جلس سالم ونافع في حديقة عامة , فكانت عينا سالم تنظر في كل الاتجاهات , بحثا عن الفتيات , فما ان تقع عينه على واحدة منهن حتى يتفحصها بعينيه من كل الجوانب , فأن اعجبته حدق فيها طويلا , وان لم تعجبه , اشاح بنظره بعيدا عنها , باحثا عن فتاة غيرها , وهكذا هي حاله دائما , فأينما حلّ ورحل , في الاسواق والشوارع , في الكليات والمعاهد , في الباصات والاماكن العامة... الخ , تتجول عيناه هنا وهناك , محدقا متأملا في النساء , في الطول والعرض , تقاسيم الجسد , طريقة اللبس والمشي .
اما نافع فكان عكسه تماما , فقد كان مؤمنا , يستجهن كافة افعال سالم , وقد طفح به الكيل , لكنه كان يتحلى بالصبر , ولم ييأس من نصحه ومحاولة ثنيه عما هو فيه , فيضرب له العبر والامثال في قبح هذه العادة , ويحذره من شر عواقبها , دونما فائدة .
سالم : نافع ! ... شوف هاي الطركاعه ! .... شوف ذ يج المصيبه ! .
نافع : ده بطل عاد ... والله مليت منك ومن سوالفك ! .
سالم : جا احنه المن جايين هنا .. اذا ما نباوع لهاي و ذيج .
نافع : اذا انت هيجي تحب النسوان .. جا ما تتزوج ؟!
سالم : حجيت بالمفيد !...... اني لحد الان لم اجد الفتاة التي احلم بها .
نافع : وما هي مواصفاتها ؟ .
سالم : احلم بفتاة تمتلك عيون هذه .. وبشرة تلك ... وشعر تلك الفتاة .. وجسد تلك الفتاة الجالسة هناك ... الخ .
نافع : اراك يا صديقي تركز على المظاهر الخارجية ! ... ولم تذكر شيئا من قبيل الاخلاق الحسنة , العفة , الشرف , الطهارة الروحية وغيرها .
سالم : ان ما يجذب في المرأة منظرها .. فيعمل عمل المغناطيس .. الذي يجذب برادة الحديد والقطع المعدنية اليه .. فكذلك المرأة تجذب انظار العيون اليها , اما ما ذكرت فلا يجذب اليه شيئا .
نافع : لكن هذه الاشياء قشرية .. وقد ورد عن النبي (ص) انه قال ( اظفر بذات الدين تربت يداك )) .
سالم : خلينه من الدين .. مو وكت مواعض ... وان مع المرأة شيطانان الاول امامها والثاني خلفها .. وان النظرة سهم من سهام ابليس .. وان النظرة الاولى حلال والاخرى حرام ... ناهيك عن عذاب الاخرة , وغير ذلك من الاحاديث والمواعض
نافع : ان كل من يخالف حدود الشريعة الاسلامية يكون له نصيبه من العذاب .. والنظر الى النساء بشهوة وريب مما يخالف ويتعدى تلك الحدود ...
سالم : وان النظر الى النساء يصطلح عليه بــ ( زنا النظر ) ... الى غير ذلك .... قد حفظت كلامك كله .. حتى سئمت منه .. واصابني منك الملل ومن مواعضك .
نافع : في الواقع انا الذي سئم منك ومن صحبتك ... لكني اقول لك ارحم عينيك من عذاب لا قبل لك عليه ! .
سالم : اذا قد سئم كلا منا الاخر .. هذا فراق بيني وبينك .
افترق الصديقان على غير هدى , فمضى نافع على حال سبيله , بينما سالم استمر في جلوسه , وتأمله في هذه وتلك .
مرض سالم مرضا شديدا في عينيه , وقد راجع الكثير من الاطباء والمستشفيات , فلم تنفعه الادوية والعلاجات , وظل حبيسا في البيت لفترة طويلة , فقرر نافع عيادته , رغم الخلاف بينهما .
نافع : كيف وجدت عيناك ؟
سالم : الم شديد .. لا يطاق ... حتى بالكاد استطيع فتحهما ...
نافع : يبدو انك لم تحتمل ذلك .... رغم ان هذا الالم في الدنيا .. قصير مدته ... لا يدوم بقاءه ... فكيف بك بعذاب الاخرة .. وجليل وقوع المكاره فيها وهو عذاب تطول مدته ولا يخفف عن اهله ... الم يحن الوقت لتتأمل قليلا في هذا الموضوع ! .
هذه المرة نزلت كلمات نافع كالصاعقة على اذنيه , فبهت لونه , وشرد ذهنه , حتى لم يشعر حين غادر نافع وتركه وحيدا على الفراش .
ذات يوم , بينما كان نافع خارجا من مسجد ما , فلمح سالم جالسا امام المسجد , محدقا فيه , فذهب اليه , والقى التحية عليه .
نافع : ما الذي يجلسك هنا ؟ .
سالم : لقد فكرت في كلامك الاخيرة طويلا .. حتى وهبني الله التوبة .. فقررت ان املئ عيناي بالنظر الى المساجد وكل ما لله فيه رضا , بعد ما امتلئت من النظر الى النساء .
نافع : حسنا فعلت .... لكن الى متى تبقى على هذا الحال ؟ .
سالم : لقد احصيت الوقت الذي كنت قد امضيته من عمري بالنظر الى النساء ... فكان ما يقارب كذا وكذا , فعزمت على ان امضي مثله في النظر الى المساجد ودور العبادة , وازيد عليه , حتى يمحو من عيناي و ذاكرتي ما شاهدت ورأيت مما اسرفت على نفسي .
نافع : التوبة النصوح تكفي .. وانت غير ملزم بذلك ! .
سالم : عزمت ان اعاقب نفسي الان .. قبل ان يأت يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم .
نافع : سالم ! .. سلمّ تفكيرك ! ... فسلمت نفسك ! .
سالم : نافع ! ... كنت انفع صديقا لي ! . |