أستاذ أبو ثامر معرفتك لشغفي الكربلائي وتوقد ذهنيتك النادر، واهتمامك بلواعج هذا العشق، جعلني وبعد 30 عاما أو أكثر أحتكم على كنز من المعلومات الجميلة عن مدينة الحسين وما زال حضورك يحمل العلم والمعرفة والمودة، ليرحمك الله أستاذي عبد الرزاق الحكيم، كل نبضة من نبضات اللقاء صار ذاكرة تنهل منها التواريخ ـــــ الأزمنة ـــــ الأمكنة ـــــ الآثار ـــــ المراقد ـــــ المزارات، وكل بصمة على وجه كربلاء، سأحدثك عن طرفة حدثت معي ضحك التلاميذ حين ذكرت اسم الإمام نوح ولم يتحملوا مثل هذا الخطأ الذي داعب عقولهم الندية
ـ أستاذ هو نبي الله نوح هل صار إماما؟
قلت أسالهم: ـ ألم تسمعوا بالإمام نوح؟
استغربوا الأمر من هو الإمام نوح؟
أعادني السؤال إليك هو نوح بن دراج النخعي، توفى عام 798 م
ـ أستاذ هل هذا اسمه الحقيقي أم اللقب؟
ـ المعلوم تاريخيا إن اسمه نوح لكن المنقول اللساني الشعبي يرى أن سبب التسمية، تعرضت المنطقة إلى فيضان غزير أغرق معظم القرى ما عدا مقبرته فصعد الناس ليتخلصوا من الفيضان، فسمي تيمنا بقصة نبي الله نوح عليه السلام، قلت أساله
ـ هل وردت تلك الحادثة في مصدر تاريخي؟
ابتسمت لي:
ـ لا، إنه من الموروث الشعبي.
والجميل أنك كنت تدرك ما يدور في رأسي، فتجيبني قبل السؤال وتعيدني إلى عالم الإمام نوح.
ـ آل دراج عراقيون كانوا يقيمون في الكوفة ونزح بعضهم إلى كربلاء المقدسة واتخذوها دار إقامة لهم، وكان من بين هؤلاء النازحين نوح بن دراج، ما الذي فعل هذا الرجل ليترك هذا الأثر العظيم عبر تلك القرون؟
الأستاذ عبد الرزاق:
ـ هو وجه شيعي معروف عمل قاضي عند الشيعة من قبل الخليفة العباسي هارون لمدة حوالي 30 عاما، هذه الحكاية بالذات شعرت أنك رفقت بي، وأنت تروي لي حكاية نوح الملقب بالإمام وهو يعمل قاضيا لهارون العباسي وتعشقه الشيعة، أو أن يجعل هارون قاضيا من الشيعة؟ شعرت أن الأمر يحتاج إلى شرح أكثر.
ـ الرجل كان من الشيعة ومن أصحاب الإمام الصادق عليه السلام،
قاضي الكوفة وهو صحيح الاعتقاد، كان أبوه بقالا يكتب الحديث، أتعرف. ورد تقييم مهم مغزاه (لو ترك نوح للقضاء فليس القضاء رجلا ثقة من بعده)
المهم أن مثل هذه التراثيات غير معروفة عند الجيل الجديد من الأبناء في كربلاء ولا يعرف مرقده سوى العشائر المحيطة بالمكان
- أجاب المرقد المبارك يقع في ضواحي مدينة كربلاء المقدسة في بساتين قبيلة آل مسعود على أحد فروع نهر الحسينية في مقاطعه الأبتر يبعد عن مركز كربلاء بما يقرب من 15 كيلو إلى الجهة الشرقية، وعن خان العطيشي بحوالي 3 كم،
زرت مرقد الإمام نوح الذي كان عبارة عن غرفة دائرية الشكل تعلوها قبة لها باب واحد للدخول يتوسطها شباك خشبي يعاني من الإهمال وفي حاجه للترميم
أستاذي الغالي رحمك الله
أولا أحب أن أخبرك بأن الإمام نوح تعرض لحملة تشويه منظمة
لجرح هذا الرجل الفقيه القاضي العادل، لكونه من أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، قالوا عنه كذَّاب وضَّاع كان يتشيع، أو كان رافضياً مبتدعاً، أو غير ذلك من الكلمات الدالة على الحقد الدفين على أتباع أمير المؤمنين عليه السلام، إرضاءً لأهوائهم، وخوفاً من حكامهم، أو ما تقضيه سياستهم ومصالحهم الشخصية والمذهبية.
لم تكن مدرس تاريخ عادي وإنما كنت مثقفا تدرك الكثير من الأمور المتعلقة بالتاريخ من قريب أو بعيد.
قلت لي تركوا الكثير من الأمور المتناقضة وهم يطعنون بتاريخ الرجل،
كيف يكون كذّاباً خبيثاً متروك الحديث، وقد قيل في حقه أنه من أصحاب الرأي والحكمة، وقد شغل منصب القضاء في البصرة والكوفة وبغداد ومصر؟!
كان القاضي صعبا جدا فهو عليه أن يحكم وفق مذهب أبي حنيفة في العراق، وفي مصر وفق المذهب الشافعي، في بلاد المغرب وبلاد الشام فكان وفق مذهب مالك، وكان نوح بن دَرَّاج في ذلك العصر يقضي بقضاء يعسوب الدين وإمام المتقين الإِمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وكان مطلعاً على آراء المذاهب الإِسلامية، ويعتقد أنّ الفقه الإمامي هو المتن والأصل؛ لأنه نابع من معدن الوحي والنبوة، وما عداه هو الهامش.
ثانيا أحب أن أريك الاهتمام العام بالمرقد الجديد، إعمار وتوسيع البناء في المزار المقدس، بناء صالة كبيرة مساحتها 220 متر مربع تحتوي على 12 دعامة وفي الوسط غرفة القبر القديمة فوقها القبة، ولوحة تعريفية بأنه
«الإمام محمد بن أحمد الموسوي الملقب بـ (نوح)
|