مدخل :
أتذكر انني احصيت للراحل محمد اديب كاظم وفي احدى اللقاءات ، انه أعاد كلمة (موقف ) لأكثر من اثنى عشر مرة ، حتى انني وضعت خطا احمر تحت هذه الكلمة المكررة ، وحاولت وبطريقة التفسير النفسي للأدب والكتابات - وهو امر نقدي معمول به في الوسط الادبي - ان أقوم بمحاولة التفكيك والتحليل والتشريح لشخصية اديبنا وكاتبنا الراحل ، ولكنها محاولة اعترف وأقول انها كانت متعثرة .
.. وما دمنا اليوم في أجواء واحداث القضية الفلسطينية ، والحق المسكوت عنه الخاص بأصحاب الأرض المغتصبة ، ودور الصهيونية العالمية في تذويب وتمييع هذه القضية المحورية المفصلية الهامة التي اتكأت على قاعدتها الهشة المتمثلة بعنوان الاستكبار العالمي المتمثل بالشيطان الأكبر اميركا . فلا بد لي هنا ان اعرج على موضوعة مهمة ممن كان الراحل محمد اديب كاظم يثقف لها وعليها ، وهي مسألة الموقف . مذكرا هنا الى حجم الدمار والقتل الذي يتعرض له أهلنا في الأرض المحتلة ، مشفوعا بممارسات الكذب والدجل والتورية التي تستظل بالبيت الأسود الذي ادان (بايدن ) بعدما لفق كذبة القتل الجماعي للمستشفى المعمداني والذي اشر على فضيحة أمريكية من العيار الثقيل .
لا اخفيكم من انني كنت مدونا لعبارة (الموقف والمواقف ) التي كان الراحل يرددها في اغلب احاديثه ووصاياه ، ولطالما أعاد وكرر عليّ مقولته الرائجة من ان الانسان موقف ، بل ان هذا الانسان يعرف بمواقفه ، ان لم اقل : ان هذا الموقف يؤكد شخصيته . واتذكر ان هذا الامر قد لاحظته وشخصته من خلال احداث لبنان والحرب والاعتداء الغاشم المتكررة على جنوب و ارض لبنان ، وما تلاها من احداث قاهرة . ولقد شخص الراحل علامات وامارات الصمت ممن يدعون العروبة والشعور بقوميتها ، وان الجسد العربي كان واحدا في ادبياتهم وحساباتهم ، لكنه ولأمور لا تغيب عن بال العارف واللبيب انفصل وانسلخ على حين غرة ، فراح (رحمه الله) يشخص لي مواقف الحكومات الذاعنة ، وهي بالمناسبة ذات المواقف التي تشهدها اليوم غزة العزة والبطولة الآن . فليس سوى عبارات الشجب والبيانات والكلمات التي لا تغني ولا تسمن من جوع ! واتذكر حينها انه كان حاذقا ليشخص لي بعض مواقف الحكومات العربية التي كانت تنوه للتطبيع مع الكيان المغتصب الغاشم ، وكانت لها جولات وصولات ولقاءات وسفارات ومعاهدات واتفاقات غير معلنة ، ولكنها لم تفصح عنها وجعلتها مقنعة متوارية . واتذكر ان الرجل كان يقرن توجهات المسلم الحقيقي والعربي الأصيل بأيمانه من خلال هذه القضية ، ويؤكد وصايا القرآن الكريم واحاديث الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله ) وآل بيت النبوة الاطهار (عليهم السلام ) على هذا الامر وانه امر يمهد لظهور الحق القائم المتمثل بالحجة المنتظر المهدي (عجل الله فرجه الشريف ) .
لقد ذكر لي الراحل الذي عاصر احداث فلسطين ومنذ سلسلة الحروب والمواجهات من العام 1948 وحرب عام الستينات 1967والسبعينات 1973 واحداث حرب لبنان في العام 1982 .. ذكر لي ان هذه الحرب تؤكد حضور الوجود العربي والحق المطلق الذي يحتاج الى القائد والراعي الذي يعي حقيقة القضية ، ويدرك ابعادها ، ويعيش معاناة أهلنا في الأرض المغتصبة . على الرغم من الاملاءات والاوامر التي يطلقها العم سام الى الزعماء العرب ، من الذين راحوا ومنذ بداية الازمة الفلسطينية واتفاقية سايكس بيكو يتهاونون ويتصاغرون ويساومون ، حتى تمدد الكيان الغاصب واستفحل جيشه وقوي عوده ، فاجتاح الأرض ، وراح يبني مستوطناته التي شملت عموم خريطة الوطن المحتل . ويقرن الراحل هذا الامر بالموقف الشريف والصامد ، ولكن المواقف الذاعنة والمساومة هي التي لا تصمد امام من لا يعرف قيمة الموقف ولا يعير له بالا او اعتبار .
واجد اليوم وبقراءة سريعة ثانية ان إصابات الراحل كانت شاخصة وثاقبة ، وهو يجعل الموقف مفتاحا للشخصية العربية ، الامر الذي انجلى وبان مشهده ، فالمطبعون يعلنون عن شجبهم وبياناتهم ويرسلون مساعداتهم ليوهموا شعوبهم بمواقف وحالات سياسية تؤكد مدى الازدواج والتمزق السياسي الذي وقعوا في فخه ، بعدما غدوا مضحكة لشعوبهم التي تعرف نياتهم وتعي حقائقهم ، لكننا نقول هنا : ان الشعوب الحرة الابية بقيت على موقفها الثابت ، وكانت مثار اشادة واحترام العرب جميعا ، من خلال ارسال جيوشها او فصائلها او وقفاتها الاستنهاضية الجادة التي ارعبت الكيان الغاصب ، وجعلته يستنجد باميركا والاتحاد الاوربي .. استطيع هنا القول : ان استشراف المشهد والوضع ينم عن دراية وحصافة نتيجة لقراءة متأنية جادة لحقيقة الوضع ، ولا غرابة ان يصبح الرأي هنا مسلما مثلما وجدته في رأي الراحل (رحمه الله ) .
|