بسم الله الرحمن الرحيم

مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ{69}

تستمر الآية الكريمة (  مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى ) , الملائكة , (  إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) , في شأن ادم "ع" حين قال جل من قائل { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30 .  

إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ{70}

تستمر الآية الكريمة (  إِن يُوحَى إِلَيَّ ) , لا علم لي بمثل تلك الامور , الا ان يوحى لي فيها شيئا , (  إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) , ان وظيفتي الا الانذار الواضح .  

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ{71} 

تروي الآية الكريمة خطابه جل وعلا للملائكة (  إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ ) , البشر ذلك الحين كان يمثل مخلوقا جديدا , سبقته مخلوقات مشابهة الا انه سيتميز عليها بكثير من الميزات . 

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ{72} 

يستمر خطابه جل وعلا للملائكة في الآية الكريمة  (  فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ) , كملت وتمت خلقته , (  وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) , أي صار حيا , ويلاحظ نسبة الروح لله جل وعلا فيها من التشريف والتكريم لادم "ع" ما لم ينله أي مخلوق غيره , (  فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) , امر مباشر للسجود لادم , وهو ليس سجود العبادة بل :     

1- سجود الامتثال للأمر الالهي . 

2- سجود تحية بالانحناء . "تفسير الجلالين للسيوطي" . 

3- سجود تكريم لعظمة الله تعالى في خلقه . 

4- أن يكون السجود لله تعالى والقبلة آدم , كما هو حاصل اليوم حيث السجود لله تعالى والقبلة الكعبة المشرفة.

الى غير ذلك من الآراء الكثيرة في هذا المضمون .  

فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ{73} 

تروي الآية الكريمة (  فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ) , جميعهم امتثل للأمر الالهي بالسجود لادم "ع" .  

إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ{74} 

تستثني الآية الكريمة (  إِلَّا إِبْلِيسَ ) , اللعين , (  اسْتَكْبَرَ ) , اخذته الانفة والتكبر والعظمة , (  وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ ) , كان اللعين من الكافرين في علم الله تعالى , او انه بعدم امتثاله للأمر الالهي انضم الى جملة الكفار .   

قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ{75} 

تروي الآية الكريمة كلامه جل وعلا مع اللعين ابليس (  قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) , بقدرتي وقوتي , او توليت خلقه , وفي ذلك تشريفا اخر لادم "ع" , فهو المخلوق الوحيد الذي قال الله تعالى فيه ذلك , (  أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ) , تضمن النص المبارك سؤالا انكاريا (  أَسْتَكْبَرْتَ ) , عن السجود وتكبرت بغير استحقاق (  أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ) , المتكبرين , او تظن نفسك ممن علا واستحق التفوق .    

قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ{76}

تروي الآية الكريمة جواب اللعين ابليس (  قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ) , لم اسجد لأني افضل منه , (  خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) , فيرى لنفسه الافضلية حيث ان النار افضل من الطين .   

( عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام " أول من قاس إبليس ،قال: خلقتني من نار وخلقته من طين، ولو علم إبليس ما جعل الله في آدم لم يفتخر عليه"

ثم قال: إن الله عز وجل خلق الملائكة من نور وخلق الجان من النار وخلق الجن صنفا من الجان من الريح، وصنفا من الماء، وخلق آدم من صفحة الطين، ثم أجرى في آدم النور والنار والريح والماء , فبالنور أبصر وعقل وفهم , وبالنار أكل وشرب ولولا النار في المعدة لم تطحن المعدة الطعام , ولولا أن الريح في جوف بني آدم تلهب نار المعدة لم تلهب , ولولا أن الماء في جوف ابن آدم يطفي حر المعدة لأحرقت النار جوف ابن آدم , فجمع الله ذلك في آدم لخمس خصال، وكانت في إبليس خمس فافتخر بها ) .  "الاختصاص: ص109، باب القياس".

قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ{77} 

تروي الآية الكريمة امره جل وعلا بطرده من مكانه الذي كان فيه (  قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا ) , على اختلاف الآراء قيل من الجنة وقيل من السموات , (  فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ) , مطرود .   

وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ{78} 

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي ) , طردي وابعادي لك , (  إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) , الى يوم القيامة .  

قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{79} 

تروي الآية الكريمة كلام اللعين ابليس (  قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي ) , امهلني واخرّ اجلي , (  إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) , يوم البعث والنشور .  

قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ{80} 

تروي الآية الكريمة جوابه جل وعلا (  قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ) , من الممهلين .  

إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ{81} 

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) , تختلف الآراء حول الوقت المعلوم :   

1- عن الصادق عليه السلام إنه سئل عنه فقال يوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصور نفخة واحدة فيموت إبليس ما بين النفخة الأولى والثانية . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني ويذهب الى مثل هذا الرأي السيوطي في تفسيره الجلالين" . 

2- عن الصادق عليه السلام إنه سئل عنه فقال اتحسب أنه يوم يبعث فيه الناس إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول يا ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك يوم الوقت المعلوم . "تفسير العياشي" . 

3- عن الصادق عليه السلام قال يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصخرة التي في بيت المقدس . "تفسير القمي" . 

قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{82} 

تروي الآية الكريمة كلام اللعين ابليس (  قَالَ فَبِعِزَّتِكَ ) , يعترف اللعين بعزة رب العالمين وقوته وسلطانه , (  لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) , علم انه سيكون لهذا المخلوق الجديد ذرية , فآل على نفسه ان يضلهم بما يملك من المعارف والعلوم والحيل .  

إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{83} 

يستمر كلام ابليس اللعين في الآية الكريمة (  إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) , مستثنيا عباد الله المخلصين , فقد علم ايضا انه سيكون من ذرية هذا المخلوق الجديد عبادا مخلصين , لا سلطان له عليهم , ولا تنفع حيله والاعيبه معهم .  

قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ{84} 

تروي الآية الكريمة كلامه جل وعلا (  قَالَ فَالْحَقُّ ) , الثابت الذي لا مراء فيه ولا شبهة معه , (  وَالْحَقَّ أَقُولُ ) , قولي حق ووعدي صدق .  

لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ{85} 

يستمر كلامه جل وعلا في الآية الكريمة (  لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ ) , أي من ذريتك على حدود بعض الآراء , (  وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) , وممن تبعك من ذرية بني ادم , لا يستثنى منكم احد .   

قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ{86}

تنتقل الآية الكريمة لتخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" (  قُلْ ) , لهم يا محمد , (  مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ) , أجرا على تبليغ الرسالة , (  وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) , المتصنعين , متقولا القرآن من تلقاء نفسي .    

(  عن النبي صلى الله عليه وآله قال للمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم .  

عن الباقر عليه السلام قال لأعداء الله أولياء الشيطان أهل التكذيب والأنكار قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين يقول متكلفا أن أسألكم ما لستم بأهله فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض أما يكفي محمدا صلى الله عليه وآله أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا فقالوا ما أنزل الله هذا وما هو إلا شيء يتقوله يريد ان يرفع أهل بيته على رقابنا ولئن قتل محمد صلى الله عليه وآله أو مات لننزعنها من أهل بيته ثم لا نعيدها فيهم أبدا .

عن الصادق عليه السلام قال المتكلف مخطئ وإن أصاب المتكلف لا يستجلب في عاقبة أمره إلا الهوان وفي الوقت إلا التعب والعناء والشقاء والمتكلف ظاهره وباطنه نفاق وهما جناحان بهما يطير المتكلف وليس في الجملة من أخلاق الصالحين ولا من اشعار المتقين التكلف في أي باب كان قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله قل ما أسئلكم من اجر وما انا من المتكلفين ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" . 

إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{87} 

تستمر الآية الكريمة (  إِنْ هُوَ ) , القرآن , (  إِلَّا ذِكْرٌ ) , عظة , موعظة , (  لِّلْعَالَمِينَ ) , للمخلوقات العاقلة "الانس والجن" .   

وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ{88}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَلَتَعْلَمُنَّ ) , يا كفار مكة , او مطلق الكفار , (  نَبَأَهُ ) , صدق خبره وصحته , (  بَعْدَ حِينٍ ) , يوم القيامة , وفي اراء اخرى حين ظهور المهدي وعيسى "ع" .