فيما يمضي الشيطان الأكبر - وهذا ما يناسبه من لقب أطلقه عليه القرآني الخميني يقينا بأنّه كذلك - في ما خططه من مشاريعه الهدامة للإسلام وأهله، يواصل قادة الأمّة العربية والإسلامية السّير على خطاه بمحض إرادتهم، وقد تمخّض اجتماعهم بزعيم صولتهم، على موافقة تامة لما قرره من نقاط، تصبّ كلّها في صالح مشروعين خطيرين على شعوبهم، وهما إسرائيل الكبرى، والابراهامية التي وضعها رأس الشيطنة الأمريكية ترامب، من أجل اسقاط ما تبقى من قيم ومبادئ جهادية في محصّل أحكام الإسلام الثابتة، التي لا يمكن تغييرها مهما تفنن المنافقون والمشركون.
بعيدا عن إيران راعية فلسطين وقضية تحررها الحقيقي الذي لن يكون من غير دماء وتضحيات جسيمة، بدأ الشيطان الأكبر في طبخ خطّته الجهنمية المتمثلة أساسا في نزع سلاح حماس وفصائل المقاومة، وانهاء أيّ دور لها ليس في غزة وحدها، بل حتى في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، فمنتهى أمل المستوطنين تحت رعاية وحماية وتشجيع أمريكا، الخلاص من المقاومة بعناوينها الجهادية حماس والجهاد وغيرها من فصائل فلسطينية، لا تزال تؤرّق وتنغّص حياة الصهاينة، وانهاء دور المقاومة داخل فلسطين، من شأنه أن يسقط ما في أيدي إيران من رعاية فصائلها، في صورة ما إذا وافقوا على الخطة الجهنّمية للشيطان الأمريكي.
خطّة ترامب فخّ نصبه من أجل اسقاط كافة اشكال المقاومة الفلسطينية، ومن بعدها اللبنانية والعراقية واليمنية، لتبقى إيران بمفردها متمسكة بموقفها من القضية الفلسطينية، وزوال كيان إسرائيل من أرض فلسطين، بعد ما اعترف من اعترف به كدولة، بإيعاز وضغط امريكي غربي سنة 1948، وتبدو موافقة المقاومة الفلسطينية مستبعدة بشأن الخطة الشيطانية، وقد تجنّد لها حكام لا شان لهم بها سوى انهم دعاهم ترامب اليه فلبّوا نداءه مهللين مكبّرين، كقطر والامارات والسعودية ومصر والأردن وتركيا وباكستان واندونيسيا.
مجلس السلام الذي يؤمّل ترامب ترأسه، باركه العملاء دون خجل مما سيسفر عليه من تنازلات، ليست في صالح القضية الفلسطينية، وسيرفضه المقاومون على الميدان قطعا، فليس من الوارد أن يقبل قادة المقاومة هذه الخطة الإستسلامية، وسيستمرون في مواجهة اعدائهم، متوكلين على الله الذي دعاهم إلى جهاد عدوه وعدوهم، وهو الذي وعدهم بالنصر والغلبة على أعدائه، وايّ موقف آخر يصدر غير هذا يُعتبر تآمرا مع الأعداء وفرار من الزحف، حركة الجهاد الإسلامي وحدها من استبق الخطة، واعتبرتها بمثابة القنبلة الموقوتة التي ستنفجر في المنطقة.
كبرى الفصائل الفلسطينية حماس واقعة اليوم تحت ضغط الوسطاء العرب والمسلمين، وفي مقدمتهم قطر ومصر- مع أن مصر مدانة بمواصلتها غلق معبر رفع خدمة لإسرائيل في استكمال طوق محاصرة غزة من الجهة الغربية- ومع ذلك فموقفها الذي ستعلنه أقرب إلى رفض الخطة، وهذا ما لم تتأخر في إعلانه حركة الجهاد الإسلامي، وستنسج على منواله حماس وبقية الفصائل المقاومة، لأنه من غير المعقول يأتي آت ليقول لنا على لسان حركة جهادية مقاومة أن حركته قبلت الذهاب الى مذبح الموت الذي اعدّه الشيطان الأمريكي، من أجل إنهاء أي عمل من شأنه أن يعيق أمن واستقرار وتمدد مشروعه إسرائيل الكبرى.
وفيما يسعى ترامب بكل ما أواتي من قوة - جعلت منه أول المستكبرين في هذا العصر- من أجل اتاحة مشروع الغرب مجال الاستقواء والتمدد في المنطقة، والهيمنة والسيطرة عليها بحيث تخضع له حكومات وشعوبا، بمساعدة حكام محسوبين علينا كمسلمين، لم يقصّروا في دعم مشروعه الاستكباري، وتقديم ما فاق التصوّر من الأموال والهدايا اليه، خلال زيارته الأخيرة الى الخليج، مما عكس حقيقة علاقة التبعيّة العمياء لمالكي رقاب حكومات عميلة - بريطانيا وأمريكا - ما تزال تحتفظ لصناعها ومؤسسي دولها بالامتنان على مواقفهم التأسيسية، ولولاهما لما قامت لرعاة الإبل في الصحراء قائمة، وأنّى لأجلاف الأعراب الأشد كفرا ونفاق ان يأتوا بخير؟
لم يخجل ترامب عن كشف حقيقة نواياه من حماس وسائر فصائل المقاومة، كما لم يخجل من اعتبروا أنفسهم مسلمين من حكام هذه الأمة مبادرته السياسية، حلّا شجاعا ومقبولا لديهم، من أجل إنهاء العدوان على غزة -وهو عدوان شرس وليس حربا- وهم مدركون جميعا أن ما قدّمه ترامب كمبادرة، هو نفس ما دار في خلد ناتنياهو وحكومته، لم يستطع تحقيقه بالقتال بكافة وسائل قتاله، فلجأ الى سيده ترامب لينقذه من مأزق خطير، انقلبت عليه تبعاته، وجعلت منه ومن كيانه منبوذين في هذا العالم، وفي وضع لا يُحْسَدون عليه، من مطالبة محاكمتهم دوليا، على جرائم الحرب الفظيعة التي ارتكبوها في غزة.
استسلام فصائل المقاومة ليس في الوارد أبدا، بل يستحيل حصول ذلك، كما يأمل هؤلاء المجتمعون مع ترامب في خطته، (يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)(1)، وعار على الشعوب الإسلامية اليوم بعد هذا الخذلان الخطير أن تحاسب حكوماتها على انحرافها عن مناصرة القضية الفلسطينية، لتصبح في صفّ من يعمل على انهاء دور المقاومة في فلسطين ولبنان بنزع أسلحتهما أسلحة العزة والكرامة، وتقديمهما لقمة سائغة على طبق، متاح للكيان الصهيوني عديم الإنسانية، يفعل بقيادتها وعناصرها ما يريد من انتقام.
خطة ترامب لو وافقت عليها حماس، ستكون الضربة القاضية لكل فلسطيني حر شريف، رافض لاحتلال ارضه، وسيتولى عرب اشد شراسة من الصهاينة أمر القطاع، بإشراف ترامب ومجلس سلامه المزعوم، الذي يسعى من وراء خطته - إذا دخلت حيز التطبيق - لنيل جائزة نوبل للسلام، الى هذا الحدّ لا يبقى شيء يمكن الاعتماد عليه بقيام دولة فلسطينية، كما صرح ترامب بأنّ ناتنياهو رافض من الأساس قيام دولة فلسطينية، وهو متفهّم تماما توجّساته ومقدر مخاوفه منه.
امهال ترامب حركة حماس بضعة أيام للاستجابة للخطّة والموافقة عليها، ضغط متوقع لن يقدّم شيئا، وهو ما يؤكّد على تهافت الأمريكي والغربي، من أجل تحقيق ما لم تحققه ذراعهم العسكرية الصهيونية بالقتال، وتفويت الفرصة على بقية شركاء محور المقاومة وخصوصا إيران، بحصرها وحيدة في إطار مشروعها المقاوم، الساعي إلى تحرير فلسطين وانهاء دولة الكيان الغاصب، حيث لا يبقى لها مبرّر في التمسك بالمقاومة، بعد قبول الفلسطينيين خطة الاستسلام الترامبية الشيطانية. المراجع
1 – سورة النساء الآية 120
|