دخل المدرسة الثانوية مرتديا الجبة والعمامة، استدعاه مدير الثانوية إلى غرفته وقال له يا ولدي الأوامر تقول لا يجوز دخول المدرسة بالدشداشة والطاقية أو الجبة والعمامة, عليك أن تلبس أفندي سترة وبنطلون، وفي اليوم الثاني صحبته أمه إلى المدرسة وقالت للمدير أنا لم ألد لزوجي أي ولد، ونذرت للرحمن إذا أكرمني الله بولد فسأكرسه لخدمة الدين، وحقق الله سبحانه لي نذري ولدت ولدا اسميته عبد الرسول والبسته الجبة والعمامة وأنا لن أحنث بقسمي، إذا شئتم قبوله في المدرسة بهذا الزي فالشكر لكم، وإلا فسآخذه للملا وينحرم من التعليم، نظر المدير في وجهها، وقال عذرك مقبول سأتحمل المسؤولية وأسمح له وكان هذا المدير اسمه ناجي القشطيني رحمه الله، نظرت إلى الأستاذ عبد الرزاق الحكيم وهو يقص لي هذه الحكاية دون مقدمات حتى ظننته يحدثني عن أحد معارفه، أي اعتقدت أن الحكاية خارج المدى الكربلائي، وأكمل الحكاية لي، بعد أشهر جاء المفتش الانكليزي وأيد قرار المدير واستمر التلميذ في الدراسة، وأنا أستمع إلى الحكاية أكاد اتجرأ وأسأله ما هو رباط الحكاية، هل هذا الموضوع له حكاية أخرى يريد أن يطلعني عليها استاذ عبد الرزاق الحكيم، لكن على ما يبدو أن الحكاية لم تنته بعد، رغم هذا البعد الذي جنحت له الحكاية أشعر أن كربلاء قريبة الحضور في مديات قصته، لهذا صرت أصغي بمودة لتكملته، واستمر التلميذ في الدراسة، تخرج من الثانوية ثم كلية الحقوق واستبدل جبة الدين بجبة المحاماة وتدرج في المناصب إلى وزارة العدل حيث أصبح وزيرا.
أنا ما يهمني من الحكاية أن الرجل صار محافظا لكربلاء (متصرف) عام 1948 ـ 1949م ومدة مسؤوليته دامت سنة وتسعة أشهر، أنا أبحث عن الأحداث التي مرت على كربلاء أثناء متصرفيته ولا أبحث عن الأسماء عبر الأحداث
وجدت بعض المصادر وهي قليلة تتحدث عن الفترة التي زامنت مسؤوليته، رغم متغيراتها من مصدر لآخر ومتناقضات السيرة في مصادر أخرى، كانت هناك ثلاثة منازل لبيت آل كبة، نفد المتصرف طاهر القيسي هدم منزلا من المنازل الثلاثة وعوضهم بـ (350) دينار استاء آل كبة من هذا التعويض لبخسه واعتبروا الأمر مجحف ولما عين عبد الرسول الخالصي متصرفا لكربلاء أعادة التقدير منحهم تعويضا قدره (1500) دينار فكسب رضاهم، وأخذ منهم المنزل الثاني، وكان المنزل الآخر لهم له براني ودخلاني، أراد الخالصي توسيع المسلك من باب السلطانية إلى الشارع العام، طلب البراني منهم للتوسعة لبوا طلبه دون تعويض بلا مقابل، ثم طلب منهم الدخلاني لاحتياج منطقة باب السلطانية إلى مجمع للصحيات فدفع لهم 900 دينار، التفت إلي الأستاذ عبد الرزاق الحكيم وقال هذه المعلومات تجدها في كتاب مشهد الحسين عليه السلام وبيوتات كربلاء للعلامة الشيخ مجيد الهر، قلت هذا يعكس حسن تدبيره لخدمة كربلاء فقال لي هو أبن الشيخ أسد الله الخالصي وهو من العلماء، توفى والده وهو في الثانية من عمره ورباه عمه الشيخ عباس الخالصي، وفي عهده أعيد بناء مدرسة السردار حسن خان وهذه المدرسة أحد أبرز المعاهد الدينية في كربلاء شيدها السردار حسن خان القزويني سنة 1767 م تخرج منها رعيل من كبار العلماء والفقهاء والمفكرين الإسلاميين، شريف العلماء المازندراني والمصلح جمال الدين الأفغاني، وكانت تحتوي على 70 غرفة وكسي جدرانها بالزخارف الهندسية الرائعة تعلوها كتابات من الآيات القرآنية الكريمة، وبقيت آثارها إلى شعبانية 1991م حين أزيلت المدرسة بعد هذا التاريخ من قبل السلطات الحكومية مع تدمير مركز المدينة.
قلت لا بد أن تكون لنا صحافة قادرة على استخراج هذه القفشات الجميلة من بطون الكتب ونشرها لتكون تحت متناول أيد الناس، أبتسم لي حينها الأستاذ عبد الرزاق الحكيم وقال أنا أقرأ عن عبد الرسول الخالصي وجدت حكاية جميلة لها أكثر من معنى ودلالة.
في عام 1449 م زار مسؤول بلدية النجف حوزة السيد عبد المحسن الحكيم وأخبره بأن الملك سيأتي بعد يومين إلى زيارة أمير المؤمنين ونريد حضورك لاستقباله فرفض سماحة السيد الحكيم، كانت العادة أن يستقبل الملك من قبل العلماء عندها كرر الطلب قائم مقام النجف وتم الرفض من قبل سماحة السيد أيضا
حينها ذهب إليه محافظ كربلاء عبد الرسول الخالصي وقال لسماحة السيد الحكيم سيدنا هذه إهانة لي وأنا شيعي وأنتمي إلى بيت الخالصي وأهلنا موالين لأهل البيت عليهم السلام، رفض سماحة السيد أيضا وأنهى النقاش سماحة السيد وقال له:
ـ سيطلعون الملك على الزخارف، لقد اجتمعت معهم أول مرة لوجود احتياجات الناس، ولكن يبدو أن القضية ليست جدية حيث لم يتم إلى الآن تنفيذ الحاجات وإنما هي للدعاية، وأنا لست مستعدا أن كون جزءا من زخرف الحضرة, عندها ذهب المتصرف إلى الشيخ محمد رضا آل ياسين فرفض الطلب أيضا, فقصد الشيخ عبد الكريم الجزائري ولم يوافق، وروي أيضا أن الميرزا الشيرازي كانت له مواجهة
مع المتصرف عبد الرسول الخالصي، يروي الحكاية نجله، كان المتصرف عازما على تخريب الآثار المهمة من أطراف الصحن الحسيني الشريف بحجة توسيع الصحن الشريف وقف أمامه سماحة الميرزا الشيرازي حتى لا يتمكن من إتمام التهديم، لكن قرار الحكومة كان واقعا وأزيل مسجد راس الحسين ومدرسة الصدر ومدرسة الزينبية ومدرسة حسن خان ومقابر جملة من العلماء والصحن الصغير، حاول المصرف الخالصي زيارته امتنع عن قبول الزيارة لعل المرجع الشيرازي يتحدث عن فترة ياسين الهاشمي للحكومة
قلت أرى أن التأريخ يحتاج إلى إعادة قراءة، قال الأستاذ عبد الرزاق الحكيم مؤيدا كلامي، المصادر تذكر أن في سنة 1948 تم فتح شارع الحائر المحيط بالصحن الشريف من قبل الخالصي نفسه، إذ شكل لجنة برئاسة السادن السيد عبد الصالح السيد عبد الحسين الكليدار وعضوية السيد محمد حسن ضياء الدين سادن الروضة العباسية، والسيد حسن نقيب أشراف كربلاء والسيد عبد الرزاق الوهاب والحاج محمود القنبر والسيد أحمد وفي الرشدي والحاج محمد الشيخ علي لجمع تبرعات بمبلغ 2000 دينار لغرض توسيع الصحن من الجهة الشرقية، يضم الأملاك التي استملكتها البلدية إلى الصحن الشريف، وقد تم ذلك فعلا نتيجة للجهود والمساعي الحميدة التي بذلها المتصرف، وهناك مصادر أخرى تشير إلى دوره السلبي في التهديم، المهم يقول الأستاذ عبد الرزاق الحكيم والمعروف أنه بعد متصرفية كربلاء استلم وزارة العدل وزيرا وله صلاحيات اجتماعية ووطنية وعلينا أن نتمحص ما نقرأ وفي كل الأحوال وفي كل الظروف بقيت كربلاء مرفوعة الراس
|