رغم انه لم يكن راضيا عن نفسه، إلا انه كان سعيدا لانه توفق للخدمة الحسينية في ايام زيارة اربعينية الامام الحسين عليه السلام وقال: (لقد بذلت اقصى ما في وسعي واسأل الله ان يتقبل منا هذا القليل)
لكن جوابه انقطع حين سألته السؤال الثالث، ثم قال متحيرا: (صعب ...جدا صعب)
في كل عام وعندما تشارف الزيارة الاربعينية على الانتهاء؛
تحاول مجموعتنا الاعلامية ان تشد من عزيمة اصحاب المواكب، ومن يخدم في طريق المشاية، لكي نمدد مساحة الخدمة الحسينية، الى ماهو ابعد من جغرافيا كربلاء، وزمان الاربعين، خاصة من نتوسم فيهم مستوى معين من الفهم والوعي الذي يُمكنه من استيعاب رسالتنا!
طرحنا ثلاثة اسئلة:
*هل تشعر بالسعادة لانك في مسلك الخدمة الحسينية؟
*هل انت راض عن نفسك؟
*ان كان سر سعادتك هو انك احرزت رضا مولاك ببذلك غاية الجهد، فلماذا لاتستمر في هذا البذل بعد انتهاء الزيارة؟
غالبية الاجوبة على السؤالين الاوليين كانت متشابهة، تقريبا، ومن نسق الجواب الذي قدمناه آنفا، غير ان السؤال الثالث كان، الى حد ما، صادما ومحيرا! البعض قال ان اجواء الاربعين تشجع على هذا البذل، هنالك حالة من التنافس بين خدم الامام، مما يخلق دافعا للمضي.
وبعضهم قال نحن نعطي ببركة الامام وليس من عندنا، حتة الطاقة البدنية من عنده، ففي الايام العادية لانقوى عل هذا العمل!
ولكن احد الاجوبة استوقفني حتى اني بكيت وجرت دموعي لسماعه: قال:( نحن الان في الجنة، وحين تنتهي الاربعين سنعود الى جحيم الدنيا، لذلك نكره العودة!)
تفكرت في هذه الاجوبة المتشحة بلون من الحسرة لاستحالة المطلب، كما يتصورون!
فجلست اتفكر فيما سمعت، ثم تذكرت قول الله سبحانه (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)( الاعراف ٩٦ )
نعم، ان مصداق هذه الاية متحقق في ايام عزاء عاشوراء الامام الحسين عليه السلام، فالمشاركون، هم اناس مؤمنون وخلال الزيارة تتحقق التقوى بطاعة المولى؛ في الميدان العبادي، والاجتماعي، وحتى الاقتصادي، والنتيحة هي حياة يمتزج فيها التعب والرضا، و تعمها البركة. نموذج مصغر ومؤقت لحياة كريمة يمكننا ان نعيشها، فالجميع يعطي من ما يملكه من مال او علم او حرفة او جهد بدني، وهو راض ومطمئن ان عطائه بعين الله سبحانه. مجتمع سمته التكافل والتعاون والعطاء، من دون تمييز بين فرد وآخر، وقدوتهم هو سيد العطاء، سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام.
عندما اخبرت زملائي بما يجول في خاطري، وكان معنا عدد من اصحاب المواكب يستمعون لكلامنا، قال احدهم وهو من شباب الحشد الشعبي:( وكأن الامام الحسين عليه السلام يجمعنا هنا لنرى هذه الحقيقة، فليت الجميع يراها)
نعم، ليت الجميع يرى كيف تعمر الديار بالمحبة والعطاء، حتى لا تبقى الاربعين مجرد موسم عابر، بل تغدو منهاج حياة.
فكتبنا لافتة تقول : لا تودع الاربعين بل اجعلها منهاج حياة.
|