• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أقمار تضيء الليل .
                          • الكاتب : كريم عزيز عبد السيد .

أقمار تضيء الليل

 كانت ليلة حالكة الظلام.. تقشعرّ منها الأبدان... ما أطولها من ليلة... صمّم أصحابها على المضي قدماً لإنجاز ما أتوا من أجله. 
ما أعظمها من ليلة، تسابق رجالها، شوقاً ولهفة من أجل الشهادة التي انتظروها سنيناً 
حلقوا حول صاحبهم.. الذي بات يلهمهم بإضاءاته الوضاءة، وهم كأنهم راحوا في غيبوبة قدسية، ينهمون من معينه الذي لا ينضب، معاني الإيمان والشجاعة والقوة.. لأنهم فطموا الحياة، وباعوا مباهج الدنيا، ولم يعيروا أهمية لتلك المغريات التي إنساق إليها ألوف ممن باعوا الضمير، وسوّلت لهم أنفسهم ركوب مطايا الشر والفساد: (وَيَبْغُونَها عِوَجاً). 
إنهم يتحدثون.. البعض يودّع البعض، يتحرّق شوقاً، وحرارة قلبه تستعر لهباً، وجمرة فؤاده تزداد حمرة وتوقداً..
إني لأجد أحدهم وهو يحدّث نفسه: متى ساعة اللقاء..؟ إني أتلهف شوقاً وحماساً للقاء ربي.. وأنا اقتص من هؤلاء المجرمين.. ما أحلى تلك اللحظات التي لا تقدر بثمن، وأنا أجرّد سيفي بين ابن بنت رسول الله (ص) غير مبال بالموت، لأنال من هؤلاء القتلة.
إنهم صمّموا على لقاء ربهم بإيمان يندر أن نجد مثيلاً له، بل يكاد أن يكون اسطورة حطـّمت كل الأساطير أو أننا أمام فتية لم تلههم تجارة، أو كل شيء دنيوي أو رغبة في الحياة، بل هم يتحرّقون شوقاً إلى الموت.. لم يشغلهم عطش الماء بل عطش الشهادة.
كانوا يتذاكرون مهللين بالدعاء والتكبير وتلاوة الآيات المباركات. وكل واحد يقول لأصحابه: سأكون أول شهيد يتضرج بدمه في ساحة الشرف، ووسام الشهادة بين يديه.
قال شيخ الغراء حبيب بن مظاهر الأسدي: لقد خلع عليَّ رسول الله وسام الشهادة، وهو يبشرني به، وبلقاء سيد الشهداء. وكنت أعد الأيام والسنين.. وأقول لنفسي حتى أنال الشهادة التي وعدت بها..! متى تحين الولادة.. ولادة الفوز العظيم..؟
وآخر يقول: بل أنا اول من ينال الشهادة.. وهم يتسامرون مبتسمين، حتى كأن الموت لما رآهم تعجب، ولم يجرؤ على التقرب منهم! لأنهم ليوث آمنوا بربهم فزادهم الله إيماناً..
فناداهم ذلك العظيم عليه السلام، بكلمات ممتحنات: (هذا الليل! فاتخذوه جملاً) فانهمرت الدموع من أعين باكيات.. عُدمنا الحياة إن تركناك، ولا ضمّنا قبرٌ.. وعلى الدنيا العفى.
إنها الساعة التي انتظرناها سنيناً، كي تختلط هذه الدماء الزائلات، بدمائهم الطاهرات الزاكيات..
قضوا تلك الليلة بالعبادة والتوسل والدعاء والتمجيد للواحد الأحد، بالحمد والشكر والثناء، للدرجة الرفيعة التي سينالونها، وهم يتساقطون دفاعاً عن الحق.. عن الرسالة.. عن الدين.. عن البيت الهاشمي العلوي.. عن العترة الطاهرة.. عن الثقلين.. إنها لحظة فخر، ووسام عز.
برزوا للموت كالجبل الأشم، لم يهتز لهم طرف أو خوف أو رعب.. ثلة آمنت بربها، وعشقت التضحية وقدمت النفس قرباناً من أجل حبيب رسول الله (ص)، وهذا التاريخ يخلدهم على صفحات من نور، وكل عام يتجدد اللقاء بهم..! لننهل من صبرهم وعزمهم وإيمانهم، فيتعمّق الإيمان ويزداد رسوخاً وثباتاً.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=204533
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 06 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 06 / 23