ذات نكسة... عفواً، ذات نهار عربي "جديد"، أفقتُ على خبرٍ عاجل:
"اجتماع طارئ للقادة العرب لمناقشة الوضع في فلسطين."
كدت أختنق من الضحك… أو من الغصة، لا فرق.
عن أي فلسطين تتحدثون؟ فلسطين المعلقة في قصائد محمود درويش؟ أم فلسطين الممنوعة من السفر إلا بإذن العدو؟ فلسطين التي تُعرض كل مساء في نشرات الأخبار كوجبة دموية دسمة؟ تلك التي صارت سلعةً تُباع في خطب الجمعة، ويُزايد بها على المنابر وفي مواسم الانتخابات؟
أين القضية؟
لقد طُمِرَت تحت ركام الصمت، بين بيانات التنديد، وتغريدات الغضب المؤقت، وشاشات الـ"Full HD" التي تنقل المجازر بجودة 4K... ليبكي المواطن من على أريكته الجلدية، ثم يمسح دموعه ويقلب القناة نحو مسلسل تركي.
وسوريا؟ آه يا شام...
كم مرة حرّروك على الورق؟ كم مرة باعوك في مؤتمرات "الضمانات الدولية"؟ أصبحتِ دولة بلا دولة، وطنًا مشاعًا للمليشيات والمرتزقة والمفاوضات العقيمة، كلما اقتربت الحرب من نهايتها… وُلدت حرب أخرى من رحم الخذلان.
والعراق؟
بلاد الرافدين؟ أم بلاد الصفّارين؟
من نينوى إلى كربلاء، من تكريت إلى البصرة، أصبح اسمك مرتبطًا بكل شيء عدا السيادة. قسّموك طائفياً، وجغرافيًا، وثقافيًا، ثم منحوك دستورًا مطاطًا ككلمة "المصلحة الوطنية".
وفي البرلمان؟ تقام صلاة الغائب على "العقل العراقي".
أما بلاد الحرمين؟
أصبحت ترفع الأذان في الداخل، وتُبرم الصفقات بالخارج، صارت مكة لا تعرف من الحجيج سوى أرقامهم وأوزانهم وجنسياتهم. يُمنع الفلسطيني من الدعاء، ويُسمح للإعلامي من "تل أبيب" أن يدخل الحرم لتغطية المناسك... على الهواء مباشرة، وبشهادة تطبيع.
هل نحدثكم عن الفتح؟ عن المجد؟ عن الحضارة؟
أي فتح تتحدثون عنه؟ فتح البوّابات للمستعمر؟ فتح السفارات مع الأعداء؟
نحن أمةٌ تتفاخر بأنها أنجبت فلان و فلان و فلان ، بينما تركت أحفادههم يعانون الغربة في بلادهم.
أمةٌ علّمت العالم الأبجدية، ثم أصبحت أمّية حتى في قراءة بيانات العار.
كفى، يا سادة.
كفانا أوهامًا وبطولات من ورق.
فالعربي اليوم لا يثور، بل يثور عليه الجوع. لا يطالب بالحرية، بل يطلب زيادة في "راتب الذل".
إنه زمن الانبطاح، بامتياز رئاسي، وختم ملكي، وفتوى شرعية.
لن أختم هذا المقال...
لأن القصة لم تنتهِ.
لكن إن أردتم نهاية، فهاكم:
تُوفي الضمير العربي بعد صراعٍ طويل مع الخوف، ودفن في مقبرة الإعلام الرسمي.
|