بسم الله الرحمن الرحيم
رحمة إبراهيم عليه السلام
نعرض لحديثٍ صحيحٍ عن النبي (ص) عن جبرائيل (ع) الذي كان شاهداً على قضيةٍ من أولها إلى آخرها.. حيث كان فيها وشَرَحَها للنبي (ص)..
ولكن نذكر مقدمة لنصل إلى ذي المقدمة..
أما المقدمة:
فإن اللائق للإمامة هو الذي يكون محلّ رحمة ورأفة الله تعالى للخلق، لأن أحد الأسماء الإلهية التي ذُكرت في البسملة بعد (الله) اسم الذات الحاوي لجميع صفات الجمال والجلال والكمال (الرحمن الرحيم)..
(إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم، آمناً من معصيتهم) (نهج البلاغة ج2 ص160)
فينبغي أن تظهر تلك الرحمة التي وسعت كل شيء في إمام الأمة.. لذا تشير هذه الرواية إلى رحمة إبراهيم لخلق الله تعالى، وكيف كانت بالنسبة لنفسه.. وكل منهما في رواية صحيحة.. الأولى في كمال الدين ص140:
حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وكلاهما من أركان الفقه والحديث، فالصدوق ينقل عن أبيه ابن بابويه، وعن شيخ المشايخ ابن الوليد، وهذان ينقلان أيضاً عن آخرين من أركان الفقه والحديث.
قَالا: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى: وهو من وجوه الطائفة وأعيان المذهب.
عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ: وهو أعلى من التوثيق والتوصيف.
عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ: وهو أيضاً موثق بتوثيق مثل النجاشي.
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ: وهو من حواريي الإمام علي بن الحسين (ع)، ومثل هذا السند في الأحاديث في نهاية الندرة.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَال: خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ (ع) ذَاتَ يَوْمٍ يَسِيرُ فِي الْبِلَادِ لِيَعْتَبِرَ، فَمَرَّ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ ،فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ يُصَلِّي قَدْ قَطَعَ إِلَى السَّمَاءِ صَوْتَهُ، وَ لِبَاسُهُ شَعَرٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ ع فَعَجِبَ مِنْهُ، وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ فَرَاغَهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَرَّكَهُ بِيَدِهِ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ لِي حَاجَةً فَخَفِّفْ.
قَالَ: فَخَفَّفَ الرَّجُلُ وَجَلَسَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ع: لِمَنْ تُصَلِّي؟
فَقَالَ: لِإِلَهِ إِبْرَاهِيمَ.
فَقَالَ: وَمَنْ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ؟
قَالَ: الَّذِي خَلَقَكَ وَخَلَقَنِي..
ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ لِإِبْرَاهِيمَ: لَكَ حَاجَةٌ؟
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: نَعَمْ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: وَمَا هِيَ؟
قَالَ لَهُ: تَدْعُو اللَّهَ وَأُؤَمِّنُ أَنَا عَلَى دُعَائِكَ، أَوْ أَدْعُو أَنَا وَتُؤَمِّنُ أَنْتَ عَلَى دُعَائِي.
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: وَ فِيمَ نَدْعُو اللَّهَ؟
فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: لِلْمُذْنِبِينَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا.
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَلِمَ؟
فَقَالَ: لِأَنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ بِدَعْوَةٍ لَمْ أَرَ إِجَابَتَهَا إِلَى السَّاعَةِ، وَأَنَا أَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَدْعُوَهُ بِدَعْوَةٍ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَجَابَنِي.
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَفِيمَا دَعَوْتَهُ؟
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: .. دَعَوْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُرِيَنِي خَلِيلَهُ.
فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ع: فَأَنَا إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ وَذَلِكَ الْغُلَامُ ابْنِي.
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ عِنْدَ ذَلِكَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي أَجَابَ دَعْوَتِي.
قَالَ: ثُمَّ قَبَّلَ الرَّجُلُ صَفْحَتَيْ وَجْهِ إِبْرَاهِيمَ وَعَانَقَهُ ثُمَّ قَالَ الْآنَ فَنَعَمْ، وَ ادْعُ حَتَّى أُؤَمِّنَ عَلَى دُعَائِكَ، فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ ع لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْمُذْنِبِينَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا عَنْهُمْ، قَالَ: وَأَمَّنَ الرَّجُلُ عَلَى دُعَائِهِ.
ما هو هذا الدعاء الذي دعا به إبراهيم؟ هنا يتضح كيف ينبغي أن يكون الشخص اللائق لمنصب الإمامة بالنسبة لمساكين العالم وهو مظهر رحمة الله، حيث دعا لهم بالمغفرة أولاً، ورضا الله ثانياً.. للعاصين من أهل الإيمان.
وفي آخر الحديث يقول الإمام أبو جعفر عليه السلام: فَدَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ بَالِغَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُذْنِبِينَ مِنْ شِيعَتِنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وهنا ينبغي فهم الحديث ومعرفة إبراهيم ومن هو اللائق للإمامة.. هذا هو موقف إبراهيم من المذنبين المؤمنين.. هذا مظهر رحمة الله تعالى..
أما رحمته لنفسه.. فالمرجع أيضاً هو النص المعتبر..
فعَنِ ابْنِ بَابَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ ،عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ: ورجال الحديث من الأعاظم وأعيان الثقات.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع: قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنِ النَّبِيِّ (ص) عَنْ جَبْرَئِيلَ ع قَالَ:
لَمَّا أَخَذَ نُمْرُودُ إِبْرَاهِيمَ ع لِيُلْقِيَهُ فِي النَّارِ قُلْتُ: يَا رَبِّ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ لَيْسَ فِي أَرْضِكَ أَحَدٌ يَعْبُدُكَ غَيْرُهُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هُوَ عَبْدِي آخُذُهُ إِذَا شِئْتُ.
وَلَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ ع: والمتحدث هنا هو جبرائيل وهو يخبر النبي (ص).
فِي النَّارِ: ماذا كانت النار؟ في سورة الصافات: (فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) كانت جحيماً وليست ناراً.. فلم يبق أحد من نمرود إلى العجزة إلا جمع حطباً لإحراقه تقرباً إلى آلهتهم.. وضعوه على المنجنيق..
تَلَقَّاهُ جَبْرَئِيلُ ع فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ يَهْوِي إِلَى النَّارِ فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَ لَكَ حَاجَةٌ؟
فَقَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا ! (قصص الأنبياء للراوندي ص105)
هنا يجب التفكر.. ذلك المستغرق في محبة الخلق هناك.. غافلٌ عن نفسه هنا.. فانٍ في الله.. منقطعٌ عن خلق الله..
أين الفخر الرازي ليفهم من هو اللائق للإمامة؟
هذا هو بنص القرآن أم أبو بكر الذي قضى عمراً في عبادة الأصنام؟
أم عمر الذي عبد الأصنام وشرب الخمر؟
هذا أم ذاك ؟
وفي رواية أخرى عن الصدوق أيضاً في الأمالي وعيون أخبار الرضا عليه السلام:
فَأَهْبَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهَا خَاتَماً فِيهِ سِتَّةُ أَحْرُفٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ، أَسْنَدْتُ ظَهْرِي إِلَى اللَّهِ، حَسْبِيَ اللَّهُ. (الأمالي للصدوق ص458)
وفي ترتيب الأحرف ما فيه من المعرفة، وقد خُتمت كل الأحرف باسم الله بترتيب خاص.. ما معنى ذلك؟
من قال (لا إله إلا الله) لا يمكن إلا أن ينتهي إلى (حَسْبِيَ الله)
عند ذلك (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)
ثلاثة أيام لم تؤثر فيه أي حرارة.. صارت جهنم جنة على إبراهيم.. برداً وسلاماً..
هاتان كلمتان من عشرة: الامتحان في نفسه، والامتحان في زوجته وأبنائه، وبقيت ثمانية كلمات..
وبعد ان امتُحن بالعشرة.. ونجح فيها .. قال الله تعالى (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)..
هذه هي الإمامة..
والحمد لله رب العالمين
|