بعد سنوات طويلة وأمام أكداس من الذكريات التي لا تنسى يمر الأستاذ عبد الرزاق الحكيم حيا ينبض بالذاكرة، كربلاء التي في أعماق هذا التربوي الجليل هي غير كربلاء في المدون المدرسي، كلما يستوقفني اسم أو حدث له علاقة بتاريخ كربلاء، يكون عنوانا لجلستنا، في ذلك اليوم سألته من هو فتح الله خان، وما تأثيره على تأريخ كربلاء، قال لي هناك قضية مهمة لا بد أن تعرفها أن التدوين الرسمي يوافق الإعلام العثماني وأي قضية لا تخدم هذا الإعلام تهمل، وللأسف بقى الوضع مستمرا حتى بعد زوال الامبراطورية العثمانية، وذلك لفاعلية الأثر الطائفي في النظرة العامة لتاريخ كربلاء.
هدأ قليلا وقال سأحدثك الآن عن فتح الله خان ودوره في تاريخ كربلاء، كانت كربلاء من المدن الآمنة قبل مجيء داود باشا واليًا على العراق، وتتمتع كربلاء بحكومة محلية، قلت مستغربا:
ـ كيف سمح العثمانيون بحكومة محلية، وكيف ستستقل الحكومة المحلية بقراراتها مع وجود السلطة العثمانية، أجابني وهو يبتسم:
ـ كانت كربلاء تتمتع بحكومة محلية ثلاثية المظهر يترأسها نقيب الأشراف وسادن الحضرة الحسينية وحاكم معين من قبل الوالي، وكانت الحياة السياسية في المدينة تتشكل وفق توازن هذه القوى بين النقيب والسادن وممثل الوالي العثماني، القضية تحتاج إلى شيء من التوضيح، إذا كان الأمر بهذه الصورة فما الذي حدث، هل وسعت كربلاء من رفضها للاستبداد، أم الوالي وسع من صلاحيات ممثله الحاكم باعتباره يمثل سلطة؟ أجاب:
ـ أنت وصلت إلى حقيقة الأمر ويبدو أن المسألة واضحة، الوالي داود باشا في حساباته أن المدن الهادئة والتي تتمتع بحكومة محلية هي مدن غير آمنة لديه، ممكن لها بأي ساعة أن تثور وتتحرر.
أخذت أفكر في العقليات العجيبة للولاة العثمانيين، يخافون من الشعب حين يعيش الأمان، يريدون أن يقتلوا ويسلبوا، وكأن قتل الشعوب هو السياسة، كانت خطة داود باشا، الإخلال بهذا التوازن، ولا بد من نقل السلطة الحقيقية في المدينة إلى ممثل الوالي الرسمي ليصبح هو حاكما مطلقا على كربلاء.
قلت له يبدو أن فتح الله خان هو الذي عينه الوالي الحاكم المطلق على كربلاء؟ بمعنى أن داود باشا هيء أرضية للظلم وإركاع كربلاء والسعي لخنوعها وهو يعرف أن الدم الكربلائي حار، وحينها سيكسب شرعيته للإبادة، والله ملاعين أولئك الولاة، أجابني حينها الأستاذ عبد الرزاق تصور أن حماية فتح الله خان حامية البانية (أرناؤوطية) ومعه 500 جندي أرناؤوطي، يبدو أن هذه المفردة شكلت عندي فضولا لأعرف معنى أرناؤوط وما قاموا به في كربلاء، سألته من هم الأرناؤوطيين؟ أبتسم لي وقال هم من سكان البانيا دخلوا الولايات العثمانية للبلاد العربية وقيل لقائدهم ألا تعود لبلادك فأجابهم (عار علي أن أعود) هذه الجملة تطورت إلى أرناؤوط ومنهم من سكن سوريا ولبنان والعراق والاردن ومصر وكان محمد علي باشا والي مصر والملك فاروق منهم، وكان من الطبيعي وجودهم في كربلاء يشكل خطرا كبيرا على الزعامة التقليدية في المدينة.
قلت له بدأت أشعر بأن العملية لا تعني تشكيل الضغط على كربلاء فقط بل استفزاز الكربلائيين للثورة، أجابني:
ـ وهذا ما يعمل عليه داود باشا وهذا ما حدث، الحامية الألبانية هيمنت على المدينة وزرعت فيهم النقمة على الحاكم الجديد، ومثلما هو متوقع ومرسوم في خارطة داوود باشا السياسية، ثار أهالي كربلاء وقتلوا فتح الله خان، رفعت صوتي بالصلاة على محمد وآل محمد، فعلوها أهل كربلاء، قال وهنا منطلق حكاية كربلاء مع فتح الله وطلابة فتح الله خان، عليك أن تعرف شكل الانتقام، قلت مهلا أستاذ وما هو دور نقيب الإشراف في كربلاء، أجابني طالب نقيب الإشراف بإحداث تغيير إداري يكفل للزعامة المحلية نفوذها السابق، وطالب بتعيين سادن الحضرة الحسينية أن يكون نائب الحاكم، وحين حصل على الموافقة طلب تبديل السادن السيد محمد علي آل طعمة ويكون بدله زوج ابنته محمد علي بن محمد شرف الدين والملقب أبو ردن، قلت معقبا هل كان قبوله من أجل كربلاء؟
ربما لتنفيذ مخطط جديد لا يقل ضراوة عن الحاكم فتح الله خان، أجابني هو وافق بشرط
أولا.. عين بدل فتح الله الحاكم علي افندي، واشترط التعاون معه لتسليمه منفذي عملية قتل فتح الله خان، استوقفته برهة لأعقب على الحكاية أعتقد أن القضية (خربانة) أجابني أكثر مما تتوقع.
دار النزاع بين السادن والنقيب من جهة والحاكم من جهة أخرى والعصي على التوقع، أن يثور ثوار كربلاء ثانية وينفذوا عملية اغتيال الحاكم الجديد (علي أفندي)، حينها صمم داود باشا على فتح كربلاء واخضاعها بالقوة، حاول نقيب الأشراف التوسط عند المقربين للوالي، لكن داود باشا أصر على تسليم منفذي عملية اغتيال فتح الله خان الذي صار كابوسا حيا وميتا،
ومعه منفذي عملية اغتيال علي أفندي، وبدأت وقعة المناخور المخططة لإبادة كربلاء، إلى نهاية حكمه واستمرت الإبادة حتى في
عهد نجيب باشا، هذا ما أتذكره من حواري معه عن فتح الله خان
|