من صور التعبير الاجتماعي المعبرة عن المحتوى الانساني المتجذر في القيم الاخلاقية لجوهر الانتماء المسلم هو الحنو على اليتيم، وهذا يدل على وجود حيوية الرأفة الانسانية في الأناسي المعرفي الديني، ومحاولة انتاج أي كتاب في كتب التثقيف والتوجيه يختص في حيوية هذه الرأفة، ويعالج بعض القضايا السلبية المتعلقة في هذه القضية من خلال الارتكاز على المنظومة المعرفية وارتباطها بالواقع المعاش يعد منجزاً من منجزات الفعل الطيب.
وكتاب قهر اليتيم تأليف الشيخ محمود عبد الرضا الصافي، إصدار الدراسات والبحوث في جمعية الهداية الثقافية، مشروع قائم لإضفاء الابتسامة لأيتامنا، يعي الإنسان المسلم عمق الجذر الانساني لدينه ومذهبه، ويعرف أيضاً أن الإشكالية في إجراءات التعامل، اكرام اليتيم، كما يرى الدكتور حميد مجيد هدو في مقدمته الرائعة للكتاب هو مرضاة الله تعالى، وكفالة اليتيم تسهم في بناء المجتمع نقياً صحيحاً ورصيناً ومستقراً، تزكي الحال وتكشف عن طبع سليم وفطرة نقية، والمنجز في المنظومة المعرفية باعتباره الحالة الأقدر على الاستيعاب.
فبدأ البحث عن اليتيم لغة المفرد من كل شيء يعز نظيره بيت يتيم وبلد يتيم واليتيم من فقد أباه، ولم يبلغ مبلغ الرجال، ومن البهائم من فقد أمه؛ لأن الكفالة منوطة بالأب، ومن ثم كان البحث في ما ورد في كتاب الله تعالى، أوصى (جل وعلا) برعاية اموالهم انتبه البحث بوجود الترابط بين انسانية الشعر وحالة اليتيم، وتأثيره كموضوع على البنية الشعرية لدى الكثير من الشعراء، واهتم بعناصر البناء المعرفي لتكوين خطابه الفني باتجاه المضامين التشريعية، أي مناقشة للسيرورة المعنوية مثل: مكانة الطفل في الإسلام إذ اهتمّ به وأوصى بإحسان تربيته ومعاملته.
ونرى أن العناية الإلهية التي أوجدت في نفس الأبوين عاطفة جياشة، وتبني مشكلة اليتامى، إذ فرضت الشريعة المقدسة على مجتمعها كفالة كل فرد برعاية اليتيم والعناية به، ووضعت قوانين شرعية لبيان أحكام اليتيم، اليتيم ما دام دون سن البلوغ.
طرح الكتاب أكثر من مستوى معنى للوصول الى موضوع اليتم معرفياً كاستقراء لحال اليتيم اجتماعياً ونفسياً فأنتج شخصاً كاملاً في شخصية تامة في إنسانيته، ولا مكان - كما يرى الشيخ المؤلف - للشعور بالدونية أو الإحساس بالنقص لدى اليتيم.
العلاقة بين المربي واليتيم قد تعاني من بعض المفارقات، مثل: موقع اليتيم بين تربية الحزم والحنان، أن لا يكون مفرطاً في تركه بحجة اليتم، فبذلك يترك ولا يعامل بحزم، وعلى المربي أن يعامل اليتيم مثل معاملة أي طفل؛ ليتوازن الحزم الذي هو التوجيه لمن يرعاه.
واهتم الشيخ الصافي في معالجة الأمور النفسية والمعنوية، فينصح بعدم إبداء القلق عليه، وعدم التدخل الدائم في أموره وإشعاره بأنه فاقد الأب. وهناك مجالات متصاعدة من المورد المقدس، فتكون من مجموعة من العناصر المتداخلة بعلاقات التأثر والتأثير: كالحفاظ على مال اليتيم، واعتبار أكل ماله من الكبائر، ومثل هذا الموضوع يخضع لعمليات الاستيعاب والتمثيل والمعالجة، كمرجعية الموضوع للأحاديث النبوية المختصة بالرفق باليتيم، ومثل هذه المتعلقات جميعها تشكل نقطة الاستناد المعرفي لمعاملة الموضوع تدويناً، وخلق تأثير تحفيزي، فدار الفصل الرابع بمتعلقات اليتيم كاحتياجاته والحكم في نفقته وسبل كفالته.. قدم الشيخ محمود الصافي موضوعاً راقياً يصب في مصلحة الثقافة الانسانية المؤمنة، فبارك الله تعالى بهذا المسعى.
|