كتب الكثير من المؤرخين عن مرحلة حكم السفاح وموقف الإمام الصادق عليه السلام، لكن المناقشات التي أثيرت حول انتقال الإمام عليه السلام إلى الكوفة وإقامته في الحيرة، يرى البعض منهم أن الانتقال كان بإيحاء من بني العباس، لمتابعة توجهات الإمام سلام الله عليه، وإحصاء الوافدين عليه لمراقبة تحركاته، وإن الحيرة كانت منفىً رسميًا أو بمعنى آخر إقامة جبرية، وبعض آخر من المؤرخين يرى إن أهل الكوفة، كانت لديهم رغبة ملحة لإسكان الإمام الكوفة للاستفادة من منهل علومه، فهل كان أبو العباس السفاح على وفاق مع الإمام الصادق عليه السلام وحافظ على منزلته، إن هناك اختلاف في الرأي واختلاف الوضع، وهناك من الإمام ومواقف أخرى
&&&&
الدكتور محمد حسين الصغير:
ـ لقد كان الإمام الصادق عليه السلام يعمل لنشر المعارف والحفاظ على وحدة الصف الإسلامي مع أن أبا العباس السفاح كان يحكم دولة ناشئة الحكم في بداية تأسيس، ولا يمكن له أن يمس الإمام الصادق بسوء كونه يحتل المركز الأسمى، في قلوب المجتمع الإسلامي
- هل كان بريئا مع الإمام؟
لم يكن بريئا، فقد كان ولاته يعمدون الإساءة للإمام عليه السلام، الوالي على مكة والمدينة واليمامة واليمن، هو عم السفاح داوود بن علي إرهابي لا يرحم، وكان طائشا، وكان السفاح يعلم ببشاعته، مثلا قتل المعلى بن خنيس أحد أعلام أصحاب الإمام صادق عليه السلام، لأنه لم يرشده على شيعة الإمام وكتم أمرهم، يعني الدولة العباسية منذ نشأتها أعلنت العداء، لكنها كانت تعمل متوارية بصمت.
والي البصرة سليمان بن علي قتل غلاما للإمام الصادق عليه السلام، ومع هذا كان السفاح يخشى أن يعلن المواجهة، اضطر احترام العلويين حذرا من أن يحملوا الغيض ضد النظام لأن السفاح يدرك أنه كان يعيش على مائدة أهل البيت عليهم السلام، على سمعتهم وكان السفاح يتمنى لو كان الإمام الصادق يشارك بإحدى الثورات كي يعطيه عذرا لإعدامه والخلاص من الشيعة العلوين جميعهم.
&&&
صدى الروضتين:
ـ تحرك الثوار بهذه الحرية يدلنا على أن الحكومة لم تكن منتبهة للأمر أو أنها غافلة عما يحدث وكأنما اكتفت بما حصلت عليه
الدكتور محمد حسين الصغير:
ـ كيف وصلت إلى مثل هذا الاستدلال، وهناك وجهة نظر أكثر قربا للواقع.
إن الأمن العباسي لم يكن غافلا عن هذه التحركات، له أجهزة مخابرات، وأمن وجواسيس، تركوا أبا سلمة في محاولاته مع الإمام وكذلك، أبا مسلم الخرساني تركوه عساه يقنع الإمام بالمشاركة فيكون عذرا للقضاء عليه، رفض دعوة مسلم الخرساني وأسباب الرفض واضحة كان يعرف ما يخطط لإبادة الشيعة، فكان الجواب حكيما (ما أنت من رجالي.. ولا الزمان زماني) وفي هذا التحليل كثير من الكلام، الكثير من المجسات التي لا بد أن نشتغل عليها، لكن مع هذا نعود للسؤال نفسه، لكن بثوب آخر مع المنصور العباسي هذه المرة، وهناك اختلاف واضح، دوله بني العباس استحكمت قوتها وتعسفت، وبرزت على حقيقتها في التنكيل والتعذيب.
بنى بغداد واتخذها عاصمة للخلافة، لو ننتبه إلى بغداد في زمن المنصور، زمن نشأتها نجد هناك قصور فخمة ونجد هناك مساجد كبيرة حمامات أسواق انفتاح حضاري على العالم، ومع هذا نجد هناك انفتاح على الجرائم وابتكار الأحكام العرفية الظلمة، وانفتاح على السجون وبناء زنزانات كبيره ويلقى بالمعارضين على التهمة في الأقبية والطوامير المرعبة، سجون رهيبة يصفها المؤرخون أنهم لا يخرجوا منها أحدا سالما وانساق الحكم إلى الاغتيالات السرية والتصفية الجسدية والسجن الكبير المخصص، لأهل البيت وأتباعهم يدعى (المطبق) أغلب المؤرخين ذكروا الكثير من جرائمه ولا إنسانياته، أتجاه أهل المدينة وقطع عنهم الأرزاق و سلط عليهم (رباح بن عثمان المري) لئيم النفس خبيث السريرة انتقامي النزعة يقف على المنبر ينادي يا أهل المدينة إني أنا الأفعى بن الأفعى
&&&
صدى الروضتين: ـ كثيرا ما نسمع السؤال يتكرر
أين هو الإمام جعفر الصادق عليه السلام من هذه الأحداث كلها ولماذا التزم الصمت؟
الدكتور محمد حسين الصغير:
ـ كانت مسيرته حافلة لأعداد العلماء والأساطين بعيدا عن العنف السياسي، لا يريد أن يحسب على جهة ما، ولم يتبن أية معارضة صاحب كيان مستقل يعمل على بناء الصرح الحضاري للإسلام، وتهيئة الكوادر العلمية المتقدمة، ومع هذا فالزخم الجماهيري حول الإمام عليه السلام يثير المخاوف في نفس الخليفة السياسي، مع علمه أن الإمام لا تعنيه بهرجة الحكم، ويرفض التعاون مع الطواغيت وكان أبو جعفر المنصور دائما يقول عن الصادق عليه السلام إنه رجل يريد الأخرة لا الدنيا، ومع وضوح هذه الرؤية فهو عرضة لضغط شديد، رقابة صارمة، حجب أهل العلم عنه أحاط الشرطة ببيته ومنع الناس من الدخول عليه، وأخيرا أحرقوا دار الصادق سلام الله عليه، كان الحاكم يبغض
شعبية الإمام عليه السلام فتوجه الشعب إلى الإمام ومناداته زعيما للحركة العلمية ولهذا كسر الوعيد كثر التهذيب وآخرها قضة الاغتيال بالسم على يد عامله على المدينة فرحل إلى ربه ودفن في البقيع.
هل تسمح لي أن أقدم لك طرفة من التاريخ وفي هذا الجو المشحون بالعداء تستطيع أن تقرأ فيه الكثير وفي إحدى الجولات وهو يجتاز الخليفة السياسي أبو جعفر المنصور بالربدة عرف بأن الإمام هناك فأرسل إليهم واستدعاه وقال له بصلف أما والله لأقتلنك فأجابه الإمام عليه السلام:
ـ أرفق والله لقلة ما أصحبك، جن جنون المنصور التبس الحال عليه لثقته بقراءة المستقبل عند الإمام، وبدا قلقا جدا، هذا الرجل كم يخاف من الإمام؟ كم يخاف من الموت فأراد إيضاح الأمر من الذي يسبق من؟، أنا أم أنت؟ واستدعاه إلى الكوفة وكرر عليه السؤال الذي أرعبه، وكان المنصور قد عزم على قتله فأجابه:
ـ أنى أنا الراحل قبلك فاطمئن، نستطيع أن نكتشف القلق الذي يعيشه أبو جعفر المنصور
|