من أعظم مظاهر فضل ذلك الأديب العجيب، والفحل المهيب، أن نداءه لا يُخيب، واستغاثته لا تُرد. فما زال أجدادنا وجداتنا، بل حتى شباب اليوم، يحملون تلك الفطرة النقية، والوجدان الصافي، فينادون دومًا: "نادِ عليًا مظهر العجائب"، فتتفجر لهم الإجابة مدهشة عظيمة، بإذن الله تعالى.
وقد عبّر سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) عن جلال مقام الله تعالى بقوله:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَفِرُّهُ الْمَنْعُ وَالْجُمُودُ، وَلَا يُكْدِيهِ الْإِعْطَاءُ وَالْجُودُ؛ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ، وَكُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلَاهُ» [نهج البلاغة، ج ١، ص ١٦٠].
وجاء في الحديث الشريف عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوله لأمير المؤمنين (عليه السلام):
«يا علي، أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة، تقول للنار: هذا لي، وهذا لك» [عيون الأخبار، ص ٢٣٩].
وقد أقرَّ جمع من العلماء من السنة والشيعة بتواتر هذا الحديث، منهم العلّامة المجلسي [بحار الأنوار، ج ٣٩، ص ٢١٠]، وابن المغازلي الشافعي [مناقب الإمام علي، ص ١٠٧].
ما هو الحديث المتواتر؟
الحديث المتواتر هو ما رواه جمع كثير من الرواة يستحيل تواطؤهم على الكذب، ويجب العمل به، كحديث الغدير وحديث الثقلين. وهو من أرفع أنواع الأحاديث حجيةً وثبوتًا.
أسانيد الغدير في كتب أهل السنة:
روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح:
حدثنا الفضل بن دكين، عن ابن أبي غنية، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بريدة قال: مررت مع علي إلى اليمن، فرأيت منه جفوة. فلما قدمت على رسول الله (ص)، ذكرت عليًا فنقصته، فجعل وجه رسول الله (ص) يتغير، فقال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال: «فمن كنت مولاه، فعلي مولاه» [مصنف ابن أبي شيبة، ج ١٠، رقم الحديث ٣٢٧٣٠].
إنّ حب أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس وليد لحظة أو موقف، بل هو قديمٌ أزلي، منقوش في عالم الذر، يوم خُتمت نفوس شيعته بالولاء، وأجابوه لما أُشهدوا على البسملة: "بلى".
الإمام عليّ في الكتاب المقدس!
تقول الكاتبة المسيحية إيزابيل بنيامين ماما آشوري:
"قرأت نصوصًا في الكتاب المقدس تصف شخصية عظيمة، دينية، على درجة من الكمال والشجاعة والحكمة، وقد نزل بها الظلم من قومها، حتى جاء وحيٌ يُواسيها ويعدها بأن يظهر في أمة أخرى صدّيقٌ عظيم، سيُظلم كما ظُلمت... والغريب أن لقب هذا "الصدّيق" سيُسرق منه ويُمنح لغيره."
وتتابع الكاتبة أن هذا الصدّيق المبهم لم يكن من شخصيات الكتاب المقدس، بل هو نبوءة عن شخصية قادمة. وقد تجنّب كثير من المفسرين قراءة هذا النص في قدّاسات الكنائس خشية السؤال!
وفي أحد البرامج عن سيرة الأنبياء، سمعت الكاتبة متحدثًا يقول:
"إنّ لقب الصدّيق كان لعلي بن أبي طالب، ولكنه سُلب منه وأُعطي لغيره".
فأثار هذا فيها حبّ البحث، فاكتشفت أن عليًا (عليه السلام) هو الموصوف بالصدّيق الأكبر، وهو قسيم الجنة والنار، كما ورد في صحاح المسلمين.
عليٌّ هو الصدّيق الأكبر
ورد عن الإمام (عليه السلام) أنه قال على منبر البصرة:
«أنا الصدّيق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يُسلم» [تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، ج ١٢، ص ١٨، ح ٢٥٣٧].
بل وردت في كتب أهل السنة أكثر من عشرين رواية بأن "الصدّيق" و"الفاروق" هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، منها في كتب الإصابة، والحمويني، والقندوزي.
وأخيرًا...
كم أنتَ مظلومٌ يا أمير المؤمنين! كلّما حاولوا إطفاء نورك، ازداد لمعانًا وبريقًا، بإذن الله تعالى. مكروا ومكر الله، والله خير الماكرين. فكلما صمتوا، صدحت الأصوات بولائك، وكلما غفلوا، انتشر ذكرك في كل أرضٍ وزمان.
|