يُقال بأن للعالم السفلي أصواتا مُختلفة، ولكني لم أؤمن بذلك إلا حين تلحفت مسامعي تِلك النبرات.
ذات مساء تحممت قدماي ببضعٍ من تراب غريب، وقفت أمام كهف أخذت شبابه الأيام وبدأت أسمع صوت خدشته الشيخوخة يتذمر ويقول:
- كيف تنام وأعمالك متوقفة؟
تترك البشر دون أن تتسلط على أذيتهم وتسمي نفسك ابن شيخ قبيلة من قبائل الجن العريقة، يا للخزي والعار، فضحت نسلنا بتهاونك تضطجع الفراش كأنك لا تحمل أي مسؤولية!
ليخرج صوت في ذروة الشباب من فوق تلال الكلمات:
- لن أكون سببًا لأذية البشر ولن أغوي أحدهم ولن أكون سببًا لهلاك أحد أبداً
- ماذا تقول!
أظنك تتدرب على المزاح الثقيل هل نسيت بأن جدنا الأعظم خرج وحلف لله بعزته أن يغوي جميع البشر؟
من أنت حتى تلغي هذا الحلفان القديم؟
أظنك أغرمت بفتاة من عالمهم لذلك تظل وتتوه!
- لا يا أبي ولكني دخلت الإسلام ولن اقترف ذنبا يُعرضني للشرك بالله بعد اليوم.
انشق قميص الكلمات لشدة الصرخة التي ولدت من حنجرة الأب
- أسلمت!
ما هذه الكلمات الغريبة، هل تريد أن تتهرب من مسؤولياتك بهذا العذر الكاذب؟
هل تطمع بأن تحمم عرقنا بالخيانة؟
- يكفي يا أبي هذه حياتي لن تنفعني أنت والقبيلة والجد والعهد والنسل يوم القيامة.
ارتدت ملامح الأب ثيابا من جوف البركان وبدأ بالصراخ يا للعار!
كيف يكفر بعقيدتنا ابن الشيخ البكر ووريثه في الحكم
ماذا أقول غداً لبقية الجن عندما يتمردون على قراراتي ويقولون لم تحكم ابنك حتى تحكمنا!
- هل يهمك كلام الجن يا أبي ولا تهتم لكلام ربهم؟
- أخرج أنت منبوذ من نسلنا ومقطوع من عرقنا حتى تعود عما اقترفت
- لن أعود للكفر بعد أن ذقت حلاوة الإيمان ولتكن سلطتك لك وأمثالك من الكافرين، وأدعو الله لك الهداية يا أبي كي ننعم بالإسلام.
عم الصمت للحظات وقمت اتحسس وجه الطريق حتى أخرج من هذا العالم المُهيب
ولكني تعثرت بصخرة صغيرة وسمعت صوت ذلك الشاب نفسه وهو يقول
- ما زال الليل شابًا كيف لا ترين الطريق وتمشين بحذر؟
صمت حينها وكأن الليل جثم بجسده الثقيل على فمي، فتابع قائلاً
- حين تكون الظلمة شديدة استخدمي قلبكِ فالقلب الذي يحمل الله لا يظلم أبدا
ولكنك من الجن كيف تؤمن بهذا الإيمان؟!
- منا الصالحون ومنا دون ذلك، وصلاحنا يعني تعلمنا لدين الله بشكل صحيح.
- كيف ينجو الإنسان منكم؟
- المتقون حقًا لا يمسحهم طيفنا ولا تؤثر بهم طاقتنا، أولئك الذينَ أمنوا بالله حق إيمان كان الله معهم دائمًا ولن يضرهم الجن حتى لو قلبوا الأرض قلبا.
- ما سبب إيمانك وأنت ترعرعت في عائلة من شيوخ الجن؟
- هم عالقون في ضلال آبائهم الأولين ولكن شاء الله أن أكون مسلمًا وأخرج من طريقهم المظلم
- هل كان هناك سبب لإيمانك؟
- ذات نهار ذهبت في مهمة صعبة وقد فشل فيها جميع أبناء القبيلة وهي أن أغويَ رجلا ذا إيمان قوي، ولكني كنت كلما اقتربت منه شعرت بأن هنالك ما يصدني وبقوة، حتى أنني شعرت بأنه يعلم بوجودي وقرأ آية تقول:
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾
[الحجر: 42]
خرجت وكأني دون جسد وكأن للظلمة عيون تراقبني من كل مكان.
وحينها دخل الإسلام قلبي وقلت حين يكون إيمان المرء قويا لا يضل بسببنا ولكنهُ قد يكون سببا لهداية أحدنا.
كيدنا ضعيف وسلطتنا ضعيفة على من يكون الله سبيله ونور بصيرته، لا أحد يستطيع السيطرة على المتقين، نحن لسنا إلا أضغاث نصيب من لا يقرأ الأذكار فمن تمسك بالله لا يضل ولا يغوى.
|