• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : مسرحية : المصلوب ... ذبحا  .
                          • الكاتب : هيثم الشويلي .

مسرحية : المصلوب ... ذبحا 

 الديكور عبارة عن شباك خشبي يكون في منتصف المسرح وفوق الشباك صليب وعلى جانبي الشباك سراجان مضيئان ، منضدة خشبية صغيرة مغطاة بقطعة قماش بيضاء عليها آنية ماء صغيرة قديمة الشكل كأن تكون (فخارية) وتكون قريبة من الشباك غير لصيقة له لكن على مقربة منه.............. 

المسرح مظلم ومعتم ، الا من اضاءة السراجين ، صوتُ الطبول يقرع بشدة يتخللُ هذا الصوت صوتُ بكاء أطفال صغار وصياح أصوات تعلو وتخفت بين الحين والآخر تدلل على الفرح ، تصاحبها ضحكات وقهقهات عالية. 

أحد الاصوات : سيفرح الأمير بغنيمتنا هذه ، وسيغدق علينا العطاء ويجزل لنا فيه. 

صوتٌ آخر: بل سيلبسنا الذهب والفضة ، لاننا اخذنا له البيعة بالقوة ممن لم يبايع للامير. 

صوت ثالث يقهقهُ عالياً : لو طلبتم من محمدٍ جده كل هذا ، هل سيعطيكم كل ما تتمنونه أم لا؟ 

صوتُ رابع: يالوقاحتكم أي غباء تحملونه في رؤوسكم الصدئة؟ لو كنا نرجو محمداً لما سقنا هذه الرؤوس فوق الرماح وأرغمنا النساء والأطفال على المسير نحو قدر يجهله الكل منا. 

صوت الطبول يرتفع ويرتفع لنصف دقيقة ثم يعود فيخفت... 

يظهر رجل على خشبة المسرح يرتدي ملابس بيضاء ويحمل على رقبته صليب المسيح ، ذو لحية بيضاء وشعر أبيض طويل .... 

الرجل المسيحي: المدينة منذ زمن بعيد غادرها الفرح والحب معاً وأصبحت أيامها أشد حلكةً من الليل المظلم بغياهب العتمة نفسها ، أتُقرعُ الطبول وترفع رايات الفرح وترفرفُ القهقهات عالياً انها لمن العجبِ العُجاب. 

يبزغ خلف الشباك نور أبيض . 

ينظر من الشباك إلى جهات مختلفة منه ثم يقول : إلى أين يذهب هذا الركب اللامتناهي أإلى الشام أم إلى سواد الجحيم ؟ ان كان إلى سواد الجحيم ، فما بال هذه الأنوار تُرفع بين ايديهم لتضيء عتمة السماء بلا حدود ؟  هل تتهاوى الأقمار أرضاً ؟ قمر تلو الآخر ؟ لكني أشك بهؤلاء الأغبياء ، فالأقمار لاتصافح العتمة والظلام مطلقا ، بل هي من تبددها وتحيلها إلى ينبوع نورٍ دائم . 

أصوات للطبول تقرع وقهقهات عالية .. 

تسجيل صوتي يشوبه الصدى .. هيا سدد ! 

وصوت آخر : أضرب ! 

وصوت ثالث: لا أشك بانك ستحز الوريد ! 

وصوت رابع : لمَ ترتجف ايها اللعين ؟ ما عهدت الارتجاف فيك قط ، أيرتجف مثلك وقد خلق الله لك قلباً من حجر ؟ (أقطع نزاع القوم هيا) ! 

صوت انطلاق لسهم ، وبعد ثوانٍ من انطلاق السهم صوت لبكاء طفل صغير.  

ينظر الرجل المسيحي عالياً وفي زوايا مختلفة من المسرح بعيداً عن الشباك  

الرجل المسيحي : يا إلهي ، ما هذه الاصوات ؟ وكأني أشم ظلماً في الامر ، لا اعتقد ان الكفتين متساويتان فصوت المظلوم يتسلل الى قلبي من حيث لا أعلم . 

قهقهات عالية يتبعها تسجيل صوتي ...  

إملأ ركابي فضة وذهبا  

 إنيقتلتالسيد المحجبا 

قتلت خير الناس أما وأبا 

الرجل المسيحي : وأنا سأملؤها لك أن أوقفتني على الحكاية ، وأجبت عن كل تساؤلاتي  

يخرج الرجل المسيحي من المسرح.. 

صوتٌ لموسيقى حزينة تستمر لدقيقة ترافق الموسيقى أصوات بكاءٍ لأطفالٍ بصوت منخفض بحيث يطغى صوت الموسيقى على صوت بكاء الاطفال. 

ثم يدخل الرجل المسيحي الى المسرح حاملا بيديه رأس الامام الحسين ، يضعه على المنضدة الخشبية الصغيرة المغطاة بقطعة قماش بيضاء ، والتي عليها آنية الماء ، بعد ان يرفع الانية وينزلها الى الارض .... 

 يُسلَّطُ ضوءٌ أبيض على الرجل المسيحي حين دخوله المسرح من جديد ، وهو حامل الرأس بين يديه  إلى وضع الرأس على المنضدة تبقى هذه الاضاءة البيضاء بشكل دائري ترافق الرأس وثابتة عليه. 

الرجل المسيحي :أيَّ وجع يلفك ؟ وأي ذنب جنيت ؟ 

يطلق تنهيدة ويلتف بحركة دائرية وبهدوء ينظر الى الرأس .....  

لكني لست أراك بمذنبٍ وعمود النورِ ينبلجُ من رأسكَ حتى السماء، يضيء عتمة الليل الحالك 

يمد يده مخاطباً الرأس .... 

مالي أرى الكل فرحين ويرقصون شوقاً وطمعاً باصطحابهم إياك ؟ 

يطرق برأسه الارض ... ثم يقول: هل تعلمُ ايها الرأس 

أن كل الرماح حين ترْفعُ عليها الرؤوس تنتقص من أصحابها ، إلا أنت 

فأنت ، وأنت وحدك من يضفي على رأس الرمح الهيبة والجمال. 

يذهب الرجل المسيحي يميناً حيث مسافة من المسرح ثم يساراً وصولاً للجهة الاخرى ثم يقف على مقربة من الرأس . 

ويقول: هل تعلم أني دفعتُ كلُ ما أملك ؟ 

وكلُ ما لدي ؟ 

نعم ... كلُ ما لدي 

من أجلِ ان أظفر بليلةٍ واحدةٍ وإياك ؟ 

ليلةٌ واحدة كفيلة بتمزيق ما أحمله في رأسي من أفكار كنت ومازلت ابحث عن اجوبة لها وما زالت حتى اليوم تقضُ مضجعي 

بل وتكفيني ساعاتٍ قليلة 

أو دقائق معدودات أكون فيها بالقربِ منك 

يذهب الرجل المسيحي يميناً حيث مسافة من المسرح ثم يساراً وصولاً للجهة الاخرى ثم يقف على مقربة من الرأس  

لا أعلم ما تملكني 

ولا أدري أي شعور أحسست به 

يصمتُ لبرهة... ثم يتمتم بكلمات بسيطة لايفقهها الجمهور  

ويقول : نعم .. نعم انه المسيح هو المسيح
ويصيح بصوت أعلى انه المسييييييح  

يا إلهى ، أحقاً ما أراه ؟ أيعقل أن يكون مسيحاً جديداً ؟ 

يتحرك صوب الجمهور بخطوات ثقيلة وهو مطرقٌ برأسه إلى الأرض ثم يرفع رأسه . 

ويقول: وكأني رأيت المسيح من جديد يصلب على مشانق وأعواد الطغاة 

هل هي نبوءة جدي ؟ 

ثم يعود مخاطباً الرأس ..... 

ملامحُ وجهكَ هي نفسها التي كان يحدثني جدي عنها .... نعم هي نفسها .. 

يضرب بإصبعه رأسه ويقول: أتذكره حين قال لي يابني ، اني أراك تجالسُ رجلاً ذا هيبة ووقار 

لن يشعر بضوء وجههِ سواك فإن ظفرت به فليكن ضيفك ولو لدقائق معدودات 

يلتفت الى الجمهور مخاطباً اياهم : 

يالوقاحتهم وسخافتهم ، فعلا هم لايشعرون بنور وجهه ، وإلا ما ساقوه فوق أعواد الرماح ونصالها ... يالغبائهم يالاستخفافهم وسذاجتهم  

أيفرحون.. ويضحكون.. أيتوقعون.. أنهم منتصرون.. تعساً لهم وسخطاً..  

هم لايدركون أنهم فوق أسوار العذاب يرقصون  

أنهم لايدركون إلى الجحيم سائرون  

بل هم لايدركون أنهم إلى الخزي والعارِ ذاهبون 

أيدركون أنهم زائلون وعن قريب راحلون ؟ 

تسجيل صوت يخرج من أركان المسرح (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يفعلون) 

الرجل المسيحي مخاطباً الجمهور : وأنا لا أشك بذلك مطلقا وإلا لما فعلوا ذلك 

هو كالمسيح يصلب على الرمح لا على أعواد الخشب  

هو كالمسيح ينزف دماً لكن في دمه رائحة أعطر من المسك 

هو كالمسيح سترى في عينيه دموعاً بريئة ، كان كالمسيح يبكي على قاتليه يرفع كفيه بالدعاء والتضرع الى الله ليغفر لهم... إنها صفات النبوة  

هم ينشغلون بالتجهيز لقتلك وانت تنشغل عنهم بالدعاء ليغفر لهم ربهم كل الذنوب والخطايا 

يعود الى الرأس ويلتف حوله لفة دائرية ثم يستقر قبالة الوجه ويقول: 

هل تعلم ايها الرأس اني اشرفت على الموت وقد قلت في نفسي صدقت كل نبوءات جدي الا هذه..؟ 

فأنا منذ زمن بعيد كنت أنتظر أن تصدق الرؤيا أما تعلم ما سر حبي وولعي وشغفي بك ؟ أما تعلم أن جدي كان يغبطني لأنني سأراك ؟ لكني وقتها كنت أجهل سر هذه الغبطة كثيراً ، لكني ما إنْ رأيت النور يخرج من ثناياك حتى علمت أنك من سلالة الانبياء وانك الطريق الى النور والجنة اللذين نبحث عنهما ، بل لا أشك مطلقاً بأنك الطريق إلى الله  

 لكني اليوم تأكدت ان نبوءات جدي لاتخيب ابداً 

وها انا ذا أجالسك.. بل اليوم رفيقك طوال هذه الليلة 

أما آن لك ان تحدثني فأنا تواقٌ لسماع كل ما لديك 

وحق ربي ما خرج النور من معبدي هذا طوال تعبدي وصلواتي سوى الليلة هذه 

فها هو المعبد يستحيل إلى هالةٍ من نور...  

هو نور وجهك أنا لا أشك بذلك مطلقاً.. 

يا سيدي في نفسي ألف سؤال وسؤال... وفي وجهك أسئلة شتى........ 

ففي وجهك حزن على طفل صغير كان يرفرف كطير مذبوح بين يديك من حرارة السهم...  

ألا تودُ الافصاح لي..؟ 

وفي وجهك حزنٌ على رايةٍ كانت ترفرف على مقربة من الماء أضمحلتْ وأختفتْ هناك...  

وفي وجهكَ كفين لقمرٍ ، كانت تفتخر به العشيرة سقطتا على مقربة من نهر العلقمي... 

ثم يتفحص الوجه بحركات يؤديها المسرحي ويحرك شعر رأس الامام قليلا يبعده عن جبهته ويقول: وفي وجهك جسد مقطع الاشلاء اردت ان تحمله لكن لم تسعفك يداك على حمله 

أردت بكل ما أوتيت من قوةٍ وشجاعة أن تحمله إلا أن قلبك لم يُمَكِنْكَ من ذلك  

نعم حاولت إلا أنكَ كلما رفعت قسماً تساقط القسم الآخر منه ، لكن دموعك كانت كفيلة بحمله على نعش الألم... 

وفي وجهك ابن أخ كان لديك كالامانة التي تخشى عليها أردت ان تمنعه الا أنه أبى واستكبر إلا أن يكون مع الراحلين 

وفي وجهك كم من صغيرة وصغيرة تشبثت بركابك ، حاولتَ أن تحبس دموعك عنهن  

إلا أن دموعك تحدرت من حيث لاتعلم سيدي  

وخلف كل هذا الألم ... هناك امرأة  

نعم وخلف كل هذا هناك امرأةٌ كانت تحمل همّ كل هذا... الألم والحزن وهذه الأقمار المتساقطة، القمر تلو الآخر . 

وحق ربي ورب المسيح ، لو سقطت كل هذي الهموم والمآسي على جبلٍ أصمَّ لأحالته الى رماد تذروه الريح كيفما تشاء 

امرأة يقال لها حوراء... وأي قلب تحمل هذه الحوراء ؟ 

وفي وجهك ألف حوراء تبكي عليها ؟ 

ايها الرأس ، بين شفتيك آية كان يحدثني عنها جدي ، اذ يقول لي : لاتعجب من أصحاب الكهف والرقيم فحين يكون لديك ذي الرأس الملائكي سيحدثك بهذا ! 

آما آن لك الحديث ؟ فمازلت تواقاً لسماع ما تمليه عليّ من حديث . 

يقترب من الرأس الشريف ويضع اذنه على فم الامام ويقول: انها هي نفسها التي قالها لي جدي... نعم هي نفسها التي قالها لي جدي . 

وها أنا أرى بين شفتيك تراتيل حديث لم أسمعه من ذي قبل وأنت تردد (أحسبتم أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) 

والله لا عجب وأنا أرى وأسمع كل هذا... 

أما آن لك الحديث معي يا سيدي...  

اتوسل إليك يا سيدي حدثني .. ولو ببنتِ شفه 

فالفجر يقترب منا يا سيدي أرجوك... 

هل ستبرد هذه الدماء التي تزين وجهك أم أنها ستبقى تسيل حتى الرمق الاخير من الحق؟
بعد قليل سيأخذونك مني رغماً عني... لكني مازلت احمل في جعبتي اسئلة ابحث عن أجوبةٍ لها.. 

وأعتقد أنني لو بقيت العمر كله بين يديك لما نفدت اسئلتي 

ينهض من الرأس ويطرق برأسه الارض واضعاً يده على جبينه ويفرك جبهته ويقول:  

نعم هو ابن فاطمة .. هو عينه..  

صدق جدي إذ قال هو كالمسيح لكن مصيبته أكبر وأعم. 

وصدق جدي حين قال انه ابن فاطمة بنت محمد نبي الاسلام.. 

عذراً منكم يا دعاة الاسلام.. 

أهكذا تجازون نبيكم وابن بنت نبيكم  

بأيّ وجه ستقابلون ربكم الأعلى ؟ وما ستقولون له وقتها ؟  

اعتذر منكم لصلافتكم ووقاحتكم وتجرئكم على نبيكم  

ثم يعود مرة أخرى ليتحدث مع الرأس ويقول له: 

شكراً لك ايها الرأس لانك أنرت معبدي بنورك الوهاج، فالفجر آت وقد حان وقت الوداع. 

تطفء الأضواء ويسدل بعدها الستار




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=208556
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 09 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 10 / 15