كما كان متوقعا 100% قامت القوات الصهيونية باعتراض اسطول الصمود من اجل كسر الحصار عن غزة، فحوّلت وجهته واعتقلت ناشطيه، وقد كتبت من قبل متسائلا عن جدوى هذه المحاولات، ومن يشرف عليها سواء كانت منظمات أو شخصيات أو دول؟ وهل استنفد خطّنا المقاوم الحقيقي وسائله جميعها، فلم يبقى له غير تنظيم (غزوات سلمية)، من أجل رفع معاناة شعبنا المظلوم المقهور في قطاع غزة؟ أليس من باب أوى تحميل دولنا مسؤولية ما يحدث من خذلان اخوتنا، وتركهم يقتلون بدم بارد، ويمنعون من ابسط ضرورات الحياة، عوض سوق القوافل والاساطيل التي لم تصل واحدة منها إلى غزّة، لترفع معاناة شعبنا ولو جزئيا؟
ما حدث لقافلة الصمود، التي انتهى بها الأمر في نهاية مشوارها عند الحدود المصرية الليبية (السلوم) ومُنعت من الدخول الى الأراضي المصرية لمواصلة طريقها نحو معبر رفح، وما وقع لسفينة مرمرة التي امتطاها من امتطى وفي نفسه غاية – وغير مبرأة هذه النوايا - كطرطور تونس (المرزوقي) إلى غاية أسطول الصمود الذي توقف اليوم، وسيقت مراكبه إلى ميناء أسدود المحتلّ، واعتقلت عناصره من طرف القوات الصهيونية، ليكتب فصل جديد من نضالات شعبية لا طائل من ورائها، لم ينل منها الغزاويون ما كانوا يأملون من كسر حصار، ودعم معيشي ودوائي يخفف معاناتهم القاسية جدا.
أليس من الأجدى بنا أن نتوجّه إلى دولنا العربية والإسلامية، لنفرض عليها منطقنا وإرادتنا، عوض محاولة فرضها على العدوّ الصهيوني بهذا الأسلوب الفاشل المذلّ، ونحن نعلم أنّه عدوّ عنيف وقاتل، ولا يقيم وزنا للقوانين الدولية ولا يعبأ بمقرراتها، وكان بإمكانه أن يُغرق جميع المراكب لو رغب في القيام بذلك، لكنه لم يفعل ذلك، تفاديا لردود أفعال قد تصدر من داعميه الأمريكيين والغربيين، وقد مرّت على احتلاله فلسطين 77 عاما مضت، كانت مليئة بآلاف مجازره وجرائمه، ألم يحن الوقت بعد لهذه الشعوب، لكي تتقلّد مسؤولياتها في الدفاع الحقيقي، عن أمنها وكرامتها ومقدساتها؟
عرفنا عدوّنا بما فيه الكفاية، ولن يغير من راسخ عقيدتنا، بأنه من أشدّ الأعداء حقدا وكراهية لنا، فلماذا تطمئن إليه بعض حكوماتنا، والبعض الآخر سيكون مصيره طريق التطبيع، بعد الانتهاء من حركات المقاومة، التي رتب لها ترامب ترتيبا قاسيا، يأمل منه تحقيق إنجازه من أمن إسرائيل، من خلال مقترحات استسلام حماس التي أعلن عنها، واعتبرها حلّا وحيدا لقطاع غزة، ومع ذلك مازلنا نحن الشعوب العربية والاسلامية نغضّ الطرف عن قدراتنا العسكرية - خصوصا دولنا التي ترصد كل عام مليارات الدولارات لشراء المعدّات العسكرية المتطورة - وهي التي إن اجتمعت مع بعضها، فإن العدوّ الصهيوني سيعاني كثيرا في مواجهتها.
مسؤولية شعوبنا كبيرة، في الدفع بحكوماتنا نحو المواجهة العسكرية مع عدوّ صهيوني، أثبت بالدليل أن مخططه يتجاوز فلسطين، ليشمل سوريا بعدما اخضعها لإرادته، ولبنان التي يسعى مع حلفائه الغربيين والعرب وعملاء الداخل اللبناني، من اجل نزع سلاح مقاومتها، والعبث بها فيما بعد كما يحلو له، ومن خططه أيضا ضمها كشقيقتها سوريا بعد ذلك، فلا يبقى لهما اسم مع مشروع إسرائيل الكبرى، ولنسأل أنفسنا ما هو دور جيوشنا المدججة بالأسلحة؟ أليس هو حفظ الأوطان من أي عدوان؟ وها أنّ فلسطين أرضنا معتدى عليها، وكان من بين أهدافنا المرسومة والمعلنة تحريرها، فلماذا ذابت من عقول حكامنا هذه النية الصادقة وغاب الهدف السامي؟ مسؤولية حكامنا جسيمة، وأشدّها هؤلاء الذين كانوا شهودا على ما يجري بالتفصيل على قطاع غزة، وقد اتضحت نوايا العدو في محوه من على الأرض تماما، وتهجير أهله إلى مكان آخر، ليعاد بناؤه آمنا من أنفاق المقاومة، منتجعا سياحيا يأمل في استثماره الرئيس الأمريكي ترامب.
متى تستفيق حكوماتنا لتتحمل مسؤولياتها التاريخية، لتتخلّص من الخوف من الاقدام على مواجهة عدوها اللدود؟ لا أعتقد أن المسألة سهلة، طالما أن هذه الحكومات مازالت تنتظر المساعدات من داعمي كيان الاحتلال الصهيوني، ولا تقدِمُ على فعل شيء من دون مشاورة هؤلاء الأعداء، مسؤوليتنا كشعوب عربية وإسلامية تقف عند مطالبة حكامنا بالتحرك الجادّ، والتجنّد لذلك ماديا ومعنويا، ايمانا منّا بأنه السبيل الوحيد الذي بإمكانه أن يرفع عنا جميعا حالة المذلة والهوان التي بلغناها، في عالم تهيمن عليه أمريكا المستكبرة والمتغطرسة، بمنطق دوس القويّ على الضعيف، وعدم مراعاة شيء من القيم والمبادئ الانسانية.
مواصلة عمل هؤلاء النشطاء بهذه الطريقة، مع يقينهم بأنّه سينتهي إلى ما انتهى إليه سابقوه- اقصد هنا طبعا المسلمون عموما - عمل عبثي لا طائل من ورائه، لن يفيد الفلسطيني المحاصر والمقتول والمجوّع لحدّ الموت، فمن باب أولى وأحرى أن يضغط هؤلاء النشطاء بما اوتوا من جهد، من أجل تغيير عقلية أنظمتهم، في الأخذ بعين الاعتبار الجانب العسكري، كحلّ وحيد يمكن أن يأتي بنتيجة، في مقابل عدّو شرس لا يفهم غير أسلوب القوة، فيكفي أساطيل وقوافل في اتجاه غزة، اغلقوا هذا الباب لأنه لن يجدي نفعا، وانقذوا ما تبقى من الشعب الفلسطيني، فهو يأمل فقط أن ننصره بالقوة وليس هكذا، غير هؤلاء من النشطاء من بقية الأجناس والشعوب، نثمّن جهودهم ونقدّر سعيهم الإنساني، ونكبر كل خطوة خطوها في مآزرة ومساندة أشقائنا الفلسطينيين.
أما من لا يزال مُصرّا على اعتبار تسيير القوافل والأساطيل وسيلة، من شأنها أن تفيد الشعب الغزّاوي، فعليه مراجعة موقفه لاعتبارات عديدة، منها النتائج الحاصلة، والتي برهنت على فشل جميعها، منذ سفينة مرمرة إلى اليوم، حلّ واحد سلكته يران بمن اقتنع معها من فصائل مقاومة - مع تقدير دور اليمن العسكري المهم في مؤازرة إخوانهم المظلومين الفلسطينيين- وهو استعمال القوة العسكرية، ليس من أجل إيذاء إسرائيل فقط، بل من أجل تحرير فلسطين كاملة من البحر إلى النهر، مشروع إيران نغّص عيش المستوطنين وأغضب رعاتهم وحماتهم، لذلك لم يتوانوا في محاربتها بكل وسائلهم، ويسعون اليوم إلى تغيير نظامها بالتآمر عليها.
- الكيان الصهيوني ومن معه أصبحت اليوم ضرورة، وقد عبر عنها الرئيس الكولومبي (غوستافو بيترو)، عندما دعا الى تشكيل جيش من أجل تحرير فلسطين، مؤلف من دول لا تقبل الإبادة الجماعية التي تمارسها القوات الصهيوني بحقّ الشعب الفلسطيني، الحلّ الوحيد الذي فهمه غير العرب من مقدّري حقوق الانسان، ومعتبري كرامته من أولويات العيش في ظل عدالة يتساوى فيها الناس بمختلف أجناسهم، وبقيت حكومات العرب على الهامش حركة التحرر العالمية التي بدأت تتشكل، واقصى ما عبروا به التنديد والشجب والاستنكار، وأخيرا أقول أنه بالإمكان القيام بأفضل مما كان، الأولويّة نشر ثقافة المواجهة ومقارعة القوة بقوة تناهزها وتتفوق عليها، وهو ما أمر به الله سبحانه بقوله: (وأعدّوا لهم ما استطعتهم من قوة).
|