• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : مُسمَّطات أهرامية من ثنايا المثلثات العَروضية .
                          • الكاتب : د . نضير الخزرجي .

مُسمَّطات أهرامية من ثنايا المثلثات العَروضية

 في سنوات الهجرة القسرية أثناء الإقامة في العاصمة الإيرانية طهران، كان الإعلام هو محور شغفي، حرفة صعبة استهوتني واستهويتها قبل أن أبلغ الحلم، وقد أشرت في مناسبة سابقة أن أول تقرير صحفي ميداني عملته كان عام 1977م عن أسواق مدينة تكريت ودكاكينها شمال بغداد وطبع في نشرة داخلية سرية أثناء العمل الإسلامي السياسي، ومن الطبيعي من يكون الإعلام هواه أن يحيط بكل جزئياته، وهكذا كان لي نعمة الإحاطة بفن الخبر وصياغته وتحرير التقرير الخبري، وهذه الإحاطة سمحت لي ولنحو خمس سنوات أن أقوم بتدريس فن الخبر لعدد من الدورات الإعلامية التي كانت تقيمها الحركة الرسالية في طهران ومن جنسيات مختلفة جمعتهم الهجرة، فكان فيهم العراقي والسعودي والكويتي والبحريني والعماني وغيرهم، وبعض هؤلاء وجدوا أنفسهم في مؤسسات إعلامية كبيرة واشتغلوا فيها وبعضهم تولى إدارة ورئاسة تحرير صحيفة أو مجلة.

ومما علق في ذهني في سنوات الإشتغال بتدريس فن الخبر، هو ما يعرف بصياغة الخبر على نمط الهرم والهرم المقلوب، فالخبر الهرمي باختصار يبدأ من النقطة صفر من الخبر حتى قاعدة الهرم وفيها بيان نتيجة الخبر، أي أن القارئ للخبر يحيط بكامل الخبر عند قاعدة الهرم أي من الجزئية الصغرى إلى النتيجة الكبرى، وأما في خبر الهرم المقلوب فإن الصياغة تبدأ من القاعدة العلوية ببيان نتيجة الخبر أو النتيجة الكبرى لتبدأ الصياغة التدريجية إلى أصغر التفاصيل أي الجزئية الصغرى.

وإذ غاص الخبر الهرمي في قاع الذاكرة من ثمانينات القرن العشرين، وحيث رأيت الاهرامات في جيزة مصر على أرض الواقع في نيسان أبريل عام 2010م، فإن كتاب "المثلثات العَروضية في الشؤون الاجتماعية" للمحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي الصادر في بيروت حديثاً (2025م) عن بيت العلم للنابهين في 136 صفحة من المقطع المتوسط، قد أعاد إلى ذهني الاهرامات التي تعتبر من عجائب الدنيا السبع، حيث أصبحت هذه الصخور الضخمة الهرمية الشكل مضرباً للأمثال ودخلت كشكل في أكثر من علوم، حتى صار للأهرام علماً أسموه "علم الأهرام" وما فيه من طاقة غير مرئية على الإنسان وحياته.

الشيخ الكرباسي في كتابه الجديد الذي قدّم له وقرّظه الشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز شَبين، نظم الشعر في ثلاثة أشطر على نمط الهرم المقلوب أسماه المثلثات العَروضية، أوجز فيه رؤيته عن مائة مفردة حياتية في بيت مسمط من ثلاثة أشطر جعل الأول قاعدة الهرم المقلوب والثاني ليسار الضلع المقلوب والثالث ليمينه، أي عكس عقارب الساعة، وكأن الناظم الكرباسي أرادها أن تكون حركة الأشطر الثلاثة كما هي حركة الحجيج حول الكعبة وحركة القمر حول الأرض وحركة الأرض حول الشمس، إذ تأتي قراءة الأبيات الثلاثة سلسلة من اليمين فيبدأ البيت الثاني من حيث ينتهي البيت الأول ثم يليه الثالث.

 

مُسمَّط ثلاثي الأضلاع

اعتاد الشعراء نظم البيت أو المقطوعة أو القصيدة العمودية على قاعدة الصدر والعجز، فيكون وزن عجز البيت من حيث التفعيلة مثل صدره، وهو ما يُعرف بالعَروض بفتح العين، ولهذا يأخذ كل وزن أو تفعيلة بحراً، فيُعرف نوع البحر من وزنه وتفعيلته، وهي ما تعرف بالبحور الخليلية والتي أوصلها المحقق الكرباسي إلى (210) أبحر كما أبانها في كتب عدة في هذا الإطار أصدرها على فترات مثل كتاب: "هندسة العروض"، و"الأوزان الشعرية - العروض والقافية"، و"بحور العروض"، ووجدنا تطبيقاتها في دواوين أصدرها على فترات من قبيل: "الإيناس بلآلي الجناس"، و"رجز العدالة"، و"ظلال العروض في ظئاب المطالع والملاحق"، وغيرها.

وعلى مر الأزمان استحدث الشعراء أنماطاً من النظم الموزون مثل تشطير البيت أو تثليثه أو تربيعه أو تخميسه وما شابه ذلك، وهذه الاستحداثات توضع في باب المسمَّطات، وفي الغالب تتكون المسمطة من مقطوعة أو قصيدة ذات قافية موحدة ثم تُردف بشطر ذي قافية مغايرة لقوافي البيت أو الأبيات الأولى، ويستمر اختلاف الأشطر والأبيات ذات القوافي الموحدة إلى آخر النص، وحسب التعريف اللغوي فإن القصيدة المسمطة هي قصيدة مقفاة على غير روي القافية، أو هي تقسيم بيت الشعر إلى أجزاء عروضية على غير روي القافية، ومن نماذج المسمطات تخميسة المؤلف على كتابه هذا بقوله:

ثلَّثتُ هذا في العَروض الأروعِ

شأناً لقومي كي أقي ما يُدرجُ

خذ من معين الدين ما لا يحرجُ

هذا هو المقصودُ مما أُدرجُ

اترُكْ سبيلاً قد طغت لم تنفعِ

حيث أدخل ثلاثة أشطر بقافية الجيم على بيت بقافية العين.

اما في هذا الكتاب كما يفيدنا المؤلف: (فقد قمت باستغلال اللحظات التي تسبق النوم في كل ليلة بنظم شكل آخر من المسمطات على ثلاثة أشطر من بحر الرمل في التركيز على المفاهيم الإنسانية التي أرادها الإسلام أن يلتزم بها المؤمنون بها، فكانت هذا الذي بين يديك وجميعها تشكل مئة بيت يحتوي على ثلاثمائة شطر بمختلف القوافي في باقة ثلاثية متحدة كل واحدة بقافية، موحدة جميعها بالبحر والوزن).

وحيث استفتح الكرباسي ديوانه بمسمطة التصدير برقم صفر ثم مسمطة الابتهال برقم صفر مزدوج، بدأ مسمطة التعريف بالرقم واحد، ثم توزعت بقية المسمطات التسع والتسعين على الحروف الهجائية على النحو التالي: لقافية الألف: مسمطة: العطاء، الغرور، الزهد، الصدق، الحزن، والاستشارة. ولقافية الباء: العُزلة، الشعر، الوحدة، العصيان، الرحمة، والتحزّب. ولقافية التاء: الصلاة، الجهل، الخوف، والاستقامة. ولقافية الثاء: التراث. ولقافية الجيم: الأصالة. ولقافية الحاء: الخُلق، المعرفة، الاستبداد، والطفولة. ولقافية الخاء: المعروف. ولقافية الدال: القيادة، الاكتفاء الذاتي، البطش، الكذب، التطبيع، والمشورة. ولقافية الذال: الكرم. ولقافية الراء: القمع، الحصار، الفقر، القرآن، التوقير، الرياضة، والجهاد. ولقافية الزاي: الضلال، العلم، والأسرة. ولقافية السين: الإرهاب، السَّفه، التقديس، والتجسس. ولقافية الشين: اليأس، والتعايش. ولقافية الصاد: الجور. ولقافية الضاد: الحقد. ولقافية الطاء: الإيثار. ولقافية الظاء: الغليظ. ولقافية العين: الآمال، الخطف، الصناعة، الزراعة، الإثباط، الإفساد، الجار، والشأن رفيع. ولقافية الغين: الطغاة. ولقافية الفاء: الوفاء، الوظيفة، الزكاة، العجلة، والحِجى. ولقافية القاف: الأيتام، العنف، التقوى، والآل. ولقافية الكاف: العدو، الهوى، الحج، والحمد. ولقافية اللام: الأنانية، العمالة، الاجتهاد، الكسب، الكسل، الوالدان، والآثار. ولقافية الميم: الخير، الظلم، الثأر، والإسلام. ولقافية النون: القومية، العميل، السياحة، العدل، الحر، الغِيبة، والفداء. ولقافية الهاء: الحزم، الدنيا، والحُلْم، وأخيراً قافية الياء، مسمطة: القضاء، الاستعلاء، الإصلاح، والعالِم.

 

أهرامات حَكَمية

ولأن المصطلحات والمفردات مائة، فلا تسع القراءة إلاّ اختيار ما يظهر الغرض، ومنها المفردة السابعة "الاستشارة"، وفيها يقول الناظم:

إستشر يا صاحبي في كلِّ شيءٍ

لا تكن غِلماً لكي ترضى بفيءٍ

إنما الدنيا متاعٌ مثلَ فيءٍ

فالناظم في هذا المثلث يدعو الفتى ألّا يكون غِلما منقاداً إلى الشهرة فيرضى بشهوة الغنيمة، لأن متاع الدنيا التي تأتي من غير حلها وصحيحها إنما هي مثل القيء الذي يسترجعه المرء من فمه، والناظم هنا يذكرنا بقول الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم: (لن يهلك امرؤ عن مشورة).

ثم يعود صاحب المثلثات العَروضية في المفردة الثلاثين تحت عنوان المشورة ليفيدنا نظماً:

شاوِرَنْ في أمرك الجاري وعَنْ جِدْ

لا تكونَنْ مُستبداً حيثُ تُسْعَدْ

لا ترى الخُسران في الدنيا وفي غدْ

ليؤكد في هذا الثلاثية حقيقة وصية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عندما بعثه إلى أهل اليمن: (يا علي ما حار من استخار، ولا ندم من استشار)، ويردف الناظم ثلاثية الاستشارة والمشورة بثلاثية الاستعلاء بالرقم (98) قائلا:

ليس إستعلاء حكمٍ في البرايا

ناجحاً، أُرفضْ لدى طرحِ القضايا

انتخاباتُ الورى تُرضي النوايا

وبذلك يفيدنا بأهمية نبذ الاستعلاء والاستبداد والأخذ بالانتخابات في كل مفاصل حياة الأمة الناهضة، وهذه الإفادة وأحكامها أوردها الفقيه الكرباسي في كتيب "شريعة الانتخابات" الصادر سنة 1426هـ (2005م) فضلا عن كتيب "شريعة الشورى" الصادر سنة 1440هــ (2019م)، وغيرهما.

ويدعونا الناظم إلى مجانبة السفيه والسفاهة:

لا تجالس مَنْ سفيهٌ في مجالسْ

لا تشاركْهُ بِكَسْبٍ لا تُمارسْ

إنه يهوى وتهوى لا تُعاكسْ

وهذه الثلاثية مستوحاة من حديث الإمام الخامس من أئمة أهل البيت عليهم السلام الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: (قابل السفيه بالإعراض عنه وترك الجواب يكن الناس أنصارك، لأنَّ مَن جاوب السفيه وكافأه قد وضع الحطب على النار)، وليس من عاقل يزيد النار حطباً أو يصب عليها زيتاً.

وحيث يعلمنا الناظم نثراً أنَّ: (للمثلث أو الشكل الثلاثي الهندسي خصوصيات كبيرة وكثيرة لا يمكن الاستغناء عنها في الرياضيات بقسيمها المحاسبة والهندسة سواء أكانت سطحية أو حجمية، ولها أثر كبير في سائر العلوم حتى أصبح لدراسة هذا الشكل علم عُرف بعلم المثلثات والذي يستخدم في الهندسة المعمارية أو الألعاب الإلكترونية والفلك والنجوم والجغرافية وإرسال الأقمار الصناعية وإطلاق الصواريخ وتحديد المواقع والمواقيت مما لا يمكن التغاضي عنها)، فإنه ما يتعلق بالمثلثات العَروضية: (نحن في هذا الديوان حاولنا أن نستخدم الشكل الهندسي الذي يمثله المثلث في العَروض والشعر المسمط مع الإشارة إلى أن الأمر يرتبط العقيدة أيضا).

ومن محيط الشعر المسمط ينقلنا الشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز شَبين إلى أجواء الشعر العمودي مقرظاً الديوان بقصيدة ميميَّة من بحر البسيط الأول في عشرين بيتاً تحت عنوان: "ثلِّث عَروض الشعر" يقول في مطلعها متماهياً مع أهرامات مصر وراعيها أبو الهول:

ثلِّث مع الشعر أبياتاً مِنَ الهرمِ

فيها أبو الهَوْلِ مجبولٌ على الكَرم

أبعادُ أخيِلَةٍ تندى ثلاثَتُها

ندّاً من البوح أو نفحاً من النَّغَمِ

ثم يعرج في براق قافيته إلى سطح المثلثات فينشد:

هذي مواهبُ كَرباسٍ لها نَسَبٌ

لم يَبْلَ في الجدِّ ممدودٌ إلى القِدَمِ

لا شك أن الشعر المسمط فن من فنون الأدب النظمي، وهو بمقام اللوحات الجميلة التي تزين جدار البيت، ولكن الأديب الشيخ محمد صادق الكرباسي هدف من المثلثات العَروضية كما قال الأديب اللبناني عبد الحسن دهيني في كلمة الناشر: تذكير المجتمع بهذه القضايا الاجتماعية، وتقريبها لهم وتبيان فوائد الإيجابي منها ومضار السلبي منها بأسلوب شعري سلس ومحبب.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=208194
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 09 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 09 / 23