نادرة هي الكائنات الاقل ذكاءً من الانسان التي تتمتع بتأمين مواردها الغذائية واندر منها هي تلك التي تصنع غذائها ، والاندر منها هي التي تجعله برنامج مستقبلي منها اي التي اصبحت تتحكم بمصيرها !
وليس تاريخ الانقراض الا مدخلا لتاريخ حروب طويلة قائمة على صنع الغذاء و التحكم بأنتاجه فقد لا نعرف شيءً - عبر المعاني و الرموز - مهما عدا ارادة الحياة ، التي تتحكم بهذا التاريخ و دوافعه !
لكن الانسان لم يكتسب مكانته بين الانواع ، الا عندما اصبح المستقبل - وليس الماضي - محركا لمسيرته ودوافعها في هذا التاريخ . فقد انتقل من البرية ومن عصر الصيد و البحث عن الغذاء الى الاستقرار - والزراعة ، ومن ثم الى العصر الصناعي .
لكن المتغيرات الكبرى لم تتوقف عند صناعة الادوات وتطويرها ، بل في محاولات عنيدة للحفاظ على دينامية صياغة ( طفرات ) لتأمين غذاء المستقبل !
فبعد ان تحولت الثورة الصناعية الى اتجاه مابعد (ذري) ، وما بعد ( معلوماتي ) - اي مابعد صناعي - ومابعد كل ما كان ينتمي الى عصر النهضة ( الحداثة) ، راح الفكر يبحث عن موارد اضافية تستند الى ثورة في (العقل ) و الى موارد لم تستثمر - بل ولم تكتشف بعد - تدخل في مفاهيم ( المستقبل ) و ( المستقبلية ) للحفاظ على الحياة ازاء ما يواجهها من مشكلات كالتلوث والحروب و ضعف المناعات و الاستهلاك الدائم للموارد ... الخ .
ازاء هذا كله ، مازالت نسبة من الشعوب تعيش في المراحل البرية ، و اخرى على حافات عصر الزراعة ، و ثالثة ما قبل صناعية ، اي الشعوب التي تعيش على استهلاك مواردها الطبيعية ، وهي التي تنتمي الى العالم الثالث ! او الى الشعوب التي تستهلك ( مستقبلها ) !
الامر الذي يعيد للاذهان : ذلك الطابور الكبير من (الموظفين ) اي من المتسترين على تنمية خادعة - وليس على ما تنتجه الايدي العاملة - اتذكر - هنا - كلمة قالها احد المراقبين عندما يحين موعد توزيع ( الرواتب ) : اذهبوا واستلموا علفكم ! انها ليست شتيمة او كلمة لاذعة .. او طرفة ! بل هي نسق الدقيق لشعوب تأكل ما لا تنتجه و تتمتع بما لم تبذل جهدا في انتاجه ...! فلعلف ... هنا ، يوزع ... للاستهلاك لديمومة حياة لا تنتج شيءً يذكر بل لحياة يغيب عنها الابداع والابتكار ، مما يجعلها مغايرة - بل ومضادة - للحياة كي تأكل مستقبلها و تغدو في الاخير خالية حتى من ظل ماضيها !