عندما يتحول ( همس ) او ( صمت ) الشعب ، او بعض فصائله الى مطالب علنية عبر الطرق الشرعية ، الديمقراطية ، بحدود الدستور و عمليا بحدود الحفاظ على الارواح وعلى الممتلكات . فهذا لا يعني ان هناك نقدا موجها الى السلطة او الى الحكومة او الى الدولة بل - على العكس - يمثل اشارة دالة على عملها ، كجهة لديها مسؤوليات محددة كالتي تقع على الشعب بلا استثناء مكون على اخر .
ولهذا لا تخشى الانظمة ذات الصوت الواحد و الحزب الواحد وغير المرنة - و التسميات قد تبدو محض عناوين او اقنعة - الا من ان يكون للشعب صوت او ارادة او حقوق لهذا نراها - بحسب التجارب - تعمل الى وسائل غايتها اتخاذ قرارات صارمة وقاسية احيانا في كتم صوت الشعب .
و تاريخ العراق الحديث ، خلال المائة عام الماضية ، زاخر بالمواجهات بين ( السلطات ) و الشعب او بين غالبية مكوناته و تلك السلطات وهي مواجهات ليست بالضرورة ان تنتهي لصالح احدهما ، فتارة تنجح السلطة بالقمع بوسائلها المختلفة ، ومنها استخدام العنف و شراء الذمم او المصالحة ، وتارة ينجح الشعب - عندما يتوحد - بعدم التراجع و المثابرة على رفع صوته داخل حدود البلد ، او عبر المنظمات الدولية الى جانب وسائل الاعلام الحديثة كسلطة لا يمكن كتمان صوتها او دورها الدولي في هذا المجال .
نقول عندما يطالب الشعب بحقوقه كمحاسبة الفاسدين و المفسدين و توفير الخدمات و المساواة و حق العمل و نقد الحالات السلبية فهذا يعني عمليا ان الديمقراطية كفلت له بهذا الحق : حق التعبير ، والتعددية ، و ابداء الرأي ، اي ان يرتقي الى المواطن كامل الحقوق الذي يؤكد ان ( السلطة ) لديها دورها ايضا .
فالسلطة - الدولة او البرلمان او الحكومة او اية مؤسسة من مؤسساتها - ما دامت تأسست وفق الديمقراطية ، فالامر يختلف عن ( الحكومات ) او ( الدول ) التي لم تأتِ عبر صناديق الانتخاب ولا عبر الحوار و لا عبر المشاركة الحقيقة لمكونات الشعب .
فالحضارة والتحضر و الاعراف السماوية و القوانين الوضعية و تقاليد الشعوب و موروثاتها ، في الغالب مسؤولة عن نبذ العنف و مسؤولة عن تلافي اية مواجهات تقود الى التصادم والى اضعاف طرف على حساب الاخر .
فعندما ينتخب الشعب برلمانه و حكومته و رموزه تكون تلك الجهات مسؤولة امامه - فضلا عن الحسابات الاعتبارية او الرمزية امام التاريخ او امام الخالق - بالحد الادنى في احترام الجهات كافة ، لان اتساع الفجوة - و الفجوات - لا يسهم الا بأضعاف الجميع من جهة ولا يحقق نصرا او تقدما لاحد الا على حساب الاخر من جهة ثانية .
هذا كله يضعنا امام المسؤولية - لان الحرية هي المسؤولة والموقف و الكرامة والالتزام - بين من يطالب بمحاسبة الفاسدين و بتوفير الخدمات و اعادة الامن و بين الدولة التي لا تعمل الا على بناء حضارة حديثة كي تصبح علامة مميزة ومعاصرة في عالمنا الكبير ، و ليس ساحة حرب على الجميع - عندما تغيب الديمقراطية و الشعور بالمسؤولية و يغيب العقل و تسود العشوائية - ان يتذوق مرارات نتائجها غير المتوقعة . |