• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لماذا النجف؟ لماذا السيستاني؟ .
                          • الكاتب : كريم الانصاري .

لماذا النجف؟ لماذا السيستاني؟

لم يكن جدول “حجّ” الحَبر الأعظم للعراق لبلد النبيّ إبراهيم الخليل أبي موسى الكليم وعيسى المسيح ومحمّد الأمين، عليهم صلوات الله أجمعين، وليدَ اللحظة والحين، إنّما جاء بعد استقراءٍ ومطالعاتٍ وتخطيطٍ واستشارات، تعهّدت بمهامّه فرقٌ مختصّةٌ في شتّى المحاور والمجالات.

وافقت المرجعية العليا على استقبال البابا طبق بروتوكولات البيت المتّبعة في هكذا لقاءات.

أشكل البعضُ على جدول زيارة الضيف خلوّه من فقرات، منها: لقاء زعامة المذهب السنّي الدينية.

الرؤية تقول: إثر غياب مصدر تشريع الأحكام الإسلامية عند الإمامية، الحجّة المنتظر أرواحنا فداه، استدعى الحال أن يتولّى نوّابُه العامّون، الفقهاء الذين اجتمعت فيهم شرائط القبول، مهامَّ استنباط الأحكام الشرعية، وهذا الواقع قد أنتج نسقاً معيّناً وهيكلاً منظّماً أدّى إلى بروز محاور وأقطاب وزعامات فقهية دينية على مدى القرون والأعوام، كالصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي والمحقّق والعلّامة والشهيدين والكركي والأردبيلي وبحر العلوم والبهبهاني وكاشف الغطاء وصاحب الجواهر والأنصاري والميرزا الشيرازي واليزدي والسيد أبي الحسن الاصفهاني والنائيني والحائري والبروجردي والحكيم والخوئي والخميني والصدر والخامنئي والسيستاني.

تطوّر هذا النظم العلمي القيادي والنسق الإداري ونما حتى بلغ ما بلغه اليوم من التكامل والنضج والترابط الوثيق بين الأُمّة والمرجع في شتّى القضايا والشؤون، بغضّ النظر عن المبنى الفقهي المعتمد سواء كان الولاية المقيّدة أو المطلقة، وإنّما الميزة الهامّة التي نودّ التمركز حولها هي ميزة استنباط الأحكام الشرعية، تلك التي أتاحت لمدرسة أهل البيت (ع) أن تبلغ الذروة في مضمار الفقه والأُصول.

أمّا المذهب السنّي فقد توقّف – نوعاً – بمحاوره الأربعة المشهورة على فتاوى الشافعي وأحمد ومالك وأبي حنيفة … دون أن يكون للاستنباط دورٌ أساسي في صدور الأحكام الشرعية بعد أُولاء الأقطاب؛ لذا باتت الركيزة الفقهية والقيادة الدينية في المذهب السنّي متشعّبة الأقطاب غير متمحّضةٍ في أعلامٍ ورموزٍ يشار لهم بالزعامة على وجه الاختصاص، فأفرز الحالُ ضبابيةً في تشخيص مركز القيادة الدينية إن صحّ التعبير، ولا مندوحة عن ذلك، فالقضية ليست قضية تقصير وقصور؛ كونها مبنائية الفروع والأُصول، تاريخية الجذور، من هنا فلعلّه بدا من الصعوبة بمكان على أمثال البابا أن يحدّد ماهيّة المرجعية السنّية التي يتحدّث إليها على غرار المرجعية الشيعية الشاخصة.

إلى ذلك: فالسيستاني قد انتقل – باصطلاح الأُصوليّين – من الثبوت إلى الإثبات، من التنظير إلى التطبيق، حين بلور ونفّذ الرؤية والمنهج اللذين يتبّناهما، منطلقاً أوّلاً من عمقه الفقهي – العَقَدي، الزاخر بالقيم الأخلاقية الراقية والمبادئ الإنسانية العالية، ثم ممّا يمتاز به ذاتيّاً من إيمانٍ وحكمة وعلمٍ وفطنة وصبرٍ وثباتٍ وشجاعةٍ وروحٍ تفعم بحبّ الخير والسلام ونبذ العنف والتعسّف والقهر والإرهاب والحصار والاستعباد، فعجن الاثنين في بوتقةٍ واحدةٍ وذبّ عن كلّ المظلومين والمحرومين والمستضعفين، من أيّة قوميّة كانوا أو ملّةٍ وطائفةٍ ودينٍ.

إنّه ليس إمبراطوراً ولا زعيماً سياسيّاً ولا قائداً عسكريّاً، هو إنسانٌ آمن بربّه فزاده الله خيراً كثيراً تمثّل باليد الغيبية التي صنعت منه صمّام أمان الأُمّة والبشرية جمعاء، بلا أيّ سلاحٍ وجنودٍ وعتاد، سوى سلاح الاتّكال على الخالق المتعال.

لوحظ على البابا تأمّله ملامحَ الرجل التسعينيّ السنين وقد بدا عليه الإرهاق وذبول العينين، ولعلّه قرأ بإمعان هموم ومعاناة وجهاد وصدق هذا الزاهد العامل برسالة إله العالمين.

ولعلّه أراد أن يهمس في لبّ السيستاني وحناياه قائلاً: حقّاً أغبطك يا رجل، فلقد كفّيت ووفيت وعلى العهد مضيت، فأنت من صفوة قومٍ خُلِقوا من فاضل طينة الأطايب الأطهار الذين جاورتَ منهم يعسوباً علّمك كيف تجد فينا “نظراءك في الخلق”.

لقد مثّل هذا اللقاء القِمّة الدينية الإسلامية-المسيحية بامتياز.

لا يهمّ أن يُنعَت السيستاني بأنّه مرجع أهل العراق! مرجع شيعة العراق! أو أن يتثاقل إعلام ذاك البلد أو هذا، المسار عن تناقل خبر اللقاء، ناهيك عن أذرع الشرّ والنفاق التي حاولت عاجزةً دكّ اسفين الخلاف بين حوزتي النجف وقم المتناغمتين رغم أنف الأجلاف. كلّ ذلك لا يغيّر من واقع الأمر بلا أدنى إشكال؛ حيث حقائق المكرمات وصادق البركات تلك التي تتأيّد بألطاف السماء وتنمو بعناية بارئ النسمات.
بدلاً من كلّ التجاذبات والاستقطابات التي ترشح من هنا وهناك، ندعو النُّخَب دون أيّة مجاملات إلى تحليل “السيستانية” وأسباب تأثيراتها الإيجابية العالميّة التي فاقت جميع التصوّرات، تحليلاً علمياً منهجياً بعيداً عن التوتّر والحسد والغيض والتعصّبات، يُلحَظ فيه الحفر والفحص والاستقراء والمقارنة وسائر الأدوات ، علّنا نقطف ثمراً ميدانياً يساعدنا على تشخيص الحاجة والخلل، ويساهم في إيجاد الحلول الناجعة بالفعل والعمل 

انتهى اللقاء الذي عُدّ بالإجماع أبرز محطّات “حجّ” البابا لبلاد أبي الأديان، وعاد إلى روما والفاتيكان، وسوف يغدو خبراً من أخبار كان يا ما كان، لكن على الجميع طيّ صفحة التراشقات وتنقية النوايا وتطهير الضمائر والسعي إلى توثيق وشائج الحبّ والسلام بما يرضي الله وإمام الزمان والمراجع العظام والقادة الأعلام والمؤمنين الكرام.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=152926
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 03 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15