• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هل يستحقُ دفاعاً؟ .
                          • الكاتب : مرتضى ابو حميدة .

هل يستحقُ دفاعاً؟

  لا يختلف اثنان ممن لديهم أدنى معرفة تاريخية، ويتمتعان بوعي وإنصاف، من أن موجة الانقلاب العقائدي والسياسي للأمة بعد وفاة رسول الله(ص)، التي تنبّأ بها القرآن العظيم في قوله (عزّ شأنه): «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ..» تمثل منعطفاً خطيراً وحساساً، مرَّ بها التاريخ الإسلامي.

 ولو قام باحثٌ متتبعٌ، بتجميع قطع الدومينو المعروضة على الطاولة، فلا مناص من أنه سيتوجس ويرتاب، بأن هنالك دويهية حِيكتْ خيوطها في الدهاليز المظلمة، كشف عنها صعود تيار نفاقي جارف، يمتلك أدوات فاعلة ومختارة بعناية فائقة، وهذا بدوره باشرَ بالمهمة، وأية مهمة؟ مهمة بنخر كيان الأمة من الداخل، وصولاً الى تهديدٍ حقيقي بإجهاض الإنجازات النبوية على مدى عقدين من الزمن.

 تلك الانجازات التي ما كان لها أن تكون واقعاً ملموساً، إلا بمخاضات قاسية عاشها الرسول الاعظم(ص) وأهل بيته، والمؤمنون الصادقون من أصحابه، وتحملوا أعباء ومحن المواجهة المباشرة، مع رؤوس الكفر على كل الجبهات.

 ولنمعن النظر في هذا التيار من خلال شخصيات، تشكل ركائز لهذا المشروع التخريبي المشبوه: فمن رموزه ومعالم حركته: المغيرة بن شعبة.

المغيرة بن شعبة من جملة الشخصيات التي يجد الباحث رغبة في دراسته؛ لما اشتملت عليه من وقفات مهمة على صعيد الحدث التاريخي المتبلور فيما بعد، الى مطارحات عقائدية ملتوية، والى يومنا هذا.

ولعله من نافلة القول، إن الرجل كان رقماً مهماً في المعادلة السياسية التي فرضها تيار النفاق الانقلابي على الساحة الإسلامية، ولاعباً رئيسياً في بلورة المشهد السياسي حتى منتصف القرن الهجري الأول.

عُرف (المغيرة بن شعبة) بأنه بطلٌ لحادثة تاريخية مشهورة، لطخت جبين التراث الإسلامي بفضيحة قاسية من الصعب طمس معالمها ونسيانها.

 هذه الحادثة سببت حرجا شديدا لرموز التيار الانقلابي، ومن ثم لأتباعهم!! حيث تضمنت وقفات ودلالات ومضامين، يمكن للمتتبع أن يقرأ سطورها وما تخفيه من خبايا، وبالتالي يستطيع أن ينتصر لإحدى النظريتين:

إما نظرية (عدالة الصحابة)، وإما نظرية (التقييم القرآني لفعل الصحابة)، وعملاً بقاعدة (منْ فمكَ أُدينك) نتعرف الملامح السيكولوجية والفكرية للمغيرة بن شعبة:

فهذا (البخاري) صاحب الموسوعة الحديثية المشهورة، ينقل قصة غدر المغيرة بأصحابه وقتلهم وسلب أموالهم، والتي نقلها المؤرخ الذهبي المعروف في (سير أعلام النبلاء)، وكيف تعامل معه النبي الأكرم(ص) ومن يريد الاستزادة فليرجع الى الحادثة، التي تبين صفة الغدر والقتل عند هذا الصحابي المزعوم؟

ولقد احتفظ لنا الموروث البلاغي والكلامي لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) بكلمات توثق هذه الصفة المقيتة قائلاً: «وما المغيرة! إنما كان إسلامه لفجرة وغدرة لمطمئنين إليه من قومه، فتك بهم وركبها منهم فهرب فأتى النبي(ص) كالعائذ بالإسلام، والله ما رأى أحد عليه منذ ادعى الإسلام خضوعاً ولا خشوعا».

وشهادةٌ للتاريخ، فإن علماء التراجم والتاريخ من أتباع نظرية عدالة الصحابة، متفقون تماماً على أن المغيرة بن شعبة أول من رشا في الاسلام!!

كما في (تاريخ دمشق) لابن عساكر، و(الإصابة في معرفة الصحابة) لابن الأثير، و(المعارف) لابن قتيبة الدنيوري.

وهنا مثار الاستغراب: شخصية بهذه الإرث السيء من الغدر والقتل والرشوة والفجور، لماذا تنبري للدفاع عنها أبواق منظومة السلطة الى هذا الحد؟

هل المنظومة بحاجة للدفاع عن شخصية محاطة بالموبقات، لا تضر إن ذهبت؟ أو تبرأ القوم منها؟ ولماذا تقف في جانب يستلزم آلية الاعتذار؟ ثم تمتنع عن الاعتراف بالخطأ؟

علماء النفس ربما يملكون جواباً وتحليلاً، بعيداً عن المواقف المسبقة عقدياً أو فكرياً، حتى نفهم الفكرة بلا رتوش.

الطبيب النفسي (غي ونش) ومن خلال مقالة نشرت على صفحات الموقع العلمي (سيكولوجي توداي) ونشر يؤكد: «إن البعض يعترف بخطئه ويعتذر عنه، في حين يشير البعض الآخر إلى خطئه بشكل غير صريح، والبعض يرفض مطلقاً الاعتراف بخطئه رغم وجود أدلة دامغة..».

ويفصّل الطبيب النفسي سلوك (الأنا الهشة) لدى الأفراد الذين لا يعترفون بالخطأ بقوله: «إنهم يشوّهون إدراكهم للواقع؛ كي يجعلوه أقل تهديداً لذاتهم. آليات دفاعهم تحمي أنانيتهم الهشة عن طريق تغيير الحقائق ذاتها في أذهانهم حتى لا يكونوا مخطئين أو مذنبين».

و(الصلابة النفسية) التي يُظهرها هؤلاء ليست علامة على القوة بحسب (الدكتور ونش)، بل هي مؤشر على الضعف، فهؤلاء الناس لا يختارون الوقوف على أرض الواقع من أجل حماية (أنفسهم الهشة).

ونفس الدراسة أجرتها مجلة (رينكون دي لابسيكلوخيا) الإسبانية، ونشرها موقع(عربي21) بتاريخ(17 ديسمبر 2019)، تحدثت فيه عن السبب الذي يدفع الكثير من الأشخاص إلى عدم الاعتراف بأخطائهم، وقالت: «إن الأخطاء بمثابة تهديد عميق بالنسبة لهم. وبالنسبة لهؤلاء الناس، يعدّ الاعتراف بالخطأ بمثابة ضربة قاسية لتقديرهم لذواتهم. كنتيجة لذلك، وضعوا آلية دفاعية تقودهم إلى تشويه الواقع، بحيث يتكيف مع أفكارهم..».

ونرجع الى نفس التساؤل البسيط والعفوي: لماذا تدافع منظومة (السلطة) عن شخصية متهرئة أخلاقيا، ومنبوذة فكريا وعقدياً؟

المسألة بحاجة الى قراءة ما بين الأسطر، وربط المعلومات المتناثرة، بعيداً عن آليات التجاذب والتنافر، لابد من إعادة القراءة بتجرد، لابد من ذلك.

 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=165286
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 02 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16