• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وظيفة الأدب ونظرية التلقي في المناهج التربوية .
                          • الكاتب : نبيل نعمه الجابري .

وظيفة الأدب ونظرية التلقي في المناهج التربوية

  شكّل محور الوظيفة المتأتية من الأدب حداماً كبيراً في الأوساط الأدبية والثقافية والفكرية، وانبرت الأقلامُ تدافع عمّا آمنت به هذه النخب حتى تمخّض عن ذلك رأيان، ذهب الأول منها إلى أن وظيفية الأدب بأنواعه المختلفة، تعمل على جعل التجربة الإنسانية تجربةً أخّاذةً نابعةً من الحيوية التي تضفيها المادة الأدبية عليه، وهذه الوظيفية لا يمكنها أن تعملَ منفردة في أيِّ جنس أدبي؛ من غير وجود تفعيل دينامي في نظرية التلقي الفني؛ يعمل على إتمام الأداء وتركيزه وتجديده لدى الذائقة الإنسانية، باعتبار أن الأدب ركن حيوي وحاجة إنسانية نعي من خلاله الحياة، وما يكتنفها من إدراكات خاصة.
 أما الرأي الثاني فيذهب إلى أن لا وظيفة للأدب، وهم في نفيهم لوظيفة الأدب، ينطلقون لتأكيد أن الأدبَ قائم بذاته، وحدود وظيفته كامنة في التغريب، تسترعي ملكات وطاقات جهيدة لإدراكه.
 أما المكانة التي سيتجه نحوها الأدب بين هذين الرأيين في العملية التربوية، فهي حتماً ستتخذ من الوظيفة الفنية للأدب مساراً يتجه نحوه من أجل نيل مبتغاه، ليتسق مع ما قاله أرسطو في هذا المجال بالتحديد، حينما وصف الأدب بأنه (... سياسة، لو قدرت أهميته تقديراً سديداً...)، لأن موضوعه بالتحديد في هذا المجال، سيكون تجديداً للذات الإنسانية، لتكون الحياة كلها هي مادته ومسلكه.
 ونحن إذ نلج في صياغة رؤية لما يتم إمداده لتلاميذ المرحلة الابتدائية من مادة أدبية خلال سني دراستهم بهذه المرحلة، كان لابد من أن نستشعرَ ما تتركه المادة الفنية، ونوعيتها، وتأثيراتها، في حدود نظرية التلقي القائمة على ثلاثة محاور نبدأها:
1-  المرسِل- بكسر السين- أو الباث، حيث نرى بأن خبرة الأديب بهذا المجال بالتحديد تدفعه دائماً لطرح القيم الأيدلوجية التي يؤمن بها، والتي لا تتناسب بالضرورة مع ظروف المجتمع الذي يعيشه، مما يتسبب في تركيز بعض القيم، وإهمال بعضها، خصوصاً إذا كانت القيم التي يؤمن بها الكاتب تتماشى مع فلسفة نظام الحكم، الأمر الذي يؤدي إلى أن الفئة العمرية التي يُوظف الكاتب جلّ إمكانياته للكتابة لها ستعاني من ظاهرتي التركيز والإهمال للقيم.
 وسواء أكنا نعزو هاتين الظاهرتين إلى انطلاق الأدباء من خبراتهم الفردية، ورؤاهم الذاتية المتباينة، أم نعزوهما إلى تماهي أدب الأطفال بالبيئة التي ينتج فيها، وإخلاصه للقيم التي يدعو إليها نظام الحكم في الدولة؛ فإن النتيجة ستؤثر على بناء شخصية المرسل إليه، وتجعله يعيش حال من التذبذب بين التصديق بما موجود في المنهج، وما سيلمسه من إثبات لعكس ذلك في قابل حياته. لذا نحن بحاجة ماسة لحلّ مقبول لمشكلة القيم في الأدب الخاص بهذه الفئات العمرية، نابع من إيمان مطلق بصياغة فلسفة مجتمع، لا فلسفة أنظمة.
2-  الرسالة أو المبثوث: حيث تشكل المادة الأدبية ركناً هاماً من أركان العملية التربوية، وهي برغم ما تمتلكه من إمكانيات تعزز التفاؤل لبناء شخصية التلميذ في هذه المرحلة العمرية، من خلال إمداده بالقيم الأخلاقية الايجابية، إلا أنها – وبالوقت عينه -  تعاني الكثير من القصور في الإلمام بمتطلبات هذه المرحلة العمرية من جهة، وميزان التأثير الذي نطمح أن تحدثه في الجوانب العلمية والمعرفية والاجتماعي والجسمانية من جهة أخرى. فالنصوص الأدبية الموجهة للتلاميذ يكاد يكون اهتمامها منصباً على الجوانب الثقافية والمعرفية أكثر بكثير من اهتمامها بالجوانب الأخلاقية، وبذر قيم التسامح والتعايش، وعدم العنف والتواضع والطاعة، لنخرج بمحصلة أخيرة مفادها شبه الإهمال للقيم الاسلامية في تشكيل رؤية منهجية للمنهج الأدبي التربوي الخاص بهذه المرحلة.
3-   المرسَل إليه أو المتلقي: فالتلميذ يشكل قطب الرحى، والمحور الأساس في العملية التربوية؛ كون المرسِل وما تتضمنه رسالته، يكون موجهاً وبطريق مباشرة للمرسل إليه، وبالرغم من العناية التي يحظى بها التلميذ في الخطاب التربوي، إلا أن هناك الكثير من التصورات التقليدية التي تبتعد عن أمداد التلميذ، وإشراكه بالواقع الثقافي والمعرفي والأخلاقي المعاصر، وما آلت إلية الثورة المعلوماتية بما قدمته للتلاميذ من رؤى وتصورات معرفية وثقافية، جعلته مكتنزاً بالمعلومات العامة، ويمتلك رصيداً يؤهله لتجاوز حدود مرحلته العمرية بسنوات، إضافة إلى النظرة الإستصغارية التي يتعامل بها المرسِل من خلال رسالته، والتي لم تستوعبْ بعدُ التطورات الذهنية التي يحظى بها التلميذ خارج نطاق المؤسسة التربوية، والتي  تتطلب إمداده بموضوعات أدبية تتماشى ومستواه الثقافي المكتسب من الخارج، وتعمل بالوقت عينه على إستبدال ما علق بذهنه من تصورات خاطئة نتيجة احتكاكه بالمجتمع والبيئة الخارجية، واستبدالها بموضوعات أدبية تعكس التحرر والرقي وإشاعة قيم الحق والخير والجمال.
مما تقدم نستنتج بأن الانعكاسات التي تخلفها نظرية التلقي وبمحاورها الثلاث، ودراسة تأثيراتها على الغاية المرجوة من الأدب بصورة عامة في المجال التربوي، تنصب مجتمعة على التلميذ أو المستقبِل بكسر السين.
 لذا نحن نناشد القائمين على الأدب الخاص بالمجال التربوي، والموجه بصور مباشرة للتلاميذ في المرحلة الابتدائية، التحرر من الأدلجة الفكرية، والاتجاه لمحاكاة روح العصر في كتابة الموضوعات الأدبية، وعدم الاقتصار لتغطية جانب واحد من جوانب الحياة، من أجل الخروج بنتيجة حتمية مفادها تطور مرجو في العملية التربوية برمتها.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=206347
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 08 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 08 / 4