على اديم الأُبلة الدهناء الخُريبة الزابوقة الباطنة الزاوية المربد العالية ..نسج التاريخ حكاية للرمل والنخل والهور ، بعدما اشتعلت الحجارة الرخوة والصلبة ، في ارض (بصرة) ، تحط برحالها مدن الملح ، ومجمعات الكلس ، وممالك الجص ، وتنتشر على انين مساحاتها مخاضات السبخ ، وتداعيات الانغمار ، ومشاهد الجدب ! وكل عوامل الغرابة ، وأسباب ومسببات الحيرة ، ومواطن التيه وعجاب العجب ..هذه وغيرها مما توارى خلف ذاكرة التاريخ ، وجثم على اعتاب الطبيعة ، جعل الابهام المضبب سؤالاً، واللبس المبهم جوابا ، والتشابك اللغزي يؤلف سرا لمدينة يسكنها الضباب ، ويركبها الدخان ، ويستعمرها (الشرجي).
نعم ، كل هذه العوامل تجبرك لان تقلب مرآة رمالها ، والتماعة صخورها ، وطينة غرينها ، وومضات حصياتها ، وامتداد مفازاتها التي انجبت الماء الزلال المالح والمر .. وافاضت عليك بالخضرة والعاقول والبحر . هيا لملم ما تبقى من شجرة اسمها المسميات ، واضغط بعشر اصابعك على بعض بنيات مستغيثات ،ستنبثق وتنسل من بينها جمل واسماء ومكنيات ..لتقرأ عبارات البصر والصبر والصبار ، فالورد الغافي على الانهر المتهادية في ابي الخصيب ، والرمل المحترق على اكتاف (الرميلة) ، والطين المفخور في (اللحيس) و(ارطاوي) ، لا يشبه البتة ذلك الطين البارد في اهوار (صلين) ، والعاقول المتأوه المحترق من لهيب الشمس والنفط ، لا يتعادل والرقص المغنج لقصبات الشاخات المتمايلة على اكتاف جزر (كردلان) ، والملح المنحدر من رحلة البحر السندبادية في (بيشة) الفاو ، لا يعقد آماله على العذوق الارطاب في (كرمة علي) ، والعوسج المتأوه في (الغبيشية) ، لا يلتقي مع برحية تحتضن دارا في محلة (بريهة) ...انها سيدي صورة رسمها الباري ، وسؤال افرده الدهر ينتظر الجواب ، ولكن ، لا جواب !
|