من هذا المكفهر الوجه
لقد خرج عليّ من المرايا
حطموا كل المرايا .. اغتالوا كل الإشكال
واقتلوا في داخلي كل الأهوال
التي تعتري جسدي
هند .. هند .. هند
(يتقدم صوب هند ينحني لقدميها يحاول تقبيلهما تركه بقدمها)
يزيد / اقبلُ قدميك يا هند
اقتليني .. اقتلي يزيد
هند / انتحر بسيفك .. كن شجاعا
يزيد / لا املك من الشجاعة
لكي اغمد السيف في نحري
قلت لكِ اقتليني ….
أنت .. انت ايها التاريخ .. اقتلني أرحني .. أتوسلُ إليكَ
أرجعني الى قبري !!!
يمسك بيد الرجل يضعها على قبضة السيف يركله الرجل يقع على الأرض يقترب من يد هند
يزيد / أنت ِ يا هند .. هيا اغمدي السيف في نحري
هند / اترك يدي .. لكيلا يلوث جزئك .. كلي
يزيد / اقلتني أنتَ
الرجل / لن أقتلكَ .. سأتركك فريسة لهذياناتك وجنونك
يزيد / اقتليني يا هند لأبرأ من دم الحسين
هند / افعلها بنفسك
لترجع لقبرك مأثوما ً باثنتين .. الغدر .. والانتحار
يزيد / افعلها أنتَ
وأرجعني الى قبري المسيّ الذي احرق جسدي
بلهيب نار سعيره
الرجل / لقد نبشت عليك تراب البوادي
لكي اجدُ لك قبرا ً ..
لقد لهثت َ خلف الظبية .. حتى قتلتك
والآن .. امسك بقبضة سيفك
وأغمده في نحرك
يزيد/ أنا .. أنا ظمآن ٌ يا هند
لقد شربت ماء الفرات
ولم يروي عطشي
هند/ أنها اللعنة يا يزيد
بقتلك الحسين طمأنا
ها هي الخمرة أمامك .. والفرات خلفك
لكنك لن تستطيع ان تطفئ لهيب ظمأك
هيا افعلها ...
يزيد / لا .. لا .. لا .. لا
لن اغمد سيفي في نحري
افعليها أنت يا هند
هند/ افعلها يا يزيد .. افعلها
يقرب السيف من نحره يقترب منـــه الرجل يساعده على إغماد السيف في نحــــــره ليسقط مضرجـا بدمه يصــرخ وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة يزحف ليتشبث بأذيال الرداء الأبيض للرجل
يزيد / أراني .. قابع ٌ في أسافل جهنم
ويلك يا يزيد
وويلا لإل أمية
سألحق بكم أيها الطلقاء
انتظروا ولدكم يزيد
يا بني سفيان .. ويا آل أمية
(يرفسهُ الرجل برجله يسقط على الأرض يسحب السيف من نحره)
الرجل / والله لقتلك أحب ُ الى الله
والى رسول الله .. والى قلبي
من قطرة دم واحدة
سقطت على ارض الرمضاء
في يوم كربلاء
يقف يزيد على قدميه المرتعشتين وقد ضُرج بدمه يمسح الدم عن جبهته يصرخ عاليــــــــــا ً
يزيد / / هلموا يا شياطين الكون
هلموا يا جن الأرض .. وأنقذوا وليدكم
الرجل / لن تنفعك شياطينك .. وجنك .. وقرودك .. وخمرك
ولا تاجك .. ولا ملكك .. ولا طغيانك
فقد آن أوان الصعود الى الهاوية .
ستنهش لحمك هوام الأرض ودوابها
وسينخر النمل عظامك
احملوا هذا المسخ
وأرجعوه الى قبره المنسي
تتقدم مجموعة من المعاصرين يرتدون ملابس بيضاء يحملوا يزيد على محمل خشبي تتدلى منه خرق بالية عتيقة ، مع خروجهم يعم إظلام مع موسيقى جنائزية آتية من زمن القتــــــل
( إظلام )
( المشهد الأخير )
تضاء الإنارة على باحة المسرح وهي تشبه لون الدم وقد علا غراب فضاء الشاشة ومـــــلأ نعيقه المكان برمته تسلط بقعة ضوء صفراء على تل ترابي يقف الرجل فوق التل وهو يهيل التراب على رأس يزيد والذي بدا وجهه مضرجا بالدماء مكفهر اسود قاتم كالليـــــل الحالك
الرجل / ستنعق عليك يا يزيد غربان الفلوات
وستخرج التواريخ فعلتك من رحم سيرتك السوداء
لتلعنكَ في كل مكان .. وفي كل زمان
ويظل ُ الحسين .. شامخا ً بدمه ِ عبر شواهد التاريخ
لان الحرف حينما يرتقي يصبحُ كلمة
والكلمة حينما تسموّ تـُصاغُ الى شهادةٍ
والشهادة هي الحسين .. فما زالت السماء تمطرُ دما ً عليه
تضغط هند والرجل على رأس يزيد ليتوارى تماما بالتراب يقفان فـوق التــــل بكبرياء بينمــــا يُعرض على الشاشة الكبيرة قبة الحسين السامقة وهي تعانق السماء يديران وجههـما صوب الشاشة بجلال ٍ وفخر ٍ موسيقى موائمة مع صوت الحسين (ع) الذي يجيء من زمن الشهادة
صوت الحسين / أنا ابن عـلي الخـير من آل هاشـم
كـفاني بهـذا مفخـراً حيـن أفخـــــر ُ
وجـدّي رسـول الله أكرم من مشـى
ونحـن سـراج الله في الناس يزهـر ُ
وفـاطـمة أُمـي سـلالـة أحـمــــــــد
وعمّـي يدعى ذو الجناحين جـعفــر ُ
وفـيـنا كتـاب الله أنـزل صـادقـــــاً
وفـيـنا الهدى والوحي والخير يذكـر ُ
- ستـــــار -
|