لم يمنى الكيان الصهيوني بانكسارات وسقوط، وتناقص حظوظ بقاء، كان يأمله ويخطط له، بمثل ما مني به منذ طوفان الأقصى، وكان فعلا طوفانا جريئا وشجاعا، عرّى كل ما تغطى به الكيان من دعايات تهويل، ما كان له أن يبقى لو جدت من يعرّيها، منذ أن قام كيانه محتلّا أرض فلسطين، وأولى القبلتين، ومسرى سيد المرسلين صلى الله عليه وآله، ولا أشكّ في أنّ الإرادة الإلهية التي أيّدت المقاومة في انجزها التاريخي، وأعطت رجالها مجالا للقيام بما قاموا به من أعمال بطولية، ستذكرها الأجيال الفلسطينية المتعاقبة، بأنّها كانت الباب الذي فتح سبيل النصر على العدوّ الصهيوني.
كان بإمكان قادة الكيان الصهيوني أن يستوعبوا نتائج هجوم حماس في السابع من أكتوبر، بدبلوماسية الأمر الواقع، فيبادلوا أسراهم بآلاف المعتقلين الفلسطينيين، القابعين في أقسى سجون الاحتلال ظلما وعدوانا، وتقف الأمور عند حدّ رفع الحصار عن قطاع غزة، ليتنفّس الفلسطينيون منه الصعداء، بعد حصار ظالم هدفه جعل عيش الفلسطيني في القطاع أمرا مستحيلا، وكان ذلك الإجراء بمثابة تحريض على حركات المقاومة في القطاع، حتى ينقلب عليها سكانه، مع وجود بقايا سلطة برئيس باع نفسه للصهاينة، من أجل أن يمارس حكمه الفاسد على الضفة والقطاع.
لقد برهنت فصائل مقاومة العدوّ في قطاع غزة والضفة، وجنوب لبنان، وفي العراق، وفي اليمن، وطبعا إيران قائدة هذه الجبهة وجوهر إسنادها، على كفاءة عالية في مواجهته، قد ازدادت بمرور الزمن صلابة وقوّة، تبشّر جماهير الأمّة المناصرة والحاضنة لها، بقرْبِ موعد نصر مؤمّل، بدأت تباشيره تلوح في أفق لساحة المقاومة، بإصرار المقاومين الشرفاء من هذه الأمّة، بما أحرزته عناصره من توفيقات إلهية، تدفع نحو تحقيق انجاز طالما انتظرته، ولم تعقد الأمل في تحقيقه، إلا بعد أن قال الخميني صانع هذا المشروع التحرّري كلمته بشأن فلسطين ومحتلّ أرضها، (إسرائيل غدّة سرطانية لا يمكن المصالحة أو السّلام معها)(1)
المواجهة مع إسرائيل هي قائمة بطبعها، ومغفّل من يراها معطلة أو متوقفة، ودهاء اليهود ومؤامراتهم مذكورين في القرآن تحذيرا، لم يسلم منهم أنبياء الله فكيف يسلم بقية الخلق؟ فمن رأى فيهم صلاحا أو وفاءً، فقد ردّ على الله ورسوله (ص) أصبحت حتمية ونهائية، ولم يعد هناك مجال للمناورة معها، بعد الذي ارتكبته من عدوان غادر على إيران ولبنان والعراق واليمن، وما يحصل هذه الشهور على أرض غزة من قتل ودمار وتجويع لا مثيل له، يدفع إلى تصفية آخر حساب معها، والموعد بدأ يقترب من التحقّق والأصابع على الزناد تنتظر الأمر بالهجوم، واجتماع الثلة المؤمنة على هذا الأمر، أمرٌ من تحصيل حاصل، ومحوره اليوم قد برهن على كفاءة عالية ومعنويات مرتفعة، لم تكن موجودة من قبلُ بهذا الحجم من القوّة والإرادة.
وفيما يُعد رجال الله العدّة للمعركة النهائية، وانهاء وجود الغدّة السرطانية الصهيونية المتفشّية بوبائها على أرضنا، بكل عزيمة من أعار جمجمته إلى الحقّ، يتزاحم حكام العرب على باب عمالتها، يطلبون ودّها، بيقين استمرار بقائها ونوال محفّزاتها، التي تقدّمها الإدارة الامريكية لكل من باع القضية الفلسطينية، فلا شيء يهمّ هؤلاء الخونة، غير ما يرونه داعما لسلطانهم الغير شرعي، وعادة ما يلوذ الفاسد بفاسد مثله، وإنّ الطيور على أشكالها تقع.
إنّ من طبّع علاقاته مع عدوّ صهيوني تاريخه الدموي معروف لدى العالم بأسره، لا يُعتبَرُ خائنا وحسب بل يجب انهاء كل علاقة معه، فلم يعد الوقت متاحا للسكوت على هؤلاء، في هذا الوقت الحساس من المواجهة، وقد أثبت بعضهم تواطئا معه في العدوان الأخير على إيران، دون وجه حقّ يسمح لهم بمشاركته فيما قام به من اعتداءات سافرة، كانت نتائجها سقوط اعداد من الشهداء الابرار سواء كانوا قادة عسكريين من الصّفّ الأول، أو من العلماء النوويين أو من المسؤولين في النظام الإسلامي، أو من عامة الشعب الإيراني الولائي المقاوم، وهي جميعها جرائم سيدفع ثمنها كل من تورّط فيها، وأعتقد أن النظام الأذريّ هو في طليعة هؤلاء المجرمين، وسينال عقابه بإذن الله، والشعب الأذري الأصيل لن يرضى ببقاء نظام عميل للصهيونية على أرضه.
إن جوهر معاداة أمريكا ودول الغرب للنظام الاسلامي في ايران ومحاصرته وافتعال المؤامرات الخطيرة عليه، وتأليب الراي العام العالمي لأجل عزله سياسيا، وشن حرب اقتصادية عليه، سببه واحد، وهو موقفه الصريح والواضح من دعمه للقضية الفلسطينية، ومساعداته الفعالة في بناء محور مقاومة العدو الصهيوني في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، وقد اثمرت جهود هذا النظام الصادق، تنامي حركات المقاومة، واشتداد باسها في مواجهة المشروع الصهيوني المُعنون ب(الشرق الأوسط الجديد) الذي ترعاه أمريكا وقوى الغرب ومعهم الناتو باستماتة، ولما يئس اعداء ايران مجتمعين في ثنيها عن مواصلة جهودها، بالحصار الذي فشل عمليا في تحقيق ما كانوا يصبُون إليه من نجاح، عزموا على اسقاط نظامها كحل متبقّ، أملوا منه تحقيق آمالهم، فلم ينجحوا هذه المرة، وكانت الكلمة لإيران عسكريا، بعدما استوعبت ضربات الغدر الأولى وتماسكت بقوّة، وقامت في نفس الليلة بالرّد الذي لم يكن يتوقعه المعتدون، وقدمت للمسلمين والعالم دليلا على وفاء مطلق لفلسطين والقدس، وهي عازمة على مواصلة الطريق مهما بلغت التضحيات، غير عابئة بمن سيكون في مواجهتها، ولو اجتمع العالم كله ضدها، ولا غرابة في موقف أعلن عنه الله ورسوله صلى الله عليه واله، بانه اختار قوم سلمان المحمّدي، ليكونوا حملة رايته وأهل مشروعه الانساني في هذا الزمان الذي يكاد يفقد قيمها التي هي الفطرة التي قطر الله الناس عليها، أساس الإسلام وجوهر أحكامه.
المعركة مع قوى الشيطان لم تنتهي، ولن تنتهي دون النصر الموعود، ولعلّ الله قد قيظ لنا أن نكون ممن يشهد تباشيره، ويكون ضمن جبهته المباركة، وليس ذلك على الله بعزيز.
المراجع
1 –إسرائيل غدة سرطانية لا يمكن المصالحة أو السلام معها
https://www.ansarollah.com.ye/hady-alquraan/780946
2 –
|