البحور المركبة بتفعيلتيها المرتبة (الحلقة العاشرة)

دائرة المشتبه - البحر المنسرح
وصلنا إلى المجموعة الثالثة من دائرة المشتبه , وهي التي تتضمن تفعيلة مغايرة تتوسط تفعيلتين متشابهتين , وتشمل (المنسرح) وأجزاؤه : مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن مكررة مرتين , و(المضارع ) وأجزاؤه : مفاعيلن فاع ِ لاتن مفاعيلن مكررة مرتين , و(الخفيف ) وأجزاؤه : فاعلاتن مستفعَ لن فاعلاتن مكررة مرتين  .     
البحر الرابع عشر - المنسرح :
وتتوسط فيه (مفعولاتُ ) بين تفعيلتي (مستفعلن) في الشطر الواحد , يأتي تاماً و منهوكاً , والتام أجزاؤه ستة وهي:
مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن           مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن
وسماه خليلنا العبقري المنسرح ,لإنسراحه وسهولته , وقيل لإنسراحه مما يلزم أضرابه وأجناسه , إ ذ قد تأتي (مستفعلن) في غيره من البحور على أصلها , أما في أضربه لم تجيء الا مطوية (مفتعلن) (6) أو مقطوعة (مفعولن),زحافات حشوه ,زحاف  (الخبن) حسن , وهو حذف الساكن الثاني في ( مفعولاتُ) , فتصبح (معولاتُ) , فتتحول عروضياًالى (مفاعيلُ) , وزحاف  ( الطي) صالح , وهوحذف الرابع في (مفعولاتُ) لتكون أخيراً (فاعلاتُ), وزحاف (الخبل) المركب قبيح  , وهو حذف الثاني والرابع معاً في نفس الوقت ,فإن حدث في (مستفعلن) تحول الى (فعَلـَتـَنْ), وعموما لا يجوز خبل (مستفعلن) , عندما تأتي بعد (مفعولاتُ) ...لماذا؟! لأنه تتشكل خمس حركات متتالية (تُ فَعَلـَتـَنْ) , وهذا لايجوز في الشعر ,أمّا حين يعترى الخبل (مفعولاتُ)  تتشكل (فعلاتُ) , والمنسرح دقيق في نظمه , لكونه قريب من النثر ,فقل استعماله , وسنأتي على العلل في طيّ كلامنا الآن عن أعاريضه الأربع , وأضربه  الخمسة :
 1 -العروض الأولى تامة صحيحة - سالمة - (مستفعلن) , ولها ضربان أولهما مطوي  ( مفـْتعلن) , ومثاله :
إنَّ بْنَ زيدٍ لا زالَ مستعمِلاً               للخير ِيُفشي في مصْرهِ الغرفا
إنْنبْ نزيْ  دنـْلا زالَ مستعملنْ           للْخيْ ريفْ شي في مصْرِ هلْ غرفا
مستفعلن   مفعولاتُ  مستفعلن            مستفعلنْ      مفعولاتُ   مفـْتعلن
/ه/ه//ه   /ه/ه /ه/     /ه/ه//ه                /ه/ه//ه      /ه/ه /ه/    /ه/ //ه
النظام (- - ب -)(- - - ب)( - - ب -)    (- - ب -)( - - - ب)( - ب ب -) المقطعي
العروض : 2 2 3 /2 2 3 (2 +1)/2 2 3         2 2 3 / 2 2 3 (2+1)/ 2 4 (1+3) الرقمي
لا يخفى (مفعولاتُ) آخرها وتد مفروق ( لاتُ /ه/) , لذلك كتبت (2+1) بين قوسين , وتفعيلة الضرب أصلها (مستفعلن) , أصابها الطي  فأصبحت(مفتعلن/ه / //ه), ولهذا جزّأتُ الـ 4 الى (1+3) .
والضرب الثاني مقطوع ( مستفعلْ تحول الى مفعولن)  : و(القطع) يعني كما أسلفنا ,والإعادة إفادة , حذف نون (مستفعلن) في هذا البحر , وإسكان ما قبله  (مستفعلْ) ,فتحول أخيراُ الى (مفعولن) لغرض عروضي بحت , والمثال قول ابن الرومي , وسنقطع البيت الأول  :
لو كنتَ يومَ الوداع حاضرنا       وهنَّ يُطفين غلـّــــةَ الوجدِ
لمْ ترَ الاَ الدمـــــــوعَ سائلة ً       تقطرُ مـــــن مقلةٍ على خدِّ
كأنَّ  تلكَ الدموع قطرُ نـدى        تقطرُ من نرجس ٍعلى وردِ (7)
لوكنْ تيو  ملْو داع ِ حاضرنا       وهنـْنيط   فيْنغلـْ لـَ  تلـْوجـْ دي
مستفعلن  مفْعلاتُ    مفـْعلتن       مفاعلن   مفْعلاتُ     مفعولنْ
كما ترى (مفعولاتُ) الصدروالعجز أصابهما الطي , فحذف رابعهما الساكن , وبقتا (مفـْعلاتُ),, أما تفعيلتا (مستفعلن ) في العجز ,الأولى اعتراها الخبن ,فحذف الساكن الثاني منها وحولت الى (مفاعلن) ,والأخيرة ( الضرب), قطعها القطع فوّلت (مفعولن).
2 - العروض الثانية تامة مطوية (مفـْتعلنْ) , وضربها مثلها مطوي , ومثالها :
لا تسأل ِالمرءَعن خلائقهِ            في وجههِ شاهدٌ من الخبر ِ
لاتسْأل ِلـْ  مرءِعنْ خً  لائقهو       في وجْههي  شاهدن م  نلْ خبري
مستفعلن    فاعلاتُ   مفتعلن          مستفعلن    فاعلاتُ  مفتعلن
وهذه العروضة مشهورة في هذا البحر كما يذكر الهاشمي في ( ميزانه (8).
وهنالك عروضتان منهوكتان للمنسرح , أي كلّ بيت يتشكل من تفعيلتين فقط , فالعروض هي الضرب في الوقت نفسه , وأجزاؤهما كالآتي :
(مستفعلن مفعولاتُ) , ولكن لا تأتيان على هذه الشاكلة , وإنّما :
3 -العروضة الثالثة منهوكة  وضربها موقوف ( مفعولانْ) :   منهوكة عرفتها , وموقوف يعني إسكان التاء في (مفعولاتُ), فتنقلب إلى (مفعولانْ) , ومثالها قول هند بن عتبة:
صبراً بني عبد الدارْ
صبْرنْ بني  عبْدِدْدَارْ
مستفعلن    مفعولان
/ه/ه//ه     /ه/ه/ه ه
(- - ب -)(- - ^ )
2 2 3  2 2 2 ه  (الساكن الأخير في العروض  الرقمي يمكن أن ترمز له بالسكون , أو بالرقم 1)
ويْهاً حماة َ الأدبارْ
ضرباً بكــــلِِّ بتارْ
لاحظِ العفوية والإسترسال  في نظم هذا المنسرح المنهوك الموقوف , ويمكن أن نجمع على الكيفية نفسها, بين منهوك الرجز , ومنهوك المنسرح الموقوف , ومشطور السريع الموقوف ,على الشكل الآتي :
مستفعلن مستفعلن
مستفعلن مفعولان
مستفعلن مفعولان
مستفعلن مستفعلن مفعولان
مستفعلن مستفعلن مفعولان
مستفعلن مفعولان
مستفعلن مفعولان
مستفعلن مستفعلن
 ماهو القصد ؟! القصد ببساطة جمع تفعيلات متضارعة , بترتيبات متناسقة , فتفعيلتا ( مستفعلن /ه/ه//ه) و( مفعولان /ه/ه/ه ه ) متضارعتان , لا يختلفان الا بالوتد المجموع (//ه) في آخر التفعيلة الأولى , والسبب المتتالي (/ه ه ) في آخر التفعيلة الثانية , وعلى مستوى نظام المقاطع   الصوتية ( - - ب -   - - ^ ) , فتجد مقاطع طويلة (-) ,وقصيرة (ب) , وزائدة الطول(^ ) تتوالى , وبهذا لا تمل الآذان إيقاعات الألحان , فما  هو بشعر عمودي مقيد الأوزان , ولا هو بشعر تفعيلة حرّ , منطلق العنان , ربما ستقول أنت وقعت في إشكالية الإبداع الشعري , هل هو مطبوع أم مصنوع ؟! نعم يستطيع الشاعر الفنان , أن يتشبع  بمختلف الألحان , لتشكيل إبداعات متعددة الألوان .
4 - العروضة الرابعة  منهوكة  وضربها مكشوف (مفعولن ) : وكما ذكرنا الضرب هو العروض , لأنها منهوكة , والكشف معناه حذف التاء من (مفعولاتُ) ,فتصبح ( مفعولا ) , فتتحول الى (مفعولن) , أرى هذه العروضة أثقل  موسيقياً من سابقتها, ومثالها :
ويْلَ أمِّ سعدٍ سعْدا
ويْلمْ مِسَعْ  دنْ سعْدا
مستفعلن   مفعولن
هذا البيت أنشدته أمّ سعد بنت معاذ,عند مات ابنها سعد في غزوة الخندق , ويقال (ويلً لأمِّ سعدٍ) , حذف التنوين ,واللام لَلضرورة , أمّا (سعْدا ) فنصب لنزع الخافض , إذالأصل ( من سعدِ) (9)
ومتله : أحمَدُ ربّي الفرْدا (10).
وهنالك أضرب أخرى  مهملة , نذكر منها : خبن (مفعولان) , والخبن حذف الثاني الساكن ,فتتحول الى (فعولان) :
لمّا التقوا   بسولافْ
لمْملْ تقو  بسولافْ
مستفعلن فعولان
واليك  خبن (مفعولن) , فتتحول الى (فعولن) ,ومثاله:
هلْ بالديار إنسُ
هلْ بلْ ديا  رأنسو
مستفعلنْ فعولنْ (11)
بقى لنا ما بقى من أبحر دائرة (المشتبه) , وقد سماها ( التبريزي )  بـ (المجتلب ) على ذمته , او ذمّة الناسخين , ونحن لسنا من الراضين , والله أرحم الراحمين .
            
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) عدنان حقي : المفصل ص 103 مصدر سابق.
(6) التبريزي : ص 103 , ابن جني : ص 126 الهامش (1).
(7)راجع : بهاء الدين الإربلي : التذكرة الفخرية 1 /83 - الموسوعة الشاملة على الأنترنت ,وجاء البيت على روايات أخرى
(8) السيد أحمد الهاشمي :ميزان الذهب ص 78 , ص 77  -الهامش -
(9) عدنان  حقي : المفصل ص 99 مصدر سابق
(10) التبريزي : ص104 مصدر سابق
(11) المصدر نفسه ص 107 - 108  ...