• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حين تبكي المنابر في زمن كورونا .
                          • الكاتب : سامية بن يحي .

حين تبكي المنابر في زمن كورونا

جاءت أزمة كورونا لتفرض على العالم الإسلامي لأول مرة  في التاريخ الحديث واقعا استثنائيا من قبل لم يشهد له مثيلا، كيف لا وإجراءات الحجر الصحي والعزل وغلق المساجد قد ألقت بظلالها على المشاهد، والشعائر التي لن تطبع أيام وليالي رمضان هذه السنة، فنحن نعلم أن رمضان له نكهة خاصة على الصعيد الإيماني الفردي والجماعي والاقتصادي والثقافي، ولا نختلف في الرأي على أنه مناسبة للتعبد، و فرصة لتلاقي أفراد  الأسرة والأحبة حول مائدة الإفطار تعبيرا عن مظاهر التآزر والتضامن، وهو فرصة أيضا للتكافل الإجتماعي و تنشيط عمليات التجارة، لكننا اليوم لن نبالغ إن قلنا أن رمضان 2020 أكثر رمضان محزن يشهده المسلمون في أنحاء المعمورة، وأن المنابر تكاد يسمع لها نشيج البكاء وهي لا تصدح بالتلاوات القرآنية، وكأن أفئدة الصائمين تنفطر  كلما سمعت عبارة صلوا في بيوتكم.

 فمن منا لم يعد العدة لشعائر وطقوس رمضان؟ من منا لم تساوره أمنية شد الرحال إلى مكة لتنسم عبق روحي يزيل كل أدران التقصير ،والنهم الدنيوي عسانا نظفر بأجر حجة مع النبي عليه الصلاة والسلام؟ من منا لم يشتاق إلى نفحات صلاة التراويح وقيام الليل، وخطب الجمعة التي حضر لها الأئمة  -بالتأكيد لن تكون باردة كما كانت في غير رمضان-  لتلهب القلوب والعقول، وتخرج كل مكنونات الأنفس الخيرة الطيبة البريئة، فهي جبلت على الفطرة التي اضمحلت حينا من الزمن  وغشاها ماغشى من براثين الأنانية والحسد والبغضاء والقسوة؟ أين فرحة الفقراء والأيتام والمساكين والمشردين، و كل من كتبت، أو فرضت عليهم شقوة الحياة، وهم يترصدون بشغف فيه كل الحياء ماستحمله لهم موائد الإفطار في دور الرحمة من لذة تسد رمق جوع وعطش احدى عشر شهرا ؟ أين تنافس النساء في إعداد موائد الإفطار للصائمين المدعوين من الأهل والأصدقاء، والتباهي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشعار المقولة الجزائرية المشهورة " وصفاتي  لعرضة الليلة"  ونحن نوشك أن نعلق لافتة في مقدمة الأبواب أننا في زمن كورنا لا نريد زيارات، ولا عناق ولا مصافحة؟  كيف جعلنا فيروس مجهري لا يرى بالعين المجردة أن نجسد مقولة " لكم بيتكم ولنا بيتنا"؟ أين السهرات والحكايا التي ترفق بأشهى التحليات والحلويات حتى وقت السحور؟ وأين وأين .....؟

لقد بات واضحا بما لايدع مجالا للشك أن أزمة كورونا كشفت عن  كل عوراتنا العرجاء التي اعترتنا طيلة السنوات الماضية وعن انتهازيتنا المقيتة حين جحدنا النعم، وسورت لنا أنفسنا جبلها على الترف الاقتصادي والتكنولوجي الذي صاحب عصرنا فضاعت منا  الخرافة، وصفعنا واقع الفيروس علنا نعي الدرس جيدا، فنستحضر - ونحن قابعين بمنازلنا نتجرع الحسرات عن مآل العبادات الرمضانية، وساحات المساجد المغلقة في وجوهنا وضياع اللذات-  مشاهد الظلم والقهر التي عجت بها بلادنا العربية والمسلمة، حين لذنا بالصمت عنها وباركناها تحت الموائد الفاخرة، والصفقات الجائرة دونما حق لا لشيء إلا لإرضاء شهوة السلطة والمال.

 نعم علينا أن نعيد النظر في انسانيتنا المشوهة حين تنصلت من واجب نصر المظلوم وإعلاء كلمة الحق ودرء الفساد، علينا احياء الأحاسيس، ونحن نغتر بوصفنا مسلمين اتجاه اخواننا في اليمن والعراق وأفغانستان وفلسطين وليبيا، ولبنان، وبورما، متى نفقه أننا أمة واحدة اذا اشتكى فيها عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى؟ بئس الجيل ونحن نخط تاريخا قاتما مخجلا عن وجودنا في حضارة غربية مادية توشك على الأفول تكرم فيها البهائم، وتهان فيها الانسانية لم يكن دورنا فيها إلا الإتباع،و تقفي الأثر  حتى اتبعنا سننهم شبرا شبرا وذراعا بذراع، وإن سلكوا جحر ضب سلكناه كما أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام قبل أربعة عشر  قرن في حديثه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ آلْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ"فَمَنْ؟".[البخارى..ك..الاعتصام.. ومسلم ..ك..العلم.. باب اتباع سنن اليهود والنصارى.

أخيرا كم هو مؤلم وأنا أختم  لكم هذه الأسطر لأزفها لوحة بشرية تشكو غياب ألوان الفسيفساء الرمضانية التي ما زاغ عنها البصر  كل عام لكنها اليوم حين رجع اليها البصر كرتين  تراءى له الفطور وانقلب خاسئا وهو حسير.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=143989
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 04 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15