اسماء كثيرة أطلقت على هذه البقعة من وادي الرافدين (كربلاء) ومهما قيل عن اسباب تسمية هذه البقعة بـهذا الاسم إلا أنها لا زالت تستوعب الكثير من الأسماء على مرّ العصور، لأن لكل عصر أدواته ورجاله وأحداثه التي نستنبط منها التسميات. ومتابعة صغيرة تُثبت لنا أن كربلاء على طول مسيرة التاريخ رأت احداث جسام انطلقت منها تسميات لهذه البقعة. ولكن كل ما قيل عن سر او سبب التسمية فلا زال هناك المزيد الذي تكشف عنه الاقلام وأنا كباحث كثيرا ما اجول في الكتب الغريبة والمملة والمتروكة فأجد فيها كنوز دفينة . وكثيرا ما أقف عند بعض الأحداث والروايات واتسائل باستغراب لماذا بقيت هذه الرواية نائمة في بطون الكتب مئآت السنين هل هي الغفلة او التغافل المتعمد طمسا لحقيقة معينة.
ففي تفسير قوله تعالى : (فحملتهُ فانتبذت به مكانا قصيا). اتفق السنة والشيعة في روايات مختلفة قالوا : خرجت من دمشق حتى أتت كربلاء. ويزيد الشيعة عليه : فوضعته في موضع قبر الحسين(ع). (1)
فقد قيل عن كربلاء انها الطف او الطفوف ، نينوى .النواويس .الغاضرية .عمورا
ارض بابل .شاطئ الفرات .ارض العراق .ظهر الكوفة .الحائر.ولكن لعل اشهرها هو اسم كربلاء الذي قيل عنه : بأن معنى كربلاء هو معناها مصلى الإله ، وقيل هي كور بابل اي قرى بابل.قال الأديب اللغوي انستاس الكرملي : كربلاء منحوتة من كلمتين من (كرب) و(إل) أي حرم اللـه أو مقدس اللـه. وذهب آخرون إلى اسباب التسمية فذكروا اشياء كثيرة يجدها القارئ في الكتب التي تحدثت عن كربلاء.
صحيح ان التسمية موغلة في التاريخ إلا ان علماء اليهود اشاروا إلى ان إسم كربلاء ارتبط بصورة غير مباشر بولادة السيد المسيح كما نرى في رواية وهب بن منبه الذي قيل عنه أنه من اصول يهودية وعالم بكتبهم (2) رواية وهب التي اهملها المفسرون واخفوها طيلة قرون وردت عن وهب وهو عالم كبير بالكتاب المقدس وله روايات كثيرة تتحدث عن تراث الكتاب المقدس (3) اسلم بإسلام ابيه واشتهر برواياته فقد اشار وهب اشارة غامضة ربط فيها بين مريم وولادة السيد المسيح عليهما السلام وتسمية كربلاء بهذا الإسم وهذه الرواية ذكرها جمهور اهل السنة إما في غفلة منهم او تثبيتا لرواية تؤسس لواقع تاريخي.
فماذا ورد في هذه الرواية : يقول وهب بن منبه في تفسير قوله تعالى : (فناداها من تحتها ألا تحزني) فبعد أن تكلم ابنها تحتها انساها ذلك الخوف والألم فاطمأنت وحملت ابنها وجائت إلى قومها يقول وهب : (فلما قال ذلك عيسى لأمه اطمأنت نفسها، وسلَّمت لأمر الله، وحملته حتى أتت به قومها أنساها يعنى مريم كرب البلاء وخوف الناس وفي قول آخر: كرب الولادة وبلاء قومها).(4) وفي ذلك يقول الشاعر :
فناءت به والكرب يلفها ببلاءِ ــ واتت به قومها تحمله بصفاءِ
فهل في ذلك اشارة إلى أن أهل الكتاب هم من اطلق على الأرض التي ولد عليها السيد المسيح (كربلاء) لما عانته مريم من (كرب وبلاء) كرب الولادة وبلاء الخوف من قومها. وهذا ما نراه يرشح من قول الامام الحسين عليه السلام بعد أن سأل عن الأرض التي وصل إليها فقيل له (كربلاء) فقال على الفور (كربٌ وبلاء) . وهذا قبل مقتله عليه السلام ، فقد مرّ الإمام الحسين عليه السلام أيضا بكرب العطش والجوع والحصار والخوف وخصوصا من عياله واطفاله. وبلاء تكاثر الجيوش عليه وتظاهرهم على قتاله.
المصادر:
1- تهذيب الأحكام : 6 / 73 ، و وسائلالشيعة : 14 / 517.
2- تاريخ بن خلدون ج 2 ص 179. وكذلك سير أعلام النبلاء للذهبي سيرة وهب.
3- ما يقوله اهل السنة فيه : هو وهب بن منبِّه بن كامل بن سيج بن ذي كبار هو تابعي جليل، له معرفة بكتب الأوائل وإخباري قصصى يُعد أقدم من كتب في الإسلام. كان ممن قرأ الكُتب ولزم العبادة وواظب على العلم وتجرد للزهد. وعدّه أصحاب السِيَر من الطبقة الثالثة من التابعين. قال الذهبي عنه: ورِوايته للمسند قليلة، وإنما غَزارة علمه في الإسرائيليات لأنه كان من أصول يهودية، ومن صَحائف أهل الكتاب . روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير.وقال عنه القوم انه ثقة: قال العجلي : تابعي ثقة ، كان على قضاء صنعاء . وقال أبو زرعة والنسائي ثقة.
4- الرواية وردت عن سلمة عن ابن إسحاق، عمن لا يُتهم، عن وهب بن منبه في مجموعة تفاسير منها. جامع البيان إبن جرير الطبري ج ١٦ الصفحة ٩٦ سورة مريم تفسير الآية 27 . نقلا عن وهب بن منبه الذي قال : عانت مريم من (كرب وبلاء) الولادة. وهذا ما ذهب إليه القرطبي في الجامع لاحكام القرآن او ما يُعرف بتفسير القرطبي.
|