أسئلة كثيرة توجه من أناس لهم مقاصد شتى، منها الباحث عن المعرفة ومنها من تطعن بجهل، وأغلب تلك الأسئلة توجه عن عدم قيام الإمام بالثورة أو في حركة انقلابية لاسترداد الحق، وعند الصادق عليه السلام تلتم المقاصد كونه أمتلك شعبية عالية وجمهور كبير من العلماء وأهل الدرس والثقافة ومن عامة الناس، حملنا أسئلتنا وجلسنا أمام الدكتور محمد حسين الصغير.
***
صدى روضتين كيف كانت رؤية المناخ الثوري في منظور الإمام الصادق عليه السلام؟
الدكتور محمد حسين الصغير: ـ أولا
ـــــــــــــــــــــ
عليك أن تعرف أن الإمام الصادق عليه السلام اجمعت الأمة على إمامته وكان مؤيديه من جميع المناهل المذهبية، الأمه تنظر إليه بهالة من الإجلال والإكرام، والدولة تخشى مثل هذه الشخصية التي جمعت جاه الدنيا والآخرة فهي تحسب له ألف حساب، وضعت له دوائر مخابراتية، وأمن وجواسيس وفرضت الرقابة السياسية كون الإمام الصادق عليه السلام ليس إنسانا عاديا
- ثانيا
ـــــــــــــــــــــ
الدولة التي عايشها أموية أو عباسية وهي وجهان لعملة واحدة علمانيون يفصلون الدين عن الدولة، بأدق معاني هذه الكلمة، السياسة عندهم شيء والدين شيء آخر، مع هذا هم يستثمرون الدين لمصالح الحكم ويستخدمون فقهاء رسميون يتبعون لأنظمة الحكم والاتجاهات المذهبية.
- ثالثا
ـــــــــــــــــــــ
حاول حكام الدولتين الأموية والعباسية إبعاد الأئمة المعصومين عن دورهم الشرعي كونه من الأدوار المؤثرة
- رابعا
ـــــــــــــــــــــ
حدد مسار الإمام الصادق عليه السلام عاملان التقوى والتقية، أما التقوى احتاط لنفسه ودينه وأمته كأشد ما يكون الاحتياط، وليس من سياسته الرشيدة أن يتورط بمتاهات لا أول لها ولا آخر، ولا أن ينخدع بالعواطف الجياشة الآنية ولا أن يتأثر بالمشاعر والأحاسيس الملتهبة دون معيار ديني واضح لأنه في الموقع القيادي الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا بين يديه، وهذا الموقع يرتبط بعصمته العلمية والعملية في ميزان مزدوج يشد بعضه بعضا فهو يعلم مزالق الخطأ، يحذرها ويدرك حقيقه الأشياء فيضع الأمور في نصابها.
***
صدى الروضتين: ـ يعترض علينا المعترض أن كثيرا من المسلمين يشيرون على الإمام فلا يستمع لمشورة أحد ولا يتبع أصحاب الرأي؟
الدكتور محمد حسين الصغير:
ـ من يشير عليه وهو صاحب العصمة؟
من يستطيع أن يتدخل في شأن الأمة ويحكم على إمامها بالرأي، فيفرضون عليه الرأي على من يفترض هم من يتبعوه، هم يستجيبون لرؤيته ما دام أمنوا بعصمته، من الطبيعي أنه أحرص منهم على الإمة الإمام يريد أن يحافظ على الإنسان وكرامة الإنسان وعلى النفس البشرية، لأنها أثمن هبة في الحياة.
أدرك الإمام قسوة السلاطين والجور والطغيان وعرف أساليبهم في التنكيل والتعذيب، البيوت تهدم وتقطع الرؤوس لأتفه سبب، هل يريدون إضافة ضحايا جدد إلى الضحايا القدامى، زيادة عدد القتلى والمنكوبين والمشردين، سأقرب لك القضية...
أحد علماء القرن العشرين وهو الأستاذ محمد أبو زهرة الشيخ الأزهري المعروف يرى هذا العالم أن التقية التي يدعو لها الإمام الصادق قد دفع لها أمران
(الأول) دفع الأذى ومنع المخاطر التي يتعرض لها المؤمن من غير قوة واقعة مانعة، فيكون الأذى حيث لا جدوى، ولذلك تتلاقي التقية مع الجهاد فالجهاد مع أعداء الإسلام حيث يكون واجبا وحيث يكون الاستعداد قد تم بما فعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة عندما صار للإسلام شوكة وقوة، والتقية حيث يكون اليقين أن الانتقام لا يجدي لأن الخروج ضرره أكبر من نفعه.
(الثاني) الذي دفع إلى التقية هو ما راه من استعلاء الباطل وتمكنه وقد ظهر ذلك في مقتل الحسين عليه السلام وفي مقتل زيد بن علي عليه السلام وفي مقتل الاخوين الطاهرين محمد النفس الزكية وابراهيم ولدي عبد الله من الحسن والحسين، وجاء في كتاب الإمام الصادق صفحه 243 لمحمد أبو زهرة رأي الشيخ عن تقية الإمام صادق عليه السلام، وكانت مصلحة الشيعة فيها ومصلحة للإسلام لأنها كانت مانع’ من الضرر.
**
صدى الروضتين:
ـ هل كان سبب التقية شدة الحكومة وعسرها أم إهمال للناس وتيههم
الدكتور محمد حسين الصغير:
ـ لخصت الأمور بهذا السؤال، الناس لم يروق لهم منهج أن تجد الإمام عليه السلام حصنا يصد به كيد الحاكمين، الناس مطالبون بولايتهم لأئمتهم والأخذ عنهم، سفيان بن عينية قال للأمام الصادق عليه السلام إلى متى هذه التقية وقد بلغت هذا السن؟
أجابه الإمام الصادق عليه السلام والذي بعث محمد بالحق لو أن رجلا صلى ما بين الركن والمقام عمرا ثم لقي الله بغير ولايتنا أهل البيت لقى الله بميتة جاهلية.
لا بد للناس أن تفهم أن الإمام الصادق عليه السلام في مهمة رسالية أكبر من الظنون، فقد وجد الدين اسما بلا مسمى غلبتهم الأهواء والبدع واتجه لإقامة جامعة علمية تحتفظ
بجوهر الإسلام من الضياع والاغتراب، وتصون الدين من التدهور والانحلال، أما حديث التقية فوارد لأن المال والرجال والسلاح والعدة عند الحاكم وهذا لا يملكه الإمام وجاء في كتاب المناقب لأبن شهرآشوب قال الصادق عليه السلام (إنَّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين ونحن أعلم بالوقت)
أنقل لك من الكافي الجزء الأول صفحه 187 للكليني قدس سره، إعلان ثوري للإمام الصادق عليه السلام يقول، قال الإمام الصادق سلام الله عليه (نحن الذين فرض الله طاعتنا لا يسع الناس إلا معرفتنا وقد يعذر الناس في جهالتنا، من عرفنا كان مؤمنا ومن أنكرنا كان كافرا، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة، فإن يموت على ضلالة يفعل الله به ما يشاء)
وسأحدثك عن كتاب آخر مهم هو كتاب الإمام جعفر الصادق للكاتب محمد حسن آل ياسين
وهذا ما يوحي بوضوح أن الأئمة طلاب هدى لا طلاب السلطان، يقول الأستاذ محمد حسين آل ياسين أن أهل البيت لم يكونوا هواة حكم وطالبي سلطان بالمفهوم الدنيوي للحكم والسلطان، بعيدون بما فيهم الإمام الصادق عن حركات الثورة والتمرد على عروش الحاكمين، فلم يأمروا بشيء من ذلك ولم يؤذن به ولم يشتركوا فيه من دون أن يكون في هذا الصمت اتجاه تلك الثورات، أي إشعار أو إقرار بأحقية أولئك الحكام بالملك والسلطان، أو شهادة ضمنية بسلامة مواقفهم في المنظور الشرعي للخلافة الإسلامية ومهما يكن من إمر فإذا كان هدف الثورة هو إحداث عمليتي الإصلاح والتغيير فسوف ترى أن الإمام الصادق قد بلغ هذا الهدف دون حرب، وأما الهدف تسلم الحكم، فلم تتح له الفرصة بذلك شأن الأئمة ولنا أن نقول أن الإمام حقق بالسلم حالة كبرى من التغيير في المفاهيم والعقول، وآثار الثورة العلمية التي تزعمها الإمام تعتبر أهم ما توصل إليه دعاه الإصلاح الاجتماعي لدى الشعوب المتحضرة، فقد تمكن من إعداد جيل ناهض بأعباء الرسالة الإسلامية، وهو يؤديها إلى الأجيال القادمة بأمانة وإخلاص.
|