كيف يمكن لقوة عسكرية صمدت تحت لهيب الحرب، ووقفت في وجه أعتى آلة دموية عرفها العراق في العصر الحديث، أن تهزم في ميدان المشاعر؟ كيف يمكن لكتائب قاتلت دفاعًا عن شرف العراقيات — إيزيديات وسُنّيات وغيرهن — أن تُستدرج إلى هزيمة في الوجدان، وهي التي لم تهزم على الأرض؟
إنه ليس عبثًا… بل هو مخطط، محبوك بخيوط الحرب النفسية والسياسة الناعمة. فحين عجزوا عن نزع سلاح الحشد من الكتف، قرروا أن ينزعوه من الذاكرة. وحين فشلوا في أن يوقعوا به قانونًا، سعوا إلى إسقاطه من القلب، إذ علموا أن الكيان المقاوم لا يُهزم دائمًا في المعركة، بل يمكن إضعافه حين يُستبدل شعور الفخر به بشعور الريبة منه.
في الحروب التقليدية، العدو يصوب النار على الجبهة. أما في الحروب الناعمة، فإنه يصوبها على الوجدان. يطلق قذائفه لا على الحصون، بل على المخزون العاطفي للشعب، ليفجّر داخله شعور الانتماء، ويفكك الرابط النفسي بينه وبين القوة التي تحميه.
هنا لا حاجة لإصدار قرار رسمي بحل الحشد. يكفي أن يتحول في عيون الناس من "درع" إلى "عبء"، من "ضمانة" إلى "تهديد"، من "حاضر حي" إلى "حكاية قديمة". حينها، يبدأ التاريخ يُروى بصيغة الماضي، وتصبح البطولة مجرد ذكرى، والشرعية الوجدانية — التي لا يمنحها دستور ولا يوقعها قانون — تتآكل ببطء.
ولأنهم فشلوا إعلاميًا في تشويه الحشد بشكل مباشر، لجأوا إلى الخطة البديلة: إعادة هندسة الشعور. ضخ شحنات سلبية عبر منصات مؤثرة، استدعاء شخصيات لها جمهورها، وتكرار مواقف مجتزأة أو مشوهة، حتى يترسخ الانطباع الجديد. الأمر ليس تغييرًا في الحشد بقدر ما هو تغيير في صورة الحشد داخل العقول والقلوب.
ولأن الشعور الجمعي أقوى من الرصاص، فهم يعملون على إعادة برمجته. يريدونك حين تسمع اسم الحشد أن تتذكر اتهامًا لا انتصارًا، خذلانًا لا وفاءً، تجاوزًا لا تضحية. عندها فقط، تصبح الأرض ممهدة لقرارات الدمج أو التقليص أو الحل… ويكون الطريق معبّدًا لتمرير ما لم تستطع البنادق ولا القوانين فرضه.
لكن الذاكرة الحية، إذا وُقيت من التزييف، قادرة على أن تبطل كل هذه الخطط. فالحشد الذي وُلد من رحم فتوى، وتغذّى على دماء الشهداء، ليس مجرد تشكيل عسكري… إنه معنى. والمعاني لا تُمحى إلا إذا تخلّى عنها أهلها.
|