ربما تسألني ما الذي أعاد الذاكرة إلى عقد ونصف من الزمان لتقف عند محور استقبال العتبة العباسية المقدسة لوفد جامعة بابل من الأساتذة والطلبة المتفوقين، أجيبك:
ـ القضية ليست قضية استضافة وفد عابر، وإنما القضية في عمق المحاورة والتحاور الذي جرى في تلك الاستضافة جعلني أتأمل في معانيها، الطالب الذي أفتتح كلمة الوفد واسمه (حسن محمد هاشم) قال في مطلع كلمته:
ـ إن من يعيش في أوساط الطلبة الجامعيين وبعد بضع تجارب سوف يكتشف حجم الخدعة الكبيرة تحت قبة الجامعة، هذا العنوان البراق الذي يوحي بالتحضر وسعة الثقافة، في الواقع أن طلبة الجامعات وفي نظرة شمولية يعيشون الخواء الفكري والروحي بأبعد الحدود، بعد أن يكتشف بعض الثقافات والتوجهات والقناعات المنتخبة، يصطدم من يقرأ الساحة بثقافة سائدة، هذه الثقافة السائدة هي ثقافة أللّاهدف، ثقافة العبث، إن سميت بالطبع ثقافة.
قراءة لمثل هذه المقدمة تأخذنا إلى أبعاد معرفية عديدة منها ما نوه عنه الطالب نفسه، الدور الذي تلعبه المرجعية المباركة، من أجل تصحيح مسار المجتمع من خلال متابعتها، واحتياج المجتمع إلى خطاب المرجعية، الخطاب الواعي الذي طالما احتضن الأطراف كلها تحت عباءة التفاهم والحوار
حضور المرجعية كموجه اجتماعي له دور الدعم والتصحيح، وعي الطالب قاده إلى إدراك أهمية القداسة في قيادة المجتمعات كونها ذات أثر معروف، له عمق وجداني قادر على التأثير، والإيمان بأن العتبة العباسية المقدسة، تسعى لنشر ثقافة أهل البيت عليهم السلام برؤى علمية وبنظام أخلاقي مؤثر، ينسجم مع العلم التربوي الحديث.
علينا أن نقف عند أعتاب السؤال، ما الذي أعاد الذاكرة إلى عقد ونصف لنتذكر هذا اللقاء المهم عندي كمتلقي، أقف عند جوهر العلاقة الإنسانية.
الإيمان بأن المراقد المقدسة اليوم تشغل نقطة تحول في تأريخ العراق عن طريق الأهمية العقائدية والسياسية، نتأمل في فاعلية كلمة المتولي الشرعي سماحة السيد أحمد الصافي، التي بين فيها أهمية العراق على المستوى العالمي، ومثل هذه الأهمية لا تسمح لمن ينتمي لهذا الصرح أن يتشاءم، الإنسان حين يتشاءم لا يمكنه أن يعمل، النظرة السوداوية للأمور تجعل الإنسان عاجزا وتعطل طاقته، والعراق دائما ينتج الملاكات العلمية والاجتماعية والدينية على مختلف الصور، المراقد المقدسة اليوم تشكل نقطة تحول في تأريخ العراق عن طريق الأهمية العقائدية، وجود العتبات المقدسة في العراق منحتها حصانة روحية وقابلية التمسك والتماسك بالقيم، والتكييف مع قيم العصر ومواكبة التطورات الفكرية والعلمية والسياسية، وجود مدرسة أهل البيت عليهم السلام منحتنا القدرة الفكرية على إيجاد الحلول الموفقة لكل المشاكل من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى زمن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.
قرابة 255 سنة استطاعت أن تضع لبنات أساسية لها المقدرة على أن تؤسس لها شيئا يختلف عن الآخرين.
وهناك جانب آخر مهما، هو الجانب العاطفي والتركيز على زيارة الائمة عليهم السلام، مثل هذا التحاور النافع بين العتبة العباسية المقدسة والشباب الجامعي يعكس وعي العتبة بدورها الإنساني والفكري في غرس القيم الإسلامية وتقويم الرؤى التي تشكل واقعا قد يفسر بتفسيرات مختلفة.
سماحة السيد الصافي قدم في هذا اللقاء الرؤية التي تتعلق بالعمر الشبابي للطالب الجامعي، وما تحمل من تغييرات فكرية ونفسية، على الشاب أن يستعمل عقله ويحمل الانتماء لمدرسة أهل البيت هوية ترشده إلى السبيل المتزن القويم.
والمرجعية المباركة قريبة من كل الأحداث لتستقطب كل الكفاءات الموجودة، ولمثل هذه المحاورات واللقاءات تمثل عمق معنى وجود العتبة المقدسة وأنفاس أبي الفضل العباس عليه السلام.
|