ْاتذكَّرُ جيدا زمان الوصل في كلية الآداب بجامعة بغداد ، كان احد اصدقائي يردد عبارة " لك روح عَجْمي " كلما اراد ان يسخرَ من احد ، ولم تألف اذني هذه العبارة الجارحة رغم انني كنت اسمعها يوميا منه عدة مرات في الجد والهزل، حتى اصبحت ملازمة له او ما يسمى بالـ "تريد مارك" . ولحسن حظ كلية الاداب التي كانت تعج بالعباقرة اساتذة وطلابا، ان تلك العلامة التجارية ظلت محصورة بصديقنا وظل يستخدمها الى ان فرّقتنا الحرب العراقية - الايرانية طرائق قددا فوق وتحت التراب. وعندما كبُرتْ بنا الايام وراحت الامراض المجتمعية تُسفر عن وجهها الدميم امامَنا ،اكتشفتُ ان زميلنا - رحمه الله حيا وميتا - كان قطرة في بحر تيارٍ جارفٍ من العنصرية وعلامتُه التجارية لم تكن بدعا من بدع التصنيف النمطي. فشيعة العراق في نظر "اخوانهم" السنة هم عَجَمٌ صفويون أو"معيد" جاؤوا مع الجاموس الهندي، وهم بالنتيجة لا يمتّون للحضارة بادنى صلة . اما سنّتُهُ فهم في نظر الشيعة اتراك أوقوقاز أو شركس ميؤوس من وطنيتهم كما يئس الكفار من اصحاب القبور، وهم ان صعدوا وان نزلوا ظَلَمَةٌ و مغتصبو سلطة منذ القرن الهجري الاول . وغاية ما في الامر ان "شِيناً" يخاطب "سِيناً" بالاخ مع ابتسامة صفراء مفتعلة . وسين يفعل الشيء ذاته مع شين ، وما يضمر الطرفان تحت الجلد ينفرط عِقده في أقرب فرصة تحين لتصفية الحسابات. واذا ما حبس الشينيون والسينيون مشاعرهم الحقيقية فان الامر لا يعدو كونه التزاما بقواعد الكياسة والاتيكيت. هذا ما يحدث في ابناء الديانة الواحدة ، اما الحديث عن المشاعر ازاء ابناء الديانات الاخرى - وهم المؤسسون - والقوميات غير العربية ففيه ما يُشيب الرضعان. اقول هذا وانا اعيش في بلد فاز علماؤه هذا العام باكثر من خمس جوائز نوبل وهو امر يكاد يتكرر في كل عام ،ولهذا فان اجهزة الاعلام في هذا البلد لا تتناقل الخبر باعتباره حدثاً مهماً، ولعل هذه الاجهزة تعطي مساحة اخبارية لاي جريمةِ قتلٍ اكثر مما تمنحه للفائزين بأرقى جائزة عالمية . واترك للقارىء الكريم متعة التحقق من الموطن الاصلي لهؤلاء الفائزين بالجائزة ، حيث سيجد ان جميعهم وافدون على هذا البلد الكبير الذي يمثل مختبرا كبيرا متاحا لِطَيفٍ واسع من العلماء ليس احمد زويل المصري اولهم ولا آخرهم. ومثلما يجلب الوافدون لهذا البلد جوائز نوبل، فان الكثير من مواطنيهم اما يملأون السجون او ممن تعوذ بهم من الارض السماء، لكني لم اجد من يعمم فيطمغ الجميع بختم نمطي واحد. أزمتُنا الوطنية ان كل فئة في العراق تعتبر نفسها المواطن الشرعي وبالنتيجة تعتبر الاخر دخيلا مطعونا في وطنيته، و في احسن الاحوال ضيفا غير مرغوب به في البلد ، حتى وان امضى زهرة عمره في العراق متعلما ومعلما. ولنا في سماحة السيد السيستاني مثلٌ صارخ على هذه الاعتبارات العنصرية التي جعلتنا في "مؤخرة" الشعوب . فالرجل امضى اكثر من خمسة عقود في العراق ويتحدث العربية الفصحى والعراقية افضل من ملايين العراقيين ولا يخفى على احد اسهامه العظيم في انتشال العراق من مستنقع الطائفية البغيض. ولم يستطع احد من شانئيه حتى الان ان يلحق بسماحته تهمة مخلة واحدة - ولو باطلة - لانه اغلق بحكمته الرفيعة هذا الباب من خلال مواقف وطنية تبناها باصرار في كل تحركه المتوازن الذي شهد به القاصي قبل الداني. ما يملأ الحلق شجى والعين قذى ان ياتي تيار من الجهلة ليتهم السيد بالتبعية لطهران ولولاية الفقيه ولانه "عَجْمي" فان اقامته في العراق غير شرعية!!! ولا شك فان في نظر هؤلاء الموتورين فان اي عربي عراقي وان كان من فصيلة صدام التكريتي هو اكثر فائدة للعراق من السيد الذي لا يستحق من وجهة نظرهم حتى عبارة "دروح عَجمي" تلك العلامة التجارية المسجلة باسم زميلنا في كلية الاداب رحمهما الله |