لم تكد الكاميرات تُطفأ في قاعات الدوحة، حتى سُمع ضحك مكتوم في تل أبيب. قمة عربية إسلامية حُشدت لها البيانات وأوراق العمل، لكنها لم تترك في وجدان إسرائيل سوى الانطباع بأنها "حفلة إنشائية". قمة لم تخيف خصماً، ولم تُدخل في حساباته رقماً، بل مرّت كما يمرّ الغيمُ الخفيف في سماءٍ بلا مطر.
وهنا يُطل السؤال الفاقع: ما الفرق بين سيادة قطر التي تُرفع لها الأصوات إذا مُسّت بخطر، وبين سيادة اليمن التي تُنتهك منذ أعوام والسماء مكدّسة بالصواريخ؟ لماذا تُحسب الغارة على الدوحة "انتهاكاً للسيادة العربية والإسلامية"، بينما لا تُعتبر الغارات اليومية على غزة وصنعاء وعدن والحديدة إلا خبراً عادياً في شريط الأخبار؟ أليس هذا الكيل بمكيالين قد شبعنا منه حتى الثمالة؟
اليمن ـ ذلك البلد الجريح ـ بصواريخه استطاع أن يغلق مطارين إسرائيليين في قلب فلسطين المحتلة، دون أن يلتفت إليه أي مؤتمر عاجل أو مؤجل، ودون أن تُكتب لأجله حتى سطور في بيانات "الإدانة". بل إن حكومة بكاملها أُبيدت تحت وابل من النيران، ومع ذلك لم يستحق دمها "الاجتماع الطارئ".
في المقابل، يخرج رئيس وزراء العراق، ليطالب بتشكيل "ناتو عربي إسلامي"!؟.. لمواجهة الضربات الإسرائيلية! وكأن العلة في غياب الجيش لا في غياب القرار، وكأننا بحاجة لتحالفات ورقية جديدة، تضاف إلى أرشيف "المجالس العليا" و"اللجان الدائمة" التي لم تردع طائرة واحدة ولم توقف صاروخاً.
ثم، لنتذكر أن خمس دول مطبّعة جلست في الدوحة، تحاضر عن السيادة والكرامة، وهي التي وقّعت بالأمس على أوراق الاعتراف وتبادل الأعلام. ولم يُطرح حتى "أضعف الإيمان": مقاطعة سياسية أو اقتصادية أو حتى رياضية! لم نسمع إلا جُملاً رقيقة عن "التوازن" و"الحكمة"، فيما الصواريخ تنهال على غزة واليمن.
والحق أن الموقف لم يخلُ من بصيص ضوء: دولتان صغيرتان، ماليزيا والمالديف، أثبتتا أن السيادة ليست بحجم المساحة ولا كثافة السكان، بل بحجم الكرامة. أغلقتا أبوابهما في وجه الإسرائيليين، بينما تركت العواصم الكبرى بواباتها مشرعة للعلم المربّع ذي النجمة الزرقاء.
لذلك، فإن نتنياهو سيواصل التبختر، وسيواصل القصف، ولسان حاله يردد عن قمة الدوحة ما قاله شاعر: معزوفة بلا نغم. لأن المعزوفة بلا موقف، والنشيد بلا فعل، مجرد ضجيج سياسي يعجب سامعيه ويضحك أعداءه.
وان سألوا ما هي تطلعاتنا.. سنقول:
لا نريد مؤتمرات تبثّ على الهواء وتطوى على الورق، بل نريد قمة تُسجّل في السماء: قمة تُلزم بالقرار، تُقاطع المطبّعين، وتمنع على الإسرائيلي أن يتجول في عواصمنا كما يتجول في حيفا. نريد فعلاً يعادل دماء الشهداء، لا بيانات تتبخر مع أول طلعة شمس. فالتاريخ لا يرحم، والأجيال القادمة لن تحفظ أسماء المؤتمرات، بل ستحفظ فقط: من وقف، ومن صمت.
|