• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المشروع الأمريكي الصهيوني في سوريا أكبر من مساحتها .
                          • الكاتب : محمد الرصافي المقداد .

المشروع الأمريكي الصهيوني في سوريا أكبر من مساحتها

 من تابع الأحداث المتسارعة التي ألمّت بسوريا، لم يكن يتوقّع أن تصل الأمور إلى هذا الحدّ من التّحريض الطائفي، بعدما سقط القناع عن سلطة الأمر الواقع المدعومة تركيّا وأمريكيا وخليجيّا، كان هدفها تحييد سوريا عن حاضنة محورها الذي انتمت إليه، وإخراجها منه إلى تموقع جديد لا يرى غضاضة في اعتبار الكيان الغاصب دولة لها اعتبارها في المنطقة، ويجب التعامل معها على أساس أنها واقع لا مفرّ منه، قد بات من المؤكد أنّ فسح المجال لهيئة تحرير الشام وفصائلها المنضوية تحتها، لدخول سوريا من جهة ادلب وتركيا، قد رُتّب له من طرف أمريكا، كمرحلة أولى تسبق تغييرا جوهريا في خارطة الشرق الأوسط، يُعْطي لإسرائيل حقّ السيطرة والتحكّم والتمدد خارج فلسطين المحتلة.

الجولاني قبل أن تُتاح له فرصة استلام السلطة في سوريا، أوهم الفصائل المنضوية تحته، بأن الدّور القادم بعد اسقاط نظام بشّار هو التوجّه نحو القدس، لكنّه انقلب تماما على ذلك التصريح، ليمارس أسلوبا جديدا مناقضا لما وعد به، معارضا لتواجد الفصائل الفلسطينية المسلحة على الأراضي السورية، داعيا قادتها الى تسليم أسلحة عناصرها وإخلاء معسكراتها، والاكتفاء بالنشاط السياسي والاجتماعي في مخيّماتها المدنية، منطق وتصرفات قبيحة عبر عنها، تجاوزت الفلسطينيين لتشمل بقية عناصر المقاومة اللبنانية والإيرانية واليمنية، فجميعها بالنسبة اليه بعيدة عن نهجه الذي بدأ ينكشف سريعا، وهدفه الغير مُعلن، تفكيك النسيج العرقي والديني للشعب السوري، بما يسمح لتقسيمه، وهو ما تسعى اليه إسرائيل، وظهر من خلال دعمها وحمايتها للدروز في السويداء، وكانت قد المحت إلى امكان تدخلها في الساحل، لو طلب العلويون منها ذلك، لكن العلويين لم يأبهوا لها. 

هذا المخطط الخطير، يدفعنا إلى النظر في ما جاءنا من إخبارات متوقّعة، مستشرفة الغيب في تقسيم الشام إلى خمس كور، وفق تقسيم طائفي وعرقي، وهو وضع مرتقب، من شأنه أن يزيد من فُرصِ هيمنة الكيان الغاصب على المنطقة بأسرها، وقد رأينا ما تناقلته وسائل الأنباء على قلّته، كيف وقع التنكيل بعلويي الساحل السوري، فقتّلوا ونهبت دورهم واغتصبت نساؤهم، دون أن يُسْمع لمظلوميتهم صوت ينادي برفعها عنهم، بينما كانت سلطة الأمر الواقع تروّج لعملية تطهير الساحل من فلول النظام البائد، وكآخر إجراء عدواني وعمل اجرامي، قامت فصائل الجولاني الحاقدة، بإحراق جبال الساحل بما فيها من أشجار ونباتات وحيوانات، انتقاما من حقبة حكم ظالم مرتش، غالبية أهل الساحل أبرياء من تبعاتها.

وفيما كانت مراصد الكيان الصهيوني متابعة للدّاخل السوري، متتبعة أيّ حركة فيه، قامت قواته الجويّة بشن هجمات عديدة فاقت 500 غارة، على مواقع وقواعد عسكرية في الشمال والوسط والجنوب، أدّت إلى تدمير ما تبقى من قوّة عسكرية سورية، يمكن أن تشكل خطرا على أمن إسرائيل من جهة الحدود السورية، حدث ذلك بالتزامن مع سقوط نظام بشار، رافقه صمت سوري على ما حصل، كأنّما هو تنفيذ لاتفاق أبرِم، يقضي بتدمير القوة العسكرية السورية، بنية تحية وأعتدة ومواقع استراتيجية، حتى انهم أكملوا احتلال كامل جبل الشيخ والجولان المحرر.

مخطئ من اعتبر أن سوريا استقر وضعها بعد سقوط نظام بشار، فبعد مطالبة السوريين بتسليم الأسلحة التي بين أيديدهم، إلى قوى الأمن التي تشكلت سريعا من الفصائل الإرهابية، بدأت مجازر الساحل وحمص بحقّ العلويين، تحت مُسمّى فلول النظام، وها هي هذه الأيام تصل إلى السويداء حيث يعيش الدروز فيها، دلّت على اجرام أقدمت عليه قوات الأمن العام بحق السكان، هذه الأوضاع الخطيرة استغلتها القوات الصهيونية فشنت هجمات جوية مركّزة، طالت محيط مدينة السويداء، حيث استهدفت دبابات ملالات القوات السورية، وانتهى إلى قصف مقر وزارة الدفاع السورية في العاصمة دمشق، بما يُفْترض بأنّ القصف الأخير استهدف قيادات سورية في مقدمتها الجولاني والمقربون منه.

بدعوى باطلة - ملاحقة فلول النظام - أساسها الإنتقام من العلويين، شنت حكومة الشرع بفصائلها المنضبطة وغير المنضبطة، هجمات على مدن وقرى الساحل العلوي، أسفرت عن مجازر يندى لها الجبين، قتل على الهوية طال مئات المدنيين من الطائفة العلوية،  صغارا وكبارا ونساء ورجالا في الشوارع وفي البيوت وفي المزارع، عائلات بأكملها ذهبت ضحية حقد مقيت لا مبرر له، اثارت حفيظة من صدّقوا أن قوات الأمن العام، بصدد تطهير الساحل من فلول النظام، وبانتشار وافتضاح الجرائم المرتكبة، فتحت حكومة الشرع تحقيقا بشأن أعمال القتل الممنهج التي استهدفت العلويين، دون أن يسفر ذلك على ادانة الطرف المتّهم بارتكاب تلك الجرائم، وطويت صفحة تلك الأحداث كأنّ شيئا لم يكن.

ولكي يظهر النظام السوري الجديد بمظهر المقدر للجميل المسدى اليه من طرف الرئيس الأمريكي ترامب بعد لقائه به في السعودية، وتعبيرا عن امتنانه قام (باتخاذ سلسلة من الخطوات التي تظهر أن دمشق جادة في إحداث التغييرات اللازمة من أجل تطبيع العلاقات مع واشنطن، ومنها مطالبة قادة الفصائل الفلسطينية الموجودين في البلاد بالمغادرة، بعد تسليم الفصائل لأسلحتها، ويتيح التخلص من قادة الفصائل الفلسطينية، ممن عملوا مع نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وكانت لهم علاقة مباشرة بـ"محور المقاومة"، تأكيدا من الحكومة السورية بانها لم تعد تقف في صف الفصائل التي تعتمد السلاح ضد إسرائيل، وهذه رسالة طمأنة مزدوجة لإدارة ترامب ولحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفي نفس الوقت سحب الذرائع من أيدي إسرائيل التي تستمر في عملياتها في سوريا تحت مبرر محاربة الإرهاب.) (1)

إسرائيل لن تقنع بما قدّمه  لها الجولاني، فهو وان كان مستجيبا لجميع ما تعهد به من التزام واضح، بأن أمن إسرائيل من أمن سوريا،  لا تثق به لأنّ سلطاته التي بين يديه نسبية، فما تحته من فصائل مصنّفة أمريكية إرهابية، ومن بينها الأكثر تطرفا من قبيل جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام التي وقع استثناؤها أخيرا من القائمة الأمريكية للإرهاب، داعش على رأس القائمة، من شأنه أن يعطي بعض المصداقية للسياسة الأمريكية العرجاء بخصوص مسمياتهم في الإرهاب، وداعش هي صناعة أمريكية، لا تزال تؤدّي دورها الموكل اليها في بث الفوضى والقتل الممنهج في المنطقة، استثناؤه من القائمة مع أخواتها الإرهابية، من شأنه أن يزيد الأمريكيين افتضاحا لمخططاتهم وأدواتهم.

إنّ ما جرى ويجري العمل عليه على الأرضي السورية وما حولها، له هدف واحد وهو صياغة شرق أوسط جديد تكون فيه إسرائيل السلطة الكاملة عليه، من حيث حدوده وموارده، وتسخير شعوبه لخدمة مشروع صهر الديانات في ديانة واحدة، هي الابراهامية التي يدعو اليها ترامب  الوقاحة المعهودة فيه، وهي الضربة القاضية التي تريد منها منظومة الشيطنة الغربية محق الإسلام، بما فيه من قيم وأحكام، وبالتالي سلب عقيدته ومبادئه من شعوبه، وسوقهم كالنعاج إلى مصير  سيء يختارونه لهم، ولا يكون لهم فيه كرامة ولا قيمة أبدا.

المراجع

1 – طرد قادة الفصائل الفلسطينية خطوة ضمن سلسلة خطوات الشرع للتطبيع مع واشنطن

https://alarab.co.uk/




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=205755
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 07 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 07 / 21