• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الطلبُ والرجاءُ بـ(ارزُقْنا فرجَه) .
                          • الكاتب : د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود .

الطلبُ والرجاءُ بـ(ارزُقْنا فرجَه)

 

أَصَحُّ من (عجِّلْ فرجَه): قَدحَةٌ: اللٰهُ سبحانَه لا تجري عليه (العَجَلةُ) ؛ فلا يجوزُ أَن يوصَفَ بأَنَّه (عَجُولٌ) ، ولا يليقُ به أَنْ نأمرَه نحن بالعَجَلةِ طلبًا منا لتحقيقِ مُرادِنا ؛ فهو الحكيمُ بـ﴿إِنَّا كُلَّ شيءٍ خَلقناهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر/٤٩]. أُقدِّمُ للقارئين الموقَّرين هنا ما لا أُلزِمُهم به ، إِنَّما هو استنتاجي التحقيقيُّ المختصُّ الذي أُؤمنُ أَناْ به وأَعرِضُه نشرًا خدمةً علميةً للناسِ ليس إِلَّا. في جانبٍ من الدُّعاءِ إِلى اللٰهِ سبحانَه عندما يرىٰ المسلمُ الأُمورَ تضيقُ عليه هو خاصةً أَو تضيقُ على الناسِ والبلدانِ عامةً فإِنَّه يتوجَّهُ إِلى ربِّه وخالقِه فيقولُ ممَّا يدعو به: ((اللهمَّ عجِّلْ فرجَ إِمامِنا محمدٍ بنِ الحسنِ (عليهِما السلامُ) )). وهذه عبارةٌ ولائيةٌ خالصةٌ يدعو بها المسلمون الشيعةُ خاصةً متوجِّهين بها إِلى اللٰهِ سبحانَه اعتقادًا بأَنَّه المُنقِذُ من الظلمِ المبيرُ الظالمين. وهو اعتقادُنا الصحيحُ الذي نؤمنُ به إِيمانَ دليلٍ وعقلٍ لا عاطفةٍ وجهْلٍ. ولكنني شخصيًّا أَرىٰ أَن نقولَ: (اللهمَّ ارزُقْـنا فرجَه) وهو الصوابُ الصحيحُ عندي ، لا (اللهمَّ عجِّلْ فرجَه) ؛ لأَنَّ الرجاءَ بأَمرِ الفعلِ (*) والطلبَ بـ(ارزُقْنا) ومشتقاتِه يأتي في مواردِ الخيرِ والمدحِ ، أَمَّا الطلبُ (عجِّلْ) فلا يأتي هو ومشتقاتُه كافةً إِلَّا في مواردِ الشرِّ والذمِّ والعذابِ بالدليلِ القرآنيِّ الآتي: (ارزُقْ) ومشتقاتُه: - ﴿وإِذا حضَر القِسمةَ أُولُو القُربىٰ واليتامى والمساكينُ فارزُقوهُم منهُ وقولُوا لهُم قولًا معروفًا﴾ [النساء/٨]. - ﴿قال عيسىٰ بنُ مريمَ اللهمَّ ربَّنا أَنزِل علينا مائدةً من السَّماءِ تكونُ لنا عيدًا لأَولِنا وآخِرِنا وآيةً منكَ وارزُقْـنا وأَنتَ خيرُ الرازقينَ﴾ [المائدة/١١٤]. - ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ مِن عبادِه ويَقدِرُ له وما أَنفقتُم مِن شيءٍ فهو يُخلِفُه وهو خيرُ الرَّازقينَ﴾ [سبأ/٣٩]. وهي مواردُ رجاءٍ وإِخبارٍ ممدوحةٌ محمودةٌ. (عجِّلْ) ومشتقاتُه: - ورد الطلبُ (عَجِّلْ) في موردٍ قرآنيٍّ واحدٍ في قولِه تعالى: ﴿وقالوا رَبَّنا عَجِّل لَّنا قِطَّنا قبلَ يومِ الحِسابِ﴾ [ص/١٦]. - ورد بصيغةِ الماضي في موضعِ (واحدٍ) منسوبًا للٰهِ تعالى بمعنى العطاءِ غيرِ المؤجَّلِ والوعدِ الإِلهيِّ المجابِ للمؤمنين وليس من العَجَلَةِ بمعنى (التسرُّعِ والتسريعِ) في قولِه تعالى: ﴿وعدكمُ اللٰهُ مغانِمَ كثيرةً تأخذونها فَعَجَّلَ لكم هذِهِ وَكَفَّ أَيدِيَ النّاسِ عَنكُم ...﴾ [الفتح/٢٠]. - ورد بصيغةِ الماضي بوزنِ (تَفعَّلَ) في موضعٍ (واحدٍ) فقط فيه إِيحاءٌ بالندمِ من المتصفِ به من حجيجِ بيتِ اللٰهِ هو قولُه تعالى: ﴿واذكرُوا اللٰهَ في أَيَّامٍ معدوداتٍ فمَنْ تَعَجَّلَ في يومَين فلا إِثمَ عليه ...﴾ [البقرة/٢٠٣] ؛ فيستدعي خلافَه الأَفضلَ منه. - ورد الفعلُ الماضي (استعجَلَ) في موردٍ قرآنيٍّ واحدٍ في قولِه تعالى: ﴿فلمَّا رأَوهُ عارِضًا مستقبِلَ أَوديَتِهم قالوا هذا عارضٌ مُمطرُنا بل هو ما استَعجَلتُم به ريحٌ فيها عذابٌ أَليمٌ﴾ [الأحقاف/٢٤]. - ورد الفعلُ (عجَّل) بوزنِ (فعَّل) الذي يدُلُّ على التدرُّجِ والمراحلِ في تحقيقِ الحدَثِ (مرةً واحدةً) منسوبًا إِلى ربِّ العزةِ سبحانَه مرتبطًا بمشيئتِه وإِرادتِه هو فقط ؛ ليكونَ وقوعُه عذابًا على طالبي تلكَ العَجَلَةِ في قولِه تعالى: ﴿مَنْ كانَ يُريدُ العاجِلَةَ عَجَّلنا لَهُ فيها ما نَشاءُ لِمَن نُريدُ ثُمَّ جَعَلنا له جهنَّمَ يَصلاها مَذمومًا مَدحورًا﴾ [الإسراء/١٨]. - ورد المصدرُ (عَجَل) و(استعجال) في موردٍ قرآنيٍّ واحدٍ لكلٍّ منهما في قولِه تعالى: ﴿خُلِقَ الإِنسانُ مِن عَجَلٍ ﴾ [الأنبياء/٣٧] ، وقولِه سبحانَه: ﴿ولو يُعَجِّلُ اللٰهُ لِلنَّاسِ الشرَّ استِعجالَهُم بِالخَيرِ لَقُضِيَ إِلَيهِم أَجَلُهُم ...﴾ [يونس/١١]. - ورد الوصفُ (عَجُولًا) للإِنسانِ في موردٍ قرآنيٍّ واحدٍ في قولِه تعالى: ﴿ويَدْعُ الإِنسانُ بِالشرِّ دُعاءَهُ بالخيرِ وكانَ الإِنسانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء/١١]. - ورد الفعلُ (عجَّل) بوزنِ (فعَّل) الذي يدُلُّ على التدرُّجِ والمراحلِ في تحقيقِ الحدَثِ (مرةً واحدةً) منسوبًا إِلى ربِّ العزةِ سبحانَه مرتبطًا بمشيئتِه وإِرادتِه هو فقط ؛ ليكونَ وقوعُه عذابًا على طالبي تلكَ العَجَلَةِ في قولِه تعالى: ﴿مَنْ كانَ يُريدُ العاجِلَةَ عَجَّلنا لَهُ فيها ما نَشاءُ لِمَن نُريدُ ثُمَّ جَعَلنا له جهنَّمَ يَصلاها مَذمومًا مَدحورًا﴾ [الإسراء/١٨]. - ورد بصيغةِ المضارعِ منسوبًا للٰهِ تعالى منفيًّا ضمنًا بـ(لو) في قولِه تعالى: ﴿ولو يُعَجِّلُ اللٰهُ للنَّاسِ الشَّرَّ استِعجالَهُم بِالخَيرِ لَقُضِيَ إِلَيهِم أَجَلُهُم ...﴾ [يونس/١١] ؛ فهو غيرُ وافعٍ منه تعالى. - ورد بصيغةِ المضارعِ في سياقِ نهيٍ وقد خُوطِب به النبيُّ محمدٌ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) مسبوقًا هو أَو جملتُه بـ(لا) الناهيةِ دَلالةَ على لزومِ ترْكِ ما يُنهَى عنه في (٣/ ثلاثةِ) مواردَ قرآنيةٍ منها قولُه تعالى: ﴿فلا تَعجَل عليهم إِنَّما نَعُدُّ لهم عَدًّا﴾ [مريم/٨٤] ، وقولُه تعالى: ﴿لا تُحَرِّكْ به لسانَكَ لِتعجَلَ به﴾ [القيامة/١٦]. - ورد الفعلانِ (تَستَعجلون) ، و(يَستَعجِلونَ) في (١٤/ أَربعةَ عشرَ) موضعًا قرآنيًّا بواقعِ (٧/ سبعةِ مواردَ) لكلٍّ منهما نحوَ قولِه تعالى: ﴿ذُوقوا فتنتَكُم هذَا الذي كُنتُم به تَستَعجِلونَ﴾ [الذاريات/١٤] ، وقولِه تعالى: ﴿أَفبعذابِنا يَستَعجِلونَ﴾ [الشعراء/٢٠٤]. - ورد الوصفُ (العاجلةُ) للدنيا في (٣/ ثلاثةِ مواردَ) قرآنيةٍ منها قولُه تعالى: ﴿إِنَّ هؤُلاءِ يُحبُّونَ العاجلةَ ويذَرونَ وراءَهُم يومًا ثقيلًا﴾ [الإنسان/٢٧]. - ورد نصَّان قرآنيان يتضمنانِ (العَجَلَةَ) في موضعَين منسوبةً إِلى النبيِّ موسى (عليهِ السلامُ) بصيغةِ الفعلِ الماضي وهما مختصَّان به (عليهِ السلامُ) وليس باللٰهِ تعالى. وهو فعلٌ ممدوحٌ ومحمودٌ له (عليهِ السلامُ) وليس مذمومًا لأَنه يُريدُ الإِخبارَ بأَنه سبق قومَه ونافسهم بسرعةِ وصولِه إِلى ميعادِ ربِّه رضًا له ﴿قال هُم أُولاءِ على أَثَري وعَجِلتُ إِليكَ رَبِّ لِتَرضىٰ﴾ [طه/٨٤] بعد أَن سُئِل (عليهِ السلامُ): ﴿وما أَعجَلَكَ عَن قَومِكَ يا موسى﴾ [طه/٨٣]. إِذًا لا يوجدُ نصٌّ قرآنيٌّ يُشرِّعُ جوازَ (العَجَلَةِ) على اللٰهِ سبحانَه ، أَو جوازَ دعائِه بـ(العَجَلَةِ) بصيغةِ الطلبِ بالأَمرِ. وكلُّ ما جاء فيه (التعجُّلُ) في القرآنِ بصِيغِه المتنوعةِ فهو في مواردِ النهيِ ، ولزومِ الترْكِ ، والنفيِ ، والذمِّ ، والعذابِ. واللٰهُ أَعلمُ. اللهُـمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ كما صلَّيتَ على إِبراهيمَ وآلِ إِبراهيمَ في العالَمين ، وارزُقْنا فرجَ إِمامِنا المنتظَرِ (عليهِ السلامُ) لِيملأَ الأَرضَ قِسطًا وعَدلًا بأَمرِكَ بعد أن مُلِئت ظُلمًا وجَورًا بفسادِ الناسِ ؛ إِنَّكَ حميدٌ مجيدٌ. —————— (*) وليس (فعل الأَمر) كما هو شائعٌ.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=152227
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 02 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15