الزيارة لغةً تعني القصد والميل، ومدلولاتُ الاصطلاح تشمل التكريم والتعظيم والارتباط المعنوي بين الزائر والمزور، وفي اصطلاحِ أدبياتِ الشريعة فالزيارة من أعظم القرباتِ وأشرف الطاعات، وقد جاء الاستحباب الأكيد في خصوص زيارة النبي والأئمة الأطهار (عليهم السلام) لما في ذلك من تجديد العهد بولايتهم وإحياء أمرهم وإعلاء كلمتهم وإدخال السرور عليهم، وتبكيت أعدائهم وحفظ أحكام الشريعة وإبقاء الدين ونصرة المذهب الحـق، فعن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): (إنّ لكلّ إمامٍ عهداً في عنق أوليائه و شيعته، و إنّ مِن تمام الوفاء بالعهد و حُسن الأداء زيارة قبورهم، فمَن زارهم رغبةً في زيارتهم، و تصديقاً بما رغبوا فيه، كانت أئمّتُهم شفعاءَهم يومَ القيامة)[1] وقد ورد الحث والتأكيد والترغيب الشديد في خصوص زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في كل الأوقات والأحوال، ونظراً لموقعيتها الهامة والماسة بلغ بحيث أن الإمام الصادق عليه السلام في أحد كلماته المروية يصفها بأنها حقٌ من حقوق رسول الله والفريضة الواجبة ( لو أن أحدكم حج دهره ثم لم يزر الحسين بن علي (عليهما السلام) لكان تاركاً حقاً من حقوق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنّ حق الحسين (عليه السلام) فريضة من الله واجبة على كل مسلم)[2] هذا من جانب، ومن جانب آخر ثمة طيف من الروايات الواردة في التراث الروائي سجلت بشكل راكز أن زيارة الإمام الحسين لها آثار وبركات معنوية ومادية على الإنسان مثل إطالة العمر والزيادة في الرزق ودفع مصارع السوء وغير ذلك.
فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال :«مروا شيعتنا بزيارة الحسين (عليه السلام) فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ويمدُّ في العمر ويدفعُ مصارع السوء، وإتيانه مفترضٌ على كل مؤمن يُقرُّ له بالإمامة من الله »[3]
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام «لا تدعْ زيارة الحسين بن علي، ومُر أصحابك بذلك يمدُّ الله في عمرك ويزيدُ في رزقك »[4] وروي عنه أيضاً « أن أيام زائري الحسين "ع" لا تُعد من آجالهم »[5]
وهذه الاحاديثُ معتبرةٌ ومعتمدةٌ وفقاً على مباني الأعلام، وبنحو الخصوص الأخبار التي أكدت أن زيارة الحسين "ع" تسبب إطالة العمر هي كثيرة لا يسع المقام لذكرها - لكن مشكلة هذه الأحاديث مصطدمةٌ بالواقع المعلوم باعتبار بعض الزائرين يموت بعمر قصير أو يموت أثناء الزيارة فكيف يمكن حل هذه الإشكالية ؟!
من هنا بادر الشيخ الحر العاملي المتوفى
"سنة "1104هــ" المحدث والخبير بالتراث الروائي [صاحب وسائل الشيعة] بعدّة توجيهات تفسيرية لحلّ هذه الطائفة من الروايات قال:
الأول: « أن أسباب زيادة العمر كثيرة جداً من الزيارة والحج والصدقة وصلة الرحم وغير ذلك من الأسباب الكثيرة المأثورة في أحاديث ثواب الأعمال وغيره، وأسباب نقص العمر كثيرة جداً كترك الزيارة وقطيعة الرحم وغير ذلك مما اشتملت عليه أحاديث عقاب الأعمال وغيره
وحيئذٍ نقول: لعل سبب زيادة العمر وطوله يعارضه في بعض الأفراد سبب قصر العمر ويكون مساوياً أو أقوى فلا يترتب أثر على السبب »
وبحسب ما أفاد الحر أن أسباب زيادات العمر كثيرة كما القصر كذلك، غير أن مدار زيادة العمر تحصل لزائر الحسين "ع" ما لم يكن سبب قصر العمر مساوياً أو أقوى من الزيادة العمرية- بحسب تكوينته المكتوبة في اللوح المحفوظ- وإلّا فإنّ هذه الآثار لا تتحقق النتائج.
ثم يطرح تفسيراً آخر فيقول :« ويدل على ذلك في خصوص الزيارة اختلاف أنواع الثواب التي تضمنتها أحاديثها فكل فرد من افراد الزائرين يحصل له نوع من الثواب الموعود به أو نوعان فصاعداً فلعل من مات في الطريق أو هناك يكون استحق نوعاً آخر من الثواب غير زيادة العمر بحسب ما اقتضته الحكمة الإلهية .»
الثاني :« أن يكون ذلك مخصوصاً بالأجل الموقوف الذي يحتمل الزيادة والنقصان دون الأجل المحتوم الذي لا يحتمل كما دلّت عليه الآيات والروايات فلعلّ الذي يموت قبل الرجوع من الزيارة كان أجله محتوم لا يحتمل الزيادة » [6]
لكن الغريب والمُلفت إقدام بعضهم بإنكار ورفض هذا اللون من الروايات بطرق استحسانية لا قيمة لها، مع أن المفروض والصحيح فنيّاً أن يناقش في البدء هل الأعمال بشقيها من الطاعات والمعاصي لها آثار وبصمات تكوينية على وجود الانسان وحياته الدنيوية أو لا؟ إذا كان حاصل الجواب نعم أن الطاعات وعمومية الأعمال لها أثرٌ تكويني وجودي بحيث مؤداها قصر عمر الإنسان الزمني أو إطالته، هل تحقق هذا بنحو الاقتضاء وعدم المانعية أم أن ذلك جاري بشكل إطلاقي كعلة تامة؟! ثم الكم الهائل من النصوص والروايات الواردة لا يعالج بنظرة الإنتقاء والتحليل المزاجي المبتسر، وإنّما وفق أدواته العلمية المناسبة والمقبولة. لا ريب أن زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) تُعد في رأس الطاعات والمندوبات الشرعية التي تمتد آثارها وبركاتها في شؤون الإنسان الدنيوية والأُخرويّة؛ اللهم إلاَّ من أنكر كبروية آثار الأعمال في التأثير، ولوزام ذلك لا تخفى في البطلان ..والحمد لله أولاً وآخراً.
______
[1] عيون أخبار الرضا ج1- ص292
[2] كامل الزيارات ص238
[3] تهذيب الأحكام، ج6،ص42
[4] ثواب الأعمال للصدوق ص116
[5] كامل الزيارات ص260
[6]الفوائد الطوسية ص461-ص 462
|