تبدو منافسة غير نزيهة من الطرفين، لعلّ الخوف دافع كاف ألجأهما إلى اتخاذ قرار خطير مثله، فإبرام اتفاقات دفاع مشتركة، بين دول ضعيفة عسكرية وأخرى قويّة، لا يجب أن يمرّ دون بحث عن الأسباب التي دفعت إلى توقيع اتفاقين عسكريين شديدي الأهمّية بين المملكة السعودية وباكستان من جهة، وبين الإمارات العربية والهند من جهة أخرى، مع أنّه على قدر احتياج النظامين العربيين لمثل ما أقدما عليه، على قدر عدم حاجة باكستان والهند إليه عسكريا، فيكون الغرض منه غُنْمٌ ماديّ فقط، يدر أرباحا كبيرة على بلدين هما بحاجة إلى ضخ أموال يحتاجانها في تقوية اقتصاديهما.
وقد جاء الخبر مؤرخا بيوم 18 سبتمبر/ أيلول 2025 كما يلي: (وقعت السعودية وباكستان اتفاقية دفاع مشترك بهدف تعزيز التعاون العسكري بين البلدين. ومن أبرز بنود الاتفاقية هو اعتبار الاعتداء على أي بلد هو اعتداء على كليهما. وتأتي الاتفاقية بعد أيام من هجوم إسرائيلي على قطر الذي استهدف قادة لحركة حماس. وقال مسؤول سعودي كبير لوكالة رويترز إن الاتفاقية تأتي تتويجا لمحادثات استمرت سنوات طويلة وليست ردا مباشرا على جه معينة أو حادث بعينه) (1) فيما اختصر الخبر بخصوص الامارات والهند في موقع آخر: (توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين الهند والإمارات. أمس وقعت السعودية مع باكستان، واليوم الإمارات مع الهند) (2)
فما هي الدوافع التي ألجأت الدولتين إلى اتخاذ قرار استراتيجي مثله؟
طبعا، فالبلدان العربيان السعودية والإمارات العربية لا يقصدان من وراء ما أبرمته حكومتيهما، من اتفاق عسكري نصرة لغزّة، وشد إزر المقاومة الفلسطينية في القطاع والضفة، فآخر ما يهمّهما في هذا الشأن قضية فلسطين، بل إنّ ما ظهر من حركة وجهود البلدين بخصوص التفريط فيها، والخلاص منها نهائيا بالتطبيع مع إسرائيل، دلّلا على موقفين متطابقين في مسار لا يصدر عادة الا عن نظامين موغلين في خيانة القضية الفلسطينية، لم يتحرّجا في تنفيذ كل ما من شأنه أن يفكك تلاحم الشعب الفلسطيني حول مقاومته ، والسّعي الدؤوب منهما نحو إسقاط جميع حقوقه في استعادة أرضه، ولو كان جزء منها، وأعني به مشروع حلّ الدولتين، كما حدّدته أمريكا تمْوِيهًا بنسبة 22%، وهو مقترح صوري ساقط منذ إعلانه، بما أظهره الكيان الصهيوني من غطرسة، وتمادٍ في سلسلة جرائم ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني، منذ قيامه سنة 1948 إلى اليوم، مثبتا مماطلة وخبثا في قبول الفكرة المقترحة - وقد يكون صاحبها - والتنصل منها بعد ذلك.
ولا يمكن أن يخفى الداعي، الذي دعا السعودية والإمارات على خبراء السياسة في العالم، خصوصا أولئك الذين تابعوا الحركة الثورية، التي قادها أنصار الله في اليمن، من سنة 2004 إلى سنة 2008 في ستة حروب انتهت بمقتل علي عبد الله صالح، بعد فشله في كسر شوكة انصار الله، وسقط نظامه بعد ذلك، ما دعا السعودية والامارات إلى تشكيل تحالف عربي مؤلف من ( الأردن/ مصر/ السودان/ المغرب / البحرين/ الكويت / قطر/ إلى جانب الامارات العربية) من أجل استعادة الحكم كما كان عليه زمن صالح، الحاكم الموالي لهما والمؤتمر بأمرهما، انتهت فصول عدوان هؤلاء العملاء، المؤتمرين بأوامر اسيادهما الأمريكيين والغربيين إلى الانكسار والهزيمة، ويبدو أنّها هزيمة ظرفية، لم يتقبلها النظامان خصوصا الإمارات، التي ما تزال تحتل أرخبيل سقطرى (3) وتحتفظ بقاعدة لها هناك في انتظار ما سيملى عليها من أوامر، هي بالتأكيد لا تخدم سوى مصالح أعداء اليمن، وليت أحرار اليمن في الجنوب يدركون حقيقة السعودية والامارات.
ما تشكله اليمن منذ سنة 2015 وبعد دحر عدوان التحالف العربي عليها، شكل هاجسا أرّق النظامين السعودي والاماراتي، وما تلقياه من ردود على عدوانهما السافر على اليمن، فضلا عن تدخّلهما المفضوح في شأنه الداخلي، بالتآمر عليه وزعزعة استقراره، ومحاولة افشال ثورته التي نجح فيها، بعد اسقاط نظام علي عبد الله صالح العميل، بتحريض انفصاليي الجنوب على اخوتهم في الشمال، وتعميق الشرخ بينهما، بحيث يصعب لمّ شمل اليمن في نظام وطني موحّد، يشمل جميع مكوناته، ويفتح صفحة جديدة لليمن السعيد.
إنّ الدافع الحقيقي الذي دعا السعودية والإمارات إلى ابرام افتاق دفاع مشترك مع دولتين متعاديتين، هو الخشية من قيام اليمن بأعمال عسكرية، مستهدفة المواقع الحيوية لهاذين البلدين، بعد ثبوت تورطهما في مناصرة إسرائيل والدفاع عنها عسكريا، باعتراض صواريخ اليمن، قبل وصولها إلى أهدافها في فلسطين المحتلة، ومساعدتها اقتصاديا باستقبال السفن المتوجهة اليها في موانئها، وإعادة شحنها عبر البرّ، كاسرين بذلك الحصار الذي فرضه اليمن، من أجل اجبار إسرائيل على وقف عدوانها على غزّة، وهذه الأعمال هي في مقام خيانة اليمن وفلسطين في نفس الوقت، وحث إسرائيل على مواصلة عدوانها التدميري على قطاع غزة، من أجل انهاء المقاومة فيه، وكأنّي بالنظامين حليفين استراتيجيين لإسرائيل، قد انتفت بينهما كل أسباب الخلاف والعداء، وكأنّما القضية الفلسطينية قد مُحيت من حاضرتيهما، بحيث لم يعد لها وجود لديهما.
لقد أثبت اليمن اليوم في مناصرته ومؤازرته اخوته في المقاومة الفلسطينية، عراقة الشعب العربي المؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، ولم يتأخر في القيام بواجبه الديني والأخلاقي تجاه شعب مظلوم، من اعدائه وأشقائه في نفس الوقت، تعالت صيحات استغاثته، ولم يجد معينا له في محنته التي وجد أهله فيها سوى اليمن وإيران، ومحور مقاوم مؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، قرر أن يواجه ما خطط ودبّر له أعداؤه الغربيين من أجل محقها وانهاء محاولات نُصْرتها، وقد برهن على نجاح غير مسبوق، سيزداد مستقبلا ليحقق النصر النهائي على غدة سرطانية دخيلة على المنطقة.
اتفاقيتي الدفاع المشترك بين السعودية والامارات من جهة، وباكستان والهند من جهة أخرى، هما استباق لما قد يمكن ان يحدث من عقاب، قد ينفذه اليمنيون ضد هاذين البلدين، جرّاء تحالفهما المُدان أخلاقيا ودينيا مع إسرائيل، تحالف لم يعد خافيا على أحد سوى عميان القلوب، لكن هل ستقبل باكستان بالخصوص التورط في عدوان ضد احرار اليمن، وقادتها يعلمون حقيقة اليمن ومواقفه العادلة، الأيام القادمة ستكشف ما يمكن ان تمضي عليه في هذا الاطار، ولا اعتقد ان الهند ستكون غبيّة فيما أمضت عليه.
المراجع
1 – اتفاقية دفاع مشترك باكستانية سعودية.. فهل تشمل السلاح النووي؟
https://www.bbc.com/arabic/articles/czrpy541g4yo
2 – https://x.com/Roaastudies/status/1968701399673209203
3 – احتلال الإمارات لجزيرة سقطرىhttps://ar.wikipedia.org/wiki
|