من مظاهر الإعجاز الإلهي هو اختلاف الناس في أذواقهم ورغباتهم، فأذواقهم كبصمات الأصابع لا تكاد تجد فيها متشابهين، والناس وإن كانوا متشابهين في امتلاك الحواس التي من خلالها يدركون العالم، إلا أنهم مختلفون في كيفية الادراك، وفي المحتوى الذي من خلاله يحللون هذا الادراك... وهذا الأمر من بديع صنع الله تعالى، حيث خلقنا متشابهين مختلفين، فتشابه المخلوقين دليل وحدانية الخالق سبحانه، واختلافهم دليل على قدرته على تنويع المخلوقين.
لذلك لا يُقال للإنسان أنت مخطىء في ذوقك، فهو هكذا يتذوق الأشياء، إن اختياري جزء من شخصيتي، فلا أريده أن يكون تابعاً لاختيار غيري، وجمال البشر يكمن في كونهم مختلفين، ألا ترى أنك تمل اللون الواحد، وتعدد الألوان يبدد هذا الملل، وتختلف أذواقهم نتيجة لاختلافهم هم أنفسهم، وإذا اختلفت الأذواق فأن غير المفضل عندي سيكون مفضلاً عندك، قال الإمام علي بن أبي طالب: (لولا اختلاف الأذواق لبارت اكثر السلع).
إن اختلاف الأذواق لا يمنع من وجود ذوق عام متفق عليه، يكون خصيصة من خصائص المجتمع، يتكون نتيجة للبيئة والتراكم الثقافي الذي ينتجه المجتمع، وتختلف الأذواق العامة بين مجتمع وآخر، فما يفضله مجتمع قد يمقته غيره... وقد تتعدد الأذواق داخل المجتمع الواحد حسب المهنة، أو مستوى التعليم والمركز الاجتماعي... يتحكم قادة الرأي في كل مجتمع بذوقه، ونقصد بقادة الرأي الأعيان وأصحاب النفوذ والمثقفين الذين يعدون قدوة للمجتمع، وتختلف درجة تأثر المجتمع بكل صنف من الأصناف السابقة حسب اتجاه ثقافة المجتمع، ودرجة رقيه في السلم الحضاري للذوق العام، فالإنسان ابن بيئته يتذوق ما يتذوق، وينفر مما تنفر منه، ولا بد له من الارتقاء بذوقه حسب المجتمع الذي يدخل فيه، لكي يحقق المصالحة الذوقية مع ذلك المجتمع... وقديماً قيل لعالم: حسن ملابسك، فان الناس يستقبلونك بملابسك، ويودعونك بعقلك... وخلاصة الأمر أن هنالك أشياء يحتفظ الانسان فيها بذوقه الخاص، دون أن يعبا بآراء الآخرين، لاسيما في الأمور التي لا يشترك فيها أحد معه، وهذا ما يحقق خصوصية دون أن يفقد انتماءه لمجتمعه.
|