لقد اقبل علينا شهر رمضان الكريم (شهر الله الذي انزل فيه القرآن)
الذي جعله الباري مأدبة" وبابا" مفتوحا"للمسلمين والمؤمنين من خلقه
لتطهير الذنوب وإيقاف الحروب وسفك الدماء البريئة ، الذي فيه تعتق الرقاب ، وتغل أيادي الشياطين ،
فكم من شياطين الإنس سفكوا من دماء الأبرياء وأزهقوا الأرواح الطاهرة في الأشهر الرمضانية السابقة ،
في حين ان أيادي شياطين الجن متوقفة عن اي عمل فيه خرق لحدود الله عز وجل .
ولكن شياطين الانس تقتل وتسفك الدماء باسم الدين .
وهذه دعوة الى جميع اللذين أغواهم الشيطان ووعدهم غرورا وكفرا ،
تعالوا نستذكر بعض الأمور لعل بعضكم تنفعه هذه الذكرى ويرجع الله خالقه بالإنابة والتوبة والفوز بالغفران ونيل الرضوان.
فكل هارب من الله يرجع إليه ، فان استطعتم ان تفروا من أقطار السماوات والأرض ففروا ،
ولن تفروا إلا بسلطان منه سبحانه وتعالى .
فيقول ربنا الجليل : يا بن آدم خلقت كل شيء لأجلك ، وخلقتك لأجلي ، فهل تفر مني .
فكل هارب من خلق الله يرجع الى ربه ، وكل هارب من الله يرد إليه ،
ومع كل هذا فان رحمته وسعت كل شيء ،فسبحانه وتعالى يتجاوز عن المسيئين بحلمه وكرمه ،
مهما كانت ذنوب عباده ، فيعفي عن اي ذنب سوى ذنوب العباد على العباد فيما بينهم ،
فكيف من هم بقتل أخيه المسلم ، او من يفكر بأذية عباد الله في هذا الشهر الكريم شهر رمضان .
فمن لم يستفد من هذه التذكرة فهو من عبدت الشيطان الإنسي بإيحاء من الجن الذي يأمرهم بتنفيذ مخططاته بجنوده ،
ولا شك أنهم جنود الشيطان الذي يعبدوه من دون الخالق الجبار
وهم الذين يرفضوا دعوة خالقهم وعارضوها بالعناد ،
فبعنادهم هذا هم يحاربون الله عز وجل بقتلهم النفوس وهي صائمة تلبية لخالقها في صيامهم بشهره الكريم ،
قائمة مؤدية العبادات ،آخذة بأمره تعالى .
وقوله كل شيء لعبدي الا الصيام فانه لي وأنا اجزي عليه.
فكيف سيكون العقاب لمن يفعل هذه الأفعال لقتل عباد الله المؤمنين الصائمين .
فقد اقسم الله بان يملأ جهنم بهم ، والتي تكون وقودها الناس والحجارة ،
فقد قارن قلوبهم المتحجرة لقسوتها ومثلها بالحجارة أوهي اشد قسوة .
وكذلك جعلهم أردى وابخس من الأنعام والبهائم الاستكلابية والسبعية ،ومثلهم بالانعام بل هم أضل سبيلا .
لان الانعام خلقها الله لخدمة الإنسان
"خلقت كل شيء لأجلك"
وهؤلاء الذين يحاربون الله ورسوله لعنوا في الأرض والسماء ، ولا تنفهم شفاعة الشافعين يوم العرض على الباري عز وجل.
ولن يغفر الله ذنوبهم ولو تقدموا بملأ الأرض ذهبا .
لأنهم أولياء الشيطان الذي سوف يتبرأ من أفعالهم فيقول:
(ما كان لي عليكم سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ، ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي ، اني كفرت بما اشركتموني من قبل )
(وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ...)
وقال ايضا (اني بريء منكم اني ارى ما لاترون , اني اخاف الله والله شديد العقاب )
" كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر ، فلما كفر قال اني بريء منك ، إني أخاف الله رب العالمين ".
لأن عقولكم صبحت كعقول البهائم بإرادتكم واتبعتم هوى الشيطان واصبحتم اشباحا لصور مؤلمة انتم كونتموها وسوف تكون مقبوحة ومؤلمة في العوالم الأخرى ،
"ولقد صدّق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه ،الافريقا من المؤمنين".
ويوم تشهد عليكم أنفسكم وهي صحيفة كل فرد منكم فيها تصوير واستنساخ لأعمالكم
لقوله تعالى
( انا كنا نصور ما كنتم تعملون )(ونستنسخ ما كنتم تعملون).
فعندها تقولون " ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة" ولا كبيرة" الا أحصاها "
وان ليس للإنسان الا ما سعى ، وان سعيه لسوف يرى .
كما جاء في الفلسفة الإلهية ( النيل نظير الإدراك واللحوق).
لانه سبحانه وتعالى قادر علة ان يخلقكم بصور الحيوانات المفترسة التي تاكل الجيف والميتة كما جاء بقوله تعالى ( على ان نبدل امثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون)
وما لا يدرك كله لا يترك كله .
(ولا تكونوا كالذين نسوا أنفسهم فانسيهم أنفسهم ،أولئك هم الفاسقون)
ولعمري أنها آية لا يصل معرفتها الا من عرف نفسه ؟ ومن عرف نفسه فقد عرف ربه.
وهي مرتبطة بالآية ( نسوا الله فأنساهم أنفسهم).
ف " كل نفس بما كسبت رهينة "
فعند لحظة الممات تعرف قدرة الله ، فتتجلى بصور خافية حتى على العقول النيرة التي استضاءت بنور العلم والإيمان .
فكونوا صالحين ،والإنسان الصالح هو الذي يبلغ في بعده الإنساني الى حد الكمال ،والمرتبط بالعمل الصالح بين جميع خلقه .
والمهم ان تخلص أولا مع نفسك وتتخلق بأخلاق الله وهي أخلاق محمد وآله (ص)
( وانك لعلى خلق عظيم )
ولا نكون مخلصين الا بالأخلاق الحميدة ومساعدة خلق الله
وان يعاملونا بالإساءة ، نعاملهم بالإحسان ، ونعقوا عمن لمن ظلمنا ونصل من قطع أرحامنا ونعطي من حرمنا.
وكونوا من هؤلاء الناس الذي قال عنهم امير المؤمنين "علي بن ابي طالب "(ع)
" الا بابي وامي هم من عدّة اسمائهم في السماء معروفة ، وفي الارض مجهولة "
وكونوا من المتقين الذين قال في حقهم (ع):
" قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة ، واجسادهم نحيفة وحاجتهم خفيفة وانفسهم عفيفة ،
صبروا اياما" قصيرة اعقبتهم راحة طويلة ، تجارة مربحة يسرها لهم ربهم ، ارادتهم الدنيا فلم يريدوها..."
فلا تعملوا بالضن والشكوك لان الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرة لصفوة المنائح والمنن .
فانظر بقلبك واعمل ببصرك ظاهرا" وباطنا" بصدق النية في العمل ،
فمن طاب ظاهره طاب باطنه وتقبل الله عمله .
فيجب علينا التفكر في غاية العمل المطلوب منا تنفيذه بأوامر إلهية ،
لان لكل عمل غاية ونهاية ،
كما صرح بهذا سيد الوصيين وإمام المتقين (علي بن ابي طالب )(ع).
(ان لكم نهاية فانتهوا الى نهايتكم ، وان لكم علما"، فاهتدوا بعلمكم ، وان للسلام غاية فانتهوا الى غايته ،
واخرجوا الى الله بما افترض عليكم من حقه ،وبين لكم من وظائفه ، انا شاهد لكم وحجيج يوم القيامة عنكم ).
ونختم المقال بآية من الذكر الحكيم:
" ان ربك هو اعلم من يضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين".
وفقنا الله وإياكم لعمل الخير والصلاح وتقبل الله صيامكم وقيامكم. |