• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : رسائل شرقية 5 .
                          • الكاتب : هادي الربيعي .

رسائل شرقية 5


أعودُ اليك دائما / لأنني لا أملك سواك ِ  / أعود اليك ِ دائما لأنك ِ قدري / أعود اليك ِ دائما ً اليك لأنني بدونك ِ متاهة ٌ لا حدود َ لها / مهما ابتعدت ُ عنك ِ / شدني اليك ِ قدري / فأنا لست ُ أكثر َ من نجمة ٍ تدور ُ حولك ِ / ومهما ابتعد َ المدار ُ كان ضمنَ فضائك /  فأنا الدائرة ُ التي تتسع ُ حينما يُلقى حجر ٌ في البحيرة / مهما ابتعدت فهي مشدودة ُ الى مركز الإنطلاق / وقد تتلاشى  الدائرة ُ وهي تنطلق ُ / أما أنا فكلما اتسعت ُ عدتُ اليكِ لأنطلق َ مرة ً ثانية / وكل ُ تجربة ِ انطلاق هي تجربة ٌ أخوضها تمنحني متعة اكتشافك ِ وتشدني اليك ِ أكثر

**

يهربون من الألم / يهربون من عذاباته / يهربون من حنظل مرارته / يهربون من شبحهِ الذي يطاردهم في الطرقات / ايها العابر / لولا الألم لما عرفت الحكمة / لولا الألم لما عرفت َ السعادة / لولا الألم لما خضت َ التجارب لتتعلمَ المزيد / فهو الذي صقل َ تجربتك َ / وهو الذي منحك َ قوة الإنطلاق لتتحرر َ مما تكابد / وهو الذي منحك َ العنفوان لتنطلقَ على طرقات الحياة / قد يكون الألم ُ يهوذا الذي خان المسيح / ولكن لولا يهوذا لما كان المسيح / ولولا المسيح لما كان يهوذا لأنهما قطبا دورة الحياة / واينما كان هناك خير / رفرف الشيطان بجناحه الأسود ليعترض طريقك / ومن هنا تبدأ دورة الألم التي قد تدفع حياتك َ ثمنا لها / ولكنك عندها ستكون كما شئت أن تكون / لا كما شاء لك َ الآخرون أن تكون / وأما أن تكون أو لا تكون / تلك هي المسألة .

فاصل

حضورك ِ غياب ٌ وغيابك ِ حضور / فأنت الحاضرة ُ الغائبة / والغائبة ُالحاضرة / اعرف انني سأجدكِ دائما ً / ربما في الثلج الذي يكسو قمة ً جبلية عالية / ربما في حصى الأنهار ِ التي تتلامع ُ تحت َ المياه الشفافة / ربما في تغريدة ِ بلبل ٍ على شجرة  بعيدة / ربما في تويج ِ رمانة ٍ تتفتح ُ في أرض ٍ عراقية مسمومة ٍ بالإشعاعات / ربما في عيون ِ طفل ٍ يحمل ُ حقيبته ُ وهو في الطريق ِ الى المدرسة / فأنت ِ الحاضرة ُ الغائبة والغائبة الحاضرة ُ أبدا ً
**

من يسندُ هذا العابر َ في عالم ٍ يصطخب ُ بالمصالح / ويقتل ُ المعاني بضراوة أسد ٍ جريح ؟ من يسندُ قامة َ هذا العابر َوهو يحاول ُ أن لا يكون ُ منحنيا ً في زمن ِ الإنحناء الكبير ؟  لا تستوحش طريق َ الحق لقلة ِ سالكيه ؟ ألم تدرك ْ هذا حتى الآن ؟ ألم يقلها أمير ُ الضوء / الذي علمكَ كيف تتكبر ُ على المتكبر لتكون أكبر َ متواضع ٍ على الأرض ؟ من يسند ُ هذا العابر َ سواك ِ / اعرف ُ انني أسير على صخور ٍ ناتئة ٍ تجرح ُ يدي وأنا في طريقي اليك / ولكنني لا أملك ُ سوى أن أواصل َ قدري المرتبط  المرتبط ِ بك / انها الدُنيا وأقف عند الدُنيا /  انها عالم ُ الهبوط المتواصل ِ الى المنحدرات ما لم تملك قوتك / ما لم تقف ضدَ رغباتك / ما لم تحدق في السماء قبل أن تحدق في الأرض / واصعب ُ ما عليك َ أن تفعله ُ / هو أن تسير ضد َ الحشود ِ المنحدرة / أن تتفرد َ بعذابكِ لتكون كما تشاء ُ التعاليم ُ أن تكون

**

أنت ِ تهمسين َ لي بكل ِ هذا / اعرف ُ ذلك / وأكاد ُ اسمع ُ صوتكِ وهو يأتيني من الأقاصي البعيدة / اسمع ُ صداه في قلبي / وأعرف ان فرحي لا يشبه ُ فرح َ الآخرين / اعرف ُ ان فرحي مغموس ُ بوعي متمرس واحساس جارف / لا تعيدي الهمس َ في هذا فأنا ادرك ُ رحلة َ الألم ِ التي  اصبحت لي قدرا ً لابد منه / لأنه لن يتغير / ومن يعرفك ِ لابد ان يسير ورائي أو اسير وراءه فالمعنى سواء والهدف سواء والمرارة ُ واحدة ٌ لا ريب فيها / وهذا العناء ُ هو الذي يمنحنا متعة َ أن نكون رغم طعم ِ الحنظل الذي يلسع ُ لساننا / اتصدقين / ؟؟ لقد اعتدت ُ هذا الطعم َ حتى أنني لم اعد ْ قادرا ً على مواصلة ِ الحياة بدونه


**


أراك ِ أحيانا ً في نجمة ِ بعيدة / يرتعش ُ ضوؤها  عبر صحارى السماء حتى لا يَُكاد يُرى / وفجأة ً أراك ِ في عيون طفلة ٍ ضاحكة ٍ تعدو الى ابويها / كيف تختصرين كلَ هذا المسافات ِ لتكوني قريبة ً مني الى هذا الحد / تلك هي معجزة ُ الحب الخالدة / الحب ُ الذي يسمو فوق رغبات ِ الجسد / فليس الجسد سوى ثوب بال ٍ سرعان ما يتمزق ُ في التراب / ويتحول ُ الى تراب / ليكون َ شيئا آخر / الروح ُ هي الحقيقة ُ الوحيدة / قد  تكون ُ غامضة َ الملامح / قد لا نتصورها لأنه يصعب علينا ذلك / ولكنها الحقيقة ُ الوحيدة ُ التي لا يمكن أن نشك في مصداقيتها /ولهذا تذهب الأجساد ُ لأنها ظل ُ الحقيقة .

**


أحبك ِ لا تكفي دائما ً لأن أعبر َ لك عما في الأعماق / قد يكفيني احيانا ً أن أطيل ُ النظرَ الى عينيك / والصمت ُ قد يكون كلاما ً كثيرا / بل قد يتحول ُ الى ثرثرة ٍ صاخبة ٍ لا يسمعها أحدُ سواي  / قد اكون مصطخبا بك ِ رغم الصمت ِ الكبير الذي أرحل ُ في صحرائه ِ الشاسعة
أحيانا .. يكفي ان انظر َ بهدوء
لأحدق َ في عينيك ِ الطافحتين ِ بفتنة ِ كل الأرض
وأحس ً البهجة َ في روحي
وهذه البهجة ُ هي التي تبرر ُ الحنظل َ الذي يغزوني من كل جانب

**


قال أين َ أنت َ
قلت ُ لقد تساوى لدي َّ ذهبُ الأرض ِ وتُرابُها 
قال َ إمسك ْ رؤياك َ
تلك هي الحقيقة
وتذكر ْ
ان الصمت َ كلام .





  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=900
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 10 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15