رغم انه لا يختلف اثنان حول الخطر الذي يشكله “داعش” على الشعب العراقي ، فهو خطر يهدد بإبقاء العراق في دوامة من الفوضى الدموية ، تقتل كل فرص الانطلاق امام العراقيين نحو حياة حرة كريمة ، وتضع مستقبل بلادهم ووحدته على كف عفريت ، الا ان هناك خطرا لا يقل عن خطر “داعش” ، بل هو اشد خطورة ، الا وهو “الفساد” المالي والاداري المستشري في جسد الدولة العراقية.timthumb
البعض قد يرى ان هناك مبالغة في جعل خطر “الفساد” يتجاوز خطر “داعش” ، الا اننا لا نرى اي مبالغة في هذه المقارنة ، لسبب بسيط ، وهو ان النتائج المترتبة على ظهور “داعش” وتدعياته ، تحتاج الى زمن اطول ليصل العراق الى طريق اللاعودة ، وعندها لن يكون بمقدور حتى الحلول “السحرية” على اعادة العراق الى عهده السابق ، الا ان نتائج “الفساد” وتدعياته على العراقيين ، لا تحتاج الى وقت طويل لكي تفتك بالجسد العراقي.
المتتبع لظاهرة الفساد المستشرية في العراق ، والتي جعلت هذا البلد وحسب منظمة الشفافية العالمية ، يحتل قعر قائمة الدول الفاسدة في العالم ، يشعر بوجود ارادة خفية تعمل على الابقاء على هذه الظاهرة ، وكأنها مقدسة ، لا يجب المساس بها ، فرغم كل الفساد المستشري في العراق ، لم يسجل على القضاء العراقي ان حاكم فاسدا ، واذا ما حصلت “معجزة” ، ومثل احد الفاسدين امام القضاء ، فانه سيخرج من المحكمة اسرع من الضوء ، حاملا شهادة ببراءته ليعود باندفاعة اكبر لممارسة الفساد.
الشيء الذي غاب ويغيب عن اذهان النخب العراقية الوطنية والنزيهة ، هو تداعيات ظاهرة الفساد على المدى القصير ، فمن الواضح انه في حال وصل الفساد الى الحد الذي يحول العراقيين الى طبقتين ، الاولى من الفاسدين والسراق والمترفين والمرفهين ، والثانية هي جميع ابناء الشعب العراقي ، ففي هذه الحالة سيكون الفسادون كمن يمهد الارضية امام عودة البعثيين والمجرمين الى الحكم مرة اخرى ، وعلينا الا نستبعد فكرة قيام انقلاب عسكري في العراق ، تستغل الجهات التي تقف وراءه حالة الاحباط والفقر والفساد المستشري في المجتمع ، فنجاح مثل هذا الانقلاب لن يكون بسبب قوة القائمين عليه بل بسبب تقبل الناس ل“المنقذ” مهما كانت طبيعته.
عجز الحكومة في التصدي لظاهرة الفساد ومكافحتها ، وعدم وجود ارادة سياسية بين النخب الحاكمة لمحاربتها ، والفقر والبطالة والاحباط وانعدام الخدمات ، كلها عوامل تؤكد بلسان الحال ، ان لا علاج لظاهرة الفساد في العراق الا بانقلاب عسكري يقلب الاوضاع راسا على عقب ، ولا نعتقد ان البسطاء من الناس والمتضررين والفقراء والمعدمين ، سيعارضون مثل هذا الانقلاب او يقفون ضده، مادام سيكون طوق النجاة الوحيد الذي سينقذهم من بحر الفساد والفقر والاحباط والمحسوبية.
ليس هناك بين الاحزاب والسياسيين العراقيين ، من له خبرة في الانقلابات والعمل في الغرف المظلمة ، والقيام بالدسائس والمؤامرات ضد الشركاء في العملية السياسية مثل البعثيين ، الذين دخلوا وبضغط امريكي واضح الى العملية السياسية التي بدات في العراق عام 2003 من اجل استئصالهم !!، لضربها من الداخل ، فليس صدفة ، ان يكون اكبر واخطر الفاسدين في الحكومة العراقية هم من “البعثيين الحكوميين” ، الذين استغلوا ابشع استغلال الاوضاع الاستثنائية والفوضى التي يعيشها العراق بسبب ممارسات رفاقهم “البعثيين الدواعش” ، فجناحا البعث “الحكومي والداعشي” يعملان على تمهيد الارضية لاقناع العراقيين بفكرة الانقلاب كحل وحيد لمعالجة “سرطان الفساد” ، بعد عجز كل الحلول الاخرى لاستئصاله ، الامر الذي يفسر الحرب النفسية التي تشنها الفضائيات والاعلام الخليجي والبعثي الممول من ابنة المقبور رغد صدام ، والتي تطبل ليل نهار لعهد الطاغية السفاح.
للاسف تورط في الفساد بعض المحسوبين على الاحزاب والتنظيمات العراقية الوطنية ، وللاسف ايضا ان هذه الاحزاب والتنظيمات ترى في فساد بعض الاشخاص المحسوبين عليها ، حالة اضحت طبيعية وتحاول التستر عليهم او حتى الدفاع عنهم ، دون ان تدري ان هؤلاء الفسادين يعملون وبشكل غير مباشر في صالح الاجندة البعثية ، وعلى الضد من مصلحة احزابها وتنظيماتها.
هذه الحقيقة التي لم ينتبه لها الكثيرون ، كانت واضحة جدا للمرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة السيد السيستاني ، عندما اولى ظاهرة الفساد ومحاربتها اهمية كبرى ، وحذر في اكثر من مناسبة وعبر خطب الجمعة الحكومة والمسؤولين من نتائجها وتداعياتها ، واحتمال استغلالها من قبل المتربصين بالعراق والعراقيين من “البعثيين الدواعش والحكوميين” ، فقد بات واضحا ان الفساد الذي يعاني منه العراق اليوم ، وهو في جانب كبير منه صناعة “بعثية داعشية” ، قد يتحول الى حصان طراودة لعودة البعثيين الى الحكم مرة اخرى ، ولكن بلباس اخر ، وهذا احتمال لا يجب ان نصفره او نستبعده ، لذا ليس امام العراقيين الشرفاء في داخل الحكومة و الدولة و خارجهما ، الا محاربة الفساد وبشكل جاد وحازم ، كما دعت الى ذلك المرجعية والشعب في اكثر من مناسبة ، قبل فوات الاوان. |