من البديهيات انه كلما ابتعد الانسان عن مصدر الضوء اصبحت الرؤية ضبابية شيئا فشيئا إلى أن يُطبق الظلام ، وكذلك كلما ابتعدنا عن الشيء تلاشت صورته وتضمحل فالمسافة لها تأثير كبير على الرؤية ، وهكذا هي الرؤية العقلية كلما ابتعد الانسان عن مصدر الوحي والتبليغ كلما عشوت عيون العقل عن ادراك حقائق الاشياء كما هي.
ما اريد ان اقوله هو أن الكتب السماوية السابقة اخبرتنا بأن الانسان في خلقه الأول كان قريبا من الله فيتم الكلام بينه وبين الله مباشرة من دون رؤية بطريقة ما وحتى زمن موسى كان هناك كلام بينه وبين الله حيث تكلم معه في الصحراء عند رجوعه من مديان فرأى نار العُليقة فقصدها فتكلمت النار او الضوء المنبعث من الشجرة من كل وجوهه ونواحيه فكان الصوت محيطٌ به ، وكذلك عندما ذهب لاستلام التوراة تكلم الله معه على جبل الطور وهكذا إلى زمن النبي محمد (ص) حيث كانت الملائكة تنزل لنصرة المؤمنين ولذلك فإن الذين عاشوا في ذلك الزمن لم تكن عندهم اي اشكالات حول هذه الأمور وقد ذكر القرآن كل ذلك وانه فعلا تحقق .ولكن في هذا الزمن مع ابتعاد الناس عن المصدر فإنك لو قلت لهم بأن جبرئيل نادى في السماء (تهدمت اركان الهدى) بمناسبة وفاة الامام علي عليه السلام لربما يُثير ذلك اشكالات كثيرة عندهم.
وحتى زمن الامام عليه عليه السلام فإن باب السماء لم يُغلق حيث ان الامام علي (ع) كان يُمثل الركن الثالث للإسلام .
فبعضهم يقول ان اركان الاسلام هم الوحي والرسول وعلي عليهما السلام .
وبعضهم يقول بأن اركان الاسلام الثلاث هم محمد والقرآن وعلي.
وبعضهم يقول انهم محمد وعلي وفاطمة.
فالركن الأول هو الرسول (ص) طاعته من طاعة الله كما يقول الرسول (ص) : ( من أطاعني فقد اطاع الله) . والركن الثاني قال بحقه الرسول (ص) : ( ان الله يغضب لغضبك يا فاطمة) والركن الثالث قال النبي بحقه (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ). وقال عنه (ص) : (النظر إلى وجه علي عبادة).
ولذلك فعندما ضرب ابن ملجم الامام علي (ع) على رأسه في مسجد الكوفة وكانت الضربة قاتلة سمع العالم كله صوت صارخ من السماء يقول : (تهدمت والله اركان الهدى). (1) اي بموت علي انهدمت هذه الاركان التي كانت قائمة بوجود علي عليه السلام فعندما مات محمد وفاطمة بقى علي الذي هو باب علم النبي يُمثل آخر اركان الهدى كما كان الحُسين عليه السلام آخر من تبقى من اصحاب الكساء وآخر من يُمثلهم ولذلك كانت مصيبة مقتله اصابت العالم كله لأنه بفقدان الحسين عليه السلام فقدت الأرض آخر بركة من بركات السماء خامس اهل الكساء الذي كان جبرئيل سادسهم.
كيف يكون عليا ركن من اركان الهدى؟
نعرف ذلك من خلال حديث رسول الله (ص) الذي اجمع على صحته سنة وشيعة حيث قال الرسول عندما برز علي ابن ابي طالب لعمرو بن ود العامري في معركة الخندق قال في حقه (برز الإيمان كله الى الشرك كله).(2) والإيمان هو الركن الأساس للهدى .
والهدى نزل مع كل الأنبياء حسب القرآن حيث يقول : (ولقد آتينا موسى الهدى).(3)
ومن غريب الأمور ان يُضرب علي (ع) ويموت في ليلة نزل فيها الهدى كما يقول القرآن الكريم : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى).(4). وقد قال بعض المفسرين أن قوله تعالى : (السلام على من اتبع الهدى). (5) هو اتباع ولاية علي (ع) فهو الهدى وهذا ما اكده الامام علي عليه السلام عندما قال (قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي، أنتم حجة الله على خلقه والعروة الوثقى، من تمسك بها اهتدى). فهو الهدى والهداية وبموته تهدمت اركان الهدى جميعها.
المصادر:
1- وقد اجمعت الروايات على أن المنادي كان جبرئيل عليه السلام. وأركان الإسلام : قواعده واسسه واركان جمع ركن .
2- ينابيع المودة ص94 و95. الخطيب الخوارزمي في المناقب ص64، وبرهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية ج2 ص340. واما في كتب الشيعة فقد اجمعوا على صحة هذا الحديث.
3- سورة غافر آية : 53.
4- سورة البقرة آية : 185.
5- سورة طه آية : 47.
|