عصر تزدحم فيه الرؤى وتسير به الحياة بشكل سريع لا يمكن معها التوقف لحظة لمطالعة كتاب أو قراءة قصة، لذلك كان لابد من صناع الفنون الأدبية من مواكبة هذا التطور وإيجاد دواءٍ شافٍ لمرض العصر (السرعة)، ووضع حل وبلسم لضيق الوقت، فكانت المقالة هي الوليد الجديد لهذه الفنون الأدبية والحل الأمثل في مثل هذه الظروف الثقافية المعاصرة, لأنها اقل الفنون تعقيدا وأشدها وضوحا وأكثرها استيعابا لشتى المواضيع، كما أنها صفحة للتأملات و المشاهدات تغلب عليها العفوية التي يحملها كاتبها، فهي تعبر عن ذات الكاتب وتلقائيته في عرض الأفكار من خلال منظوره ورؤاه في تفاعله مع الحدث، وأما المكونات التي يعتمدها الكاتب في مقالته فهي مجموعة من العناصر التي تشكل بناءً أدبيا تتجمع داخله الرؤى الموضوعية للحدث، ومن أهم تلك العناصر هي المادة والأسلوب والإستراتيجية المتبعة، ولكل واحد من هذه العناصر خصوصيتها، فالمادة هي مجموعة من الأفكار والحقائق والنظريات والخبرات التي تدور في ذهن الكاتب ليرسمها في مقالته، لذلك يجب أن تتمتع بالمصداقية والعمق والوضوح والتركيز لكي تختصر المسافة لقارئها وتوجز الفائدة في عدة سطور ذات مستوى ثقافي وجمالي يساهم في تطوير المجتمع, وأما الأسلوب فهو الذي يلخص ذاته في صياغة أدبية ولغوية تمتلك من القوة ما يؤثر في المتلقي لتمتعه بجمالها وتعبيراتها دون الخروج عن قالبها الذي تصب في داخله الفكر المراد توضيحيه، لذلك نلاحظ أن الأسلوب يسهم في إحداث القناعة وبناء الموقف لدى القارئ من خلال حيوية الطرح وجزالة اللفظ ودقة الجمل والعبارات والصور ألتشبيهية الرائعة التي يحاول الكاتب أن يشكلها حسب ثقافته وتفكيره، والعنصر الثالث هو الخطة التي تبرز معالم المقالة وتعتمد على مرتكز الموضوع الذي هو الأصل في ما يعرض الكاتب من أفكار، وهي أيضا من يصنع تسلسل الأحداث حسب وتيرتها حتى تصل إلى الخاتمة التي فيها يجد القارئ نتائج العرض وهي الانطباع الأخير للكاتب فيما يريد أن يصل إليه.
|