قال تعالى: ((أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))(1)، في الآية الكريمة استفهام إنكاري بداعي تشويق الناس إلى إيتاء الزكاة، وذلك أنهم حين يؤتون الصدقة لله تعالى، إنما يسلمونها إلى الرسول أو إلى عامله وجابيه، بما أنه مأمور من قبل الله في أخذها فإيتاؤه إيتاء لله تعالى، وأخذه أخذ منه سبحانه، فالله تبارك وتعالى هو الآخذ لها بالحقيقة، وقد قال تعالى في أمثاله: ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ))(2)، وقال: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى))(3)، وقال: ((من يطع الرسول فقد أطاع الله))(4).
فإذا ذكر الناس بمثل قوله: (ألم يعلموا أن الله) الآية، انبعثت رغباتهم واشتاقوا أن يعاملوا ربهم، فيصافحوه، ويمسوا بأيديهم يده (تنزه عن عوارض الأجسام وتعالى عن ملابسة الحدثان).
ومقارنته الصدقة بالتوبة؛ لأن التوبة تطهر، وإيتاء الصدقة تطهر، فالتصدق بصدقة توبة مالية كما أن التوبة بمنزلة الصدقة في الأعمال والحركات، ولذلك عطف على صدر الآية قوله: ((وأن الله هو التواب الرحيم)) فذكر عباده باسميه التواب والرحيم، وجمع فيهما التوبة والتصدق.
وقد بان من الآية أن التصدق وإيتاء الزكاة نوع من التوبة(5).
وتحدث القرآن الكريم عن الصدقة وعن المتصدِّقين، وأعظم لهم الثناء والأجر الجميل والقرآن في هذه الآية الكريمة يوضِّح أنّ الله سبحانه هو الذي يأخذ الصدقة ويتقبّلها، لذا جاء في الأحاديث النبوية أنّها تقع بيد الرب، وهذا التعبير القرآني هو تكريم للصدقة وللمتصدقين، إذ يتسلمها الله تعالى من أيديهم ليضعها في يده؛ ذلك لأنّها التعبير الإنساني عن حب الخير والتجرُّد من الأنانية، والتطوُّع بالجهد؛ استجابة لأمر الله تعالى.
والصدقة تحتاج الى النية الخالصة لله تعالى؛ لتكون عملاً عبادياً يستحق صاحبه الأجر والثواب، وأن يقابل هذا العمل بالعفو والرحمة الإلهية.
ويتحدّث الرسول الكريم (ص) عن أثر الصدقة في الدنيا والآخرة، فهي كما جاء في حديث الرسول (ص): ((إنّ الصدقة لتطفئ غضب الرب))(6).
وللصدقة آثار وضعية عظيمة في عالم الإنسان، فهو معرّض في حياته الى أنواع البلاء والمصائب والمشاكل، والصدقة بفضل الله تعالى تدفع البلاء والقضاء، فالبلاء الذي يحيط بالإنسان، والذي ثبت في عالم القضاء، لابّد وأنّه واقع عليه هذا البلاء، وتلك المصائب لا يدفعها إلا الدعاء والصدقة.
ومن آثار الصدقة في حياة الإنسان أنّها تدفع عنه ميتة السوء والغرق والحرق، وافتراس الحيوانات وحوادث السوء.. الخ.
ويتحدث الإمام علي (عليه السلام) عن الإيمان وصدقة السر والعلن، وأثرها في الدنيا والآخرة فيقول: ((إنّ افضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله، وصدقة السر، فإنّها تكفّر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء))(7).
وفي سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، نرى تطبيقاً عملياً لهذه الأخلاق والأحكام الإسلامية، فقد كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره، حتى يأتي باباً باباً، فيقرعه، ثمّ يناول مَن كان يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه(8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة التوبة: ١٠٤
(2) سورة الفتح: ١٠
(3) سورة الأنفال: ١7
(4) سورة النساء: ٨٠
(5) تفسير الميزان - الطباطبائي: ٣٧٨،٣٧٧/٩.
(6) كنز العمال: ح ١٦١١٤٣
(7) نهج البلاغة: الخطبة ١١٠
(8) بحار الأنوار: المجلسي: ٨٨/٤٦.
|