" أيُّهَا الْخَلْقُ الْمُطِيعُ الدَّائِبُ السَّرِيعُ الْمُتَرَدِّدُ فِي مَنَازِلِ التَّقْدِيْرِ، الْمُتَصَرِّف ُ فِي فَلَكِ التَّدْبِيرِ، .."
مع قرب احتدام الجدال والمراء بشأن " الخلق المطيع الدائب السريع .. " اود ان الوذ بالصمت نائيا عن ضوضاء مقالات حجم الهلال وارتفاعه ومدة بقائه وابن كم من الليالي ، وتبادل السخرية في تأخر اعلان العيد عندنا ودفع الكفارة عندهم وتبجح البعض بضرورة توحيد عيد المسلمين ولعنه اﻻمة التي صامت عيدها ، وسأنزوي لاوضح بعض امور اظن ان لله فيها رضا :
اﻻمر اﻻول :
الهروب من الصوم يوم الشك :
البعض يحتاط يوم الشك بالسفر الى المسافة الشرعية ويتناول المفطر في السفر ثم يرجع الى المنزل ، وهذا اﻻحتياط في غير محله لانه تكلف في امتثال اﻻحكام الشرعية وهو اشبه بكثرة الشك او الوسواس في امتثالها ، وان حكم يوم الشك واضح وبسيط وهو استصحاب البقاء على الصيام مع عدم ثبوت الرؤية الشرعية للهلال ، باﻻضافة ان كيفية اﻻحتياط الذي يقوم به الكثير غير صحيحة على اطلاقها ولتحقيق المطلوب : لابد من السفر والوصول الى حد الترخص ليلا - قبل حلول الفجر - ثم تناول المفطر بعد تجاوز حد الترخص وحلول الفجر ثم العودة الى المنزل - ان شاء ذلك - لأنه يشترط في صحة الصوم النية في اﻻمساك عن المفطرات واستمرارها من الفجر الى الليل ، فإذا سافر من منزله بعد الفجر لم يجز له اﻻفطار الا بعد تجاوز حد الترخص وعلى ذلك يكون في هذه المسافة والوقت من النهار صائماً وهذا مخالف لما بنى عليه من اﻻحتياط لترك المحذور وهو تجنب الصوم لحرمته وجواز اﻻفطار للرخصة فيه في السفر ، لذا - ان كان بنائه اﻻحتياط - فلابد له من السفر والوصول الى حد الترخص قبل حلول الفجر .
اﻻمر الثاني :
حددت رسائل العلماء العملية موارد ثبوت الرؤية الشرعية للهلال ومنها : يثبت الهلال بالعلم الحاصل من الرؤية او التواتر وبالبينة وهي شهادة العدلين .. وﻻ يثبت بشهادة النساء وﻻ بشهادة العدل الواحد ولو مع اليمين .. واما ثبوته بحكم الحاكم الشرعي - الذي ﻻ يعلم خطأه او خطأ مستنده - ففيه اشكال بل منع .
ولو امعنت في الفقرة الاخيرة فلك ان تتسائل عن ايكال موضوع الحكم بثبوت الرؤية لمراجع الدين ، والحال ان المرجع الديني اريد له ان يقحم في هذه المسؤلية على انها لم تكن من مسؤليات المعصوم ( ع ) زمن الحضور لتكون من مسؤليات الحاكم الشرعي زمن الغيبة وهي انما تسربت بالعدوى من العامة حيث اوكل السلطان امر الحكم بثبوت الرؤية الى القضاة وغالباً ما كان اﻻمر - بثبوت العيد - مأخوذا من السلطان لاغراض ومآرب سياسية محورها مخالفة مذهب اهل البيت ع وكشف اتباعهم في عدم اﻻعتراف بعيد السلطة .
اما ما نحن عليه اليوم من الرجوع الى المراجع الدينية فاﻻمر مختلف وهو امر راجح خصوصا مع اﻻطمئنان بتثبت المرجع في المسألة وانك ائتمنته على جميع المسائل الشرعية فأنت مطمئن لتثبته في هذه المسألة وقد يساء الفهم وتختلط اﻻمور لدى الكثير في وقوع التناقض بين عدم ثبوت الهﻻل بحكم الحاكم وبين اﻻذعان لبيانه حول ثبوت رؤية الهلال او عدم ثبوتها والحال انه لم يكن مستند ثبوت الرؤية هو حكم الحاكم بل المستند هو الثبوت لديه باحدى موارد الثبوت ، وقد يشكل ايضا بأن المرجع قد يعتمد البينة وهي شهادة العدلين الشاهدين بالرؤية وهذا يقتضي الثبوت لديه ﻻ لدى غيره لان غيره لم يشهد عنده احد وانما نقلت اليه الشهادة والحال ان المرجع لم ينقل الشهادة بل نقل خبر الثقة وخبر الثقة معتبر شرعا فلاحظ .
اﻻمر الثالث :
ان مسألة ثبوت الرؤية وطرقها هي مسألة خلافية يكون الضابط فيها رجوع كل مقلد الى العالم الواجب تقليده بحجة شرعية ، وبعيداً عن تفرعات المسألة واختلافاتها يمكن حصر الاختلاف العام والمحوري في مسألة تعدد اﻻفاق او اتحادها فالمبنى اﻻول هو : كفاية رؤية الهلال في بلد في ثبوته في بقية البلدان المشتركة معه ولو بجزء من الليل وهو ما يذهب اليه السيد الخوئي وجملة من العلماء ، اما الثاني : فهو عدم ثبوت الرؤية اﻻ في البلد او البلدان القريبة منه والتي تشترك معه في افق واحد وهو ما يذهب اليه السيد السيستاني ولا معضلة في ذلك ولا ضير فكل يعمل بحسب تكليفه الشرعي المستند الى تقليده ، -- ومسألة البقاء على تقليد الميت وفروعها ليس لها محل اﻻن - ، اما مسألة الاختلاف في التكليف وهل يعقل ان يصل الاختلاف حتى في اﻻسرة الواحدة فترى العيد يثبت للابوين المقلدين للسيد الخوئي - مثلا - وهما مفطرين بينما اوﻻدهم صائمون لعدم ثبوته لديهم لانهم مقلدون للسيد السيستاني ، فهذا طبيعي جدا لتوجه الخطاب بالتكليف لكل مكلف بتكليفه ، ومن امثلته - ايضا - : اﻻم لا يتوجه لها الخطاب بالصوم او الصلاة لانها حائض بينما البنت صائمة لانها على طهر ، ومثال اخر : ان يسافر اﻻب واﻻبن معا وينوي احدهما اﻻقامة في بلد عشرة ايام واﻻخر تسعة فيتوجه الخطاب بالصوم واتمام الصلاة للاول واﻻفطار والقصر للثاني ، وربما كان الجد شيخا يطيق الصوم والجدة غير ذلك فيتوجه الخطاب له بالافطار والفدية ولها بالصوم ، ولربما وصل اﻻخوين من سفرهما قبل الزوال وقد تناول احدهما المفطر في السفر وامسك اﻻخر فعلى اﻻول القضاء وعلى الثاني تجديد النية بالصوم ، وكما ان الصلاة مشروطة بدخول الوقت وان عموم المسلمين مختلفين في اوقات امتثالهم للصلاة لاختلاف افاق بلدانهم كذلك يختلف وقت امتثالهم لوجوب الصوم او وجوب الافطار لاختلاف افاق بلدانهم فتأمل .
|