كانت الساعة تشير إلى الثانية والنصف بعد منتصف الليل,, عندما كنت أتصفح طيات كتاب يفوح من بين سطوره مشاعر تجتاح كياني بعنفوان غريب, بين اليقظة والحلم كنت أصارع النوم فقط؛ كي أكمل ذلك الكتاب بأي ثمن.
في هذه الأثناء, رأيت نورا في نهاية الغرفة يلوح لي بيده اليمنى، أشار إلي أنْ اتبعيني, غلبني القلق، أطرقت برأسي ونبضاتُ قلبي تتصارع، اقترب مني، رفعتُ رأسي وجلة لأرى فتاة حاكت القمرَ جمالاً، لا اعلم لماذا انصاعت أطرافي لها، سرت معها بلا شعور، حطمنا عقاربنا، انتقلنا إلى عالمٍ لا وجودَ لي به.
كانت تعرف أرجاء ذلك المجهول، أخذتني إلى دارٍ علا فيه الصراخ - نعم أظنه دارَها - كانت فيه امرأة تضرب خادمتها؛ لأنها كسرت شيئا ما.
في هذه الأثناء نزلت صبية جميلة، وقفت أمام تلك المرأة لردعها أشارت لي الفتاة: أنظري هذه، أنا منعت تلك المرأة من ضرب الخادمة، ووقفت أمامها قائلة: كفاك يا أمي اتركيها، فليس لدينا الكثير من الوقت, هيا لنتجهز للعرس.
توقفت الأم قائلة: نعم معك حق... فالوقت بات يداهمنا، ولم يبقَ الكثير على موعد العرس. صعدت تلك البراءة إلى عالمها الصغير وعلى وجنتيها لون الزهور, كانت فرحة، سرت خلفها مباشرة، دخلت إلى عالمها البسيط.
سمعتها تقول وملامح وجهها تهلل فرحا: وأخيراً... سأرى صاحبة النضارة والخلق والنور.. تجهزت وهي تُرنم بترتيلة العشق وشوق اللقاء, سرنا في أزقة الانتظار للقاء الطهر.. عندما تسير على الأرض يُقَبِل التراب أقدامها احتراما, وتنحني الزهور خجلا من مقدمها الطاهر, وإذا باللحظة تلك توقف نظام الكون، تعثرت الرياح بأغصان الشجر، كادت الشمس أن تضرب القمر، هدأت الطيور معلنة دخول من كسرت قواعد النور، دخلت بأبهى حلة، ما كانت ترتديه ليس بأنسي بل إعجاز إلهي... تفوح منها رائحة الجنة, حبست أنفاسي من شدة جمال المشهد, شغلني نورها عما حولي.. ثم سجدت ومعها نساء اليهود تباعا أنطقني هول الموقف: بسم الله الرحمن الرحيم (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ) صدق الله العلي العظيم.. وبعد انتهائي سمعت نداء العشق أنْ حيّ على الصلاة حي على الصلاة.. انتبهت من نومي لأجد على صدري كتاب (الزهراء من المهد إلى اللحد).
|