من هم بنو بويه : إن قصة بني بويه تشبه الخرافات والأساطير ، وأي إنسان يقرأ أن رجلا فقيرا لا يملك ، ولا يقدر على شئ وينقل الحطب على رأسه من الجبال إلى البيوت ليحصل على الرغيف يقفز من حاله هذه إلى الملك الطويل العريض ، والسيطرة على بلاد العرب والعجم ، أي إنسان يقرأ هذا ، ولا يراه أسطورة وخرافة ؟ ولكن هذا ما حصل بالفعل لآل بويه . كان في أوائل القرن الرابع الهجري في بلاد الديلم رجل فقير يدعى \" أبو شجاع بويه \" ماتت زوجته ، وخلفت له ثلاثة بنين ، وهم أبو الحسن علي ، وأبو علي الحسن ، وأبو الحسن أحمد ، فاشتد حزنه ، وضاقت به الأرض ، فقال له أحد أصحابه يعزيه ويسليه : ارفق بنفسك ، وأولادك هؤلاء المساكين ، ثم أخذه مع أولاده إلى منزله ، وهيأ لهم الطعام ، وشغل أبا شجاع عن مصابه وآلامه . قال ابن الأثير في حوادث سنة 321 : فبينما هم كذلك إذ مر رجل يصيح ويقول عن نفسه : منجم ، ومفسر للمنامات ، ويكتب الرقي والطلسمات . فدعاه أبو شجاع ، وقال له : رأيت في منامي كأنني أبول ، فخرج من ذكري نار عظيمة استطالت وعلت ، حتى كادت تبلغ السماء ، ثم صارت ثلاث شعب ، وتفرع عن كل شعبة عدة شعب ، فأضاءت الدنيا بتلك النيران ، ورأيت البلاد والعباد خاضعين لها . فقال المنجم : هذا منام عظيم لا أفسره إلا بخلعة . فقال له أبو شجاع : والله لا أملك إلا الثياب التي على جسدي ، فإن أخذتها بقيت عريانا . قال المنجم : فعشرة دنانير . قال أبو شجاع : والله لا أملك دينارا واحدا . قال المنجم : إعلم أنه يكون لك ثلاثة أولاد يملكون الأرض ومن عليها ، ويعلو ذكرهم في الآفاق ، كما علت تلك النار ، ويولد لهم ملوك بقدر ما رأيت من تلك الشعب . فقال أبو شجاع : أما تستحي تسخر منا ؟ أنا رجل فقير ، وأولادي هؤلاء فقراء مساكين ، فكيف يصيرون ملوكا ؟ قال المنجم : أخبرني بوقت ميلادهم ، فلما أخبره جعل يحسب ، ثم قبض على يد أبي الحسن علي فقبلها ، وقال : هذا والله الذي يملك البلاد ، ثم هذا من بعده ، وقبض على يد أخيه أبي علي الحسن . فاغتاظ منه أبو شجاع ، وقال لأولاده اصفعوه ، فقد أفرط في السخرية بنا ، فصفعوه ، وهو يستغيث . ثم قال لهم المنجم : اذكروا لي هذا إذا قصدتكم ، وأنتم ملوك ، فضحكوا منه ، واستخفوا به . ولم تمض الأيام ، حتى تحققت نبوءة المنجم بكاملها ، وذلك أن أبا شجاع اضطر لفقره أن يدخل أولاده الثلاثة في الخدمة العسكرية جنودا مرتزقة ، ولكن سرعان ما ارتقوا بدهائهم ومهارتهم إلى مرتبة القواد وأمراء الجيش ، وأخذوا يستميلون الناس بحسن المعاملة ، ويكسبون محبة الضباط بالمال ، فقويت شوكتهم ، وانتشر صيتهم ، ولما اطمأنوا إلى قوتهم خرجوا عن طاعة الحاكم الذي يعملون بأمره ، وكان اسمه \" مرداويج \" واستقلوا عنه . علي بن بويه عماد الدولة وأول من ملك من البويهيين علي بن بويه ، أكبر أولاد أبي شجاع ، وكان يلقب بعماد الدولة ، وكان ابتداء سلطانه في شيراز عام 321 ه ، ثم امتد إلى إيران والعراق ، وغيرها من بلاد بني العباس . قال آدم متز في الجزء الأول من \" الحضارة الإسلامية \" ص 35 وما بعدها طبعة ثالثة : كان سبب ارتفاع علي بن بويه سماحته وشجاعته ، وسعة صدره ، وحسن سياسته ، فمن ذلك أنه استمال الحسين بن محمد الملقب بالعميد . ولاطف قواد مرداويج ، وأفضل عليهم ، حتى أوجبوا طاعته ، وكان ذا فضل يتسامع به الناس ، فيميلون إليه ، فلا عجب إذن أن يسهل عليه الانتصار ، على جيش الخليفة ، حتى استولى على جنوب إيران ، وكان بنو بويه إلى جانب هذا يحسنون معاملة الأسرى ، ويعفون عنهم ، ويؤمنونهم من جميع ما يكرهون ، حتى يطمئنوا إليهم ، على حين كان أعداؤهم يعدون للأسرى قيودا وبرانس ليشهروهم بها ، ولقد ظفر علي بن بويه بأعداء له ، معهم هذه الآلات ، فعدل عن العقاب إلى العفو ، وابتعد عن الطغيان . وهو الذي يرجع إليه الفضل فيما بلغه بيت بني بويه من قوة وعزة . وقال ابن الأثير في حوادث 322 : حين استولى علي على شيراز نادى في الناس الأمان ، وبث العدل . وقد ساعده الحظ في أمور ، منها أن الجند طلبوا أرزاقهم منه ، ولم يكن عنده ما يعطيهم ، فكاد ينحل أمره ، فقعد في غرفة دار الإمارة بشيراز ، يفكر في أمره ، وأصابه غم شديد ، فبينما هو مستلق على ظهره ، وقد خلا للفكر والتدبير إذ رأى حية ، قد خرجت من موضع في سقف الغرفة ، ودخلت في ثقب ، فخاف أن تسقط عليه ، فدعا الفراشين ، ففتحوا الموضع ، فرأوا وراءه بابا ، فدخلوه إلى غرفة أخرى ، فوجدوا فيها عشرة صناديق مملوءة مالا ومصاغا ، فأنفقه في رجاله ، وثبت ملكه بعد أن أشرف أمره على الانحلال . وأراد ذات يوم أن يفصل ثيابا ، فدلوه على خياط لياقوت حاكم شيراز الأسبق ، فحضر الخياط خائفا ، وكان أصم ، فقال له عماد الدولة : لا تخف إنما أحضرناك ، لتفصل لنا ثيابا ، فلم يفهم ما قال ، وحلف الخياط بالطلاق ، والبراءة من دين الإسلام أن الصناديق التي أودعها عنده ياقوت ما فتحها ، وما أخذ شيئا منها ، فتعجب عماد الدولة من ذلك ، وأمره بإحضار الصناديق ، فأحضرها ، وكانت ثمانية صناديق ، فيها مال وثياب . وفي هامش ابن الأثير ج 6 ص 333 طبعة 1353 ه \" توفي بشيراز عن سبع وخمسين سنة ، ولم يكن له ولد ذكر ، وكانت مدة ملكه ست عشرة سنة ، وكان من خيار الملوك في زمانه ، وممن حاز قصب السبق دون أقرانه \" الشيعة في الميزان - محمد جواد مغنية ص 138 :