على الرغم من ذهاب البعض الى ان موضوعة الجلوس إلى مائدة المفاوضات مع أمريكا و الموصوفة بالشيطان الأكبر تشكل مازقا للمؤمنين بالمبادئ و للعقيدة و لكنك و بنظرة فاحصة للمجريات تجد انها لا تختلف كثيرا عن قضية التحكيم في صفين و بالتالي فهي ليست مازقا بقدر ما تمثل منحىً أخلاقياً في مواجهة العولمة التي رفعت شعار (موت الايديولوجيا) في بواكير هجومها ، فالعولمة اليوم تتقهقر خصوصا بعد ما اعلن الرئيس الاميركي (دونالد ترامب) خصومته لدعوات و نهج الحركات المثلية و النسوية ، و اذا ما أضفنا في حساباتنا ان المجريات و باعتبار مصالح الدول ليست إلا مدخلا لحقيقة اكبر مفادها التغيير و التحول من متطلبات الصراع إلى ادبيات التعاون ؛ و هو فوز للثورة - و بما هي ثورة - ما بعده فوز ، فانك تجد ان أمريكا تطوي في جلوسها على طاولة المفاوضات صفحة نظرية الصدام لهاتنغتون و التي تسببت في حروب كبرى كان اولها في الصرب و ثانيها في أفغانستان و ثالثها في العراق ؛ يؤكد ذلك ما طرحه الرئيس الاصلاحي (السيد محمد خاتمي) في بداية تسعينات القرن الماضي من ان ما يمضي و يتم امضاؤه هو (حوار الحضارات) و ليس (صراع الحضارات) ، و بصدد ذلك علينا ان لا ننسى ما تحدثت به الانباء عن تفويض المرشد الاعلى الإيراني لرئيس الجمهورية (بزيشكيان) الاصلاحي كونها تمثل امتدادا لرؤية واحدة .
و اذا علمنا بان الاتفاقيات و المعاهدات الكبرى عبر التاريخ ما هي إلا نتاج لتفاعلات واقعية يدور مدارها التاريخ و الحضارة بغض النظر عن الجهة المنتصرة و عن كتابتها للتاريخ كما هو مشاع ذلك أن حقيقة المجريات و عمرها يبقى ماثلا في وعي المجتمعات اكثر من بقاء و عمر ما يكتبه المنتصر ، بالتالي فان التذبذب الذي حصل برفض الإدارة الأميركية لاتفاق ٢٠١٥ لم يكن إلا محاولة من محاولات القوة للاستقواء على العهود و المواثيق أخذاً بزمام الأمور و فرضا للهيمنة بسبيل تأكيد منهجية الصراع مقابل الحوار ، و قد يذهب البعض الى اعتبار التفاوض من التأجيل لا الحلول في محاولة لتأكيد القوة و فرض منهجية الصراع مجددا ؛ فإنه لا يصح إلا الصحيح و بغض النظر عن نهج المغالبة كونه لا يتعدى الوسيلة فضلا عن ايماننا بأن الله غالبٌ على أمره ، غاية الامر ان العقلاء يميزون أنفسهم ليكونوا مع الخير دون الشر ذاتيا و على أقل التقادير ، كما و ان الحديث عن حاجة الدول في المستقبل لتعريفات جديدة لا مشكلة فيه إذ ان ولادة ركن الاعتراف بالدولة لوجودها بعد ان كان مرهونا بالاركان الثلاثة (شعب ، إقليم ، تنظيم سياسي) يعتبر في الفقه الغربي حديثا و لكن مصاديقه و باعتباره ركنا اجرائيا لمن يراجع موضوع (البيعة) في تاريخنا الإسلامي كثيرة ؛ بالتالي فنحن الاقدر على اعادة صياغة التعريفات في ظل تحول مفهوم الدولة غربيا إلى ما تراه و تريده الشركات متعددة الجنسيات وفقا للمجريات الحالية ..
ختاما نقول إنها ليست مفاوضات نووية فحسب و إنما هي حوار اكثر من ان تكون معركة و لسرديات ليس لنا ان نجعلها بين حضارتين بقدر ما هي بين حضارة و قوة محفوفة بتقنيات و تجليات حضارة اليوم ؛ و هي تريد أن تضفي على نفسها سمة الحضارة دون شركائها ، و هو امر فيه ما فيه إلا اننا لسنا بصدده .
باختصار شديد ؛ اننا امام خَيارٍ يتارجح بين الذهاب إلى ارادة التعاون و العمل بادبياته التي تتطلب السجود لادم (ع) - الإقرار بالحق - و بين البقاء في وحل الصراع ..
اللهم عجّل لوليّك الفرج
|